الانتخابات الرئاسية في مهب التسويات الخارجية
كتب صلاح سلام في “اللواء”:
قفز الإستحقاق الرئاسي إلى واجهة الإهتمامات اليومية، متجاوزاً المراوحة المملة للملف الحكومي، رغم اللقاء الروتيني والشكلي الذي سيتم اليوم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بمناسبة عيد الجيش.
لم يعد أحد، لا في الداخل ولا في الخارج، يولي تشكيل الحكومة العتيدة أي إهتمام، نظراً لضيق الوقت المتبقي لها من مهلة الصلاحيات الدستورية، التي تنتهي مع إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية في ٣١ تشرين الأول المقبل، وبالتالي لا معنى لتضييع المزيد من الفرص في حلحلة عقد الولادة الحكومية، التي تتحكم بها ذهنية المعاندة من فريق العهد، وكأن «الرئيس القوي» يعيش بداياته الأولى. فضلاً عن أن الحكومة الوليدة لن تتمكن من تحقيق أي إنجاز في أجواء الخلافات والإنقسامات التي تُسيطر على علاقات أهل الحكم.
المعلومات المسرّبة عن المحادثات التي جرت في الأليزيه تباعاً بين الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون وضيفيه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تُشير إلى أن الإستحقاق الرئاسي كان مطروحاً، في إطار البحث بالملف اللبناني، وسبل مساعدة هذا البلد في الخروج من كبوته الإقتصادية والإجتماعية، وأن الرئيس المضيف طرح على ضيفيه بعض الأسماء المتداولة في الدوائر المغلقة. مما يعني أن الملف الرئاسي وضع على النار الفرنسية بجدية، سعياً لإجراء إنتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها الدستوري.
ولكن التجارب المريرة علمتنا أن الحماسة الفرنسية وحدها لا تكفي، إذا ما تلاقت مع مواقف إقليمية ودولية معنية بالوضع اللبناني، وإذا لم تأخذ بعين الإعتبار التطورات المتلاحقة وما تفرزه من تغيُّرات في المعادلات المتأرجحة على إيقاع الحرب المستعرة في أوكرانيا.
والتداخل الإقليمي والدولي ظهر بأوج قوته في القمتين اللتين شهدتهما المنطقة خلال تموز الفائت. الأولى قمة جدة التي حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن وشاركت فيها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق. والثانية قمة طهران الثلاثية، التي جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا، وتطرق فيها البحث إلى ما هو أبعد من الملف السوري وتعقيداته الداخلية، وخريطة القوى على الجغرافيا السورية.
وفيما الصراع الأميركي ــ الروسي على أشده في محاولة كل طرف إستمالة دول المنطقة، وخاصة المنتجة للنفط والغاز ، إلى جانبه في معارك الطاقة، التي أشعلتها الحرب الأوكرانية، ثمة رهانات إقليمية على تطويق بؤر التوتر في المنطقة، والجنوح نحو التهدئة في المواجهة العربية ــ الإيرانية، على خلفية المساعي العراقية لتخفيف التوتر بين طهران والعواصم الخليجية، وما حققته اللقاءات السعودية ـــ الإيرانية في بغداد بوساطة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي. دون التقليل من أهمية نتائج مفاوضات الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وإنعكاساته على مصير الإستقرار في المنطقة.
لبنان ليس على جدول أولويات هذه القمم والإجتماعات، ولكن الإنتخابات الرئاسية اللبنانية ستمر قطعاً في ثنايا هذه اللقاءات، وما يسبقها من صراعات، وما قد يتخللها من تهدئات وتفاهمات. ذلك أن رئاسة الجمهورية اللبنانية لم تكن في غالب الحالات من صنع لبناني، بإستثناء إنتخاب الرئيس سليمان فرنجية عام ١٩٧٠، وما عدا ذلك كان السيناريو يُعد في المطابخ الخارجية، وما تنتجه من تفاهمات إقليمية ودولية لتمرير الإستحقاق الرئاسي اللبناني، الذي يعكس، في معظم الأحيان، واقع المعادلات السائدة في المنطقة.
من الممكن إستعراض مجموعة من الأسماء في بورصة المرشحين، ولكن من المبكر، بل من الصعوبة بمكان، التكهن بإسم الرئيس العتيد قبل أن يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في التسويات المقبلة على الإقليم في حال نجاح مساعي التهدئة، وطوي صفحة الإضطرابات والحروب التي إستنزفت طاقات الدول، وحرمت شعوبها من العيش بأمن وإستقرار.
أما المبارزات الكلامية الدائرة بين الأطراف المحلية في تبني ترشيح هذا السياسي أو تلك الشخصية، فتبقى من ألوان الفولكلور اللبناني، وهي مجرد كلام بكلام ، بإنتظار وصول «الوحي» من الخارج، بإسم من سترسو عليه التسوية، وتُرجح كفته التفاهمات الخارجية!
لسنا بوارد الإفتئات على السيادة والكرامة الوطنية، ولكنه تصوير للواقع المتردي الذي أوصلنا إليه مدّعيي السيادة والإستقلال الفاشلين في الحفاظ على أسس ومقومات الدولة السيادية والمستقلة، ووضعوا الإنتخابات الرئاسية، بل قذفوا بالبلد كله، في مهب الصراعات الإقليمية والدولية..