الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية: فصل جديد في العلاقات بين السعودية وباكستان

كتب راسخ الكشميري, في العربية:
عبارة قصيرة كتبها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في ساعة متأخرة من الليل اختزلت تاريخًا طويلًا من العلاقات السعودية الباكستانية، فبعد توقيع الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية مع باكستان، كتب الأمير خالد بن سلمان على منصة إكس: “السعودية وباكستان في صفٍ واحدٍ ضد المعتدي.. دائمًا وأبدًا”.
لم تكن هذه مجرد كلمات، بل مفاتيح فهم لحدث يتجاوز كونه اتفاقًا رسميًا، ليصبح رمزًا حضاريًا وتاريخيًا. إنها ليست اتفاقية دفاع فقط، بل إعلان عن مصيرٍ مشترك، يقوم على صداقة اجتازت تصاريف الزمن.
الاتفاق الدفاعي الاستراتيجي المشترك بين باكستان والسعودية نص على أن أي اعتداء على أحد البلدين يُعد اعتداءً على كليهما، أي أن تهديد حدود أحدهما يُنظر إليه كخطر على كيان الآخر.
وكالة رويترز وصفت هذا الاتفاق بأنه امتداد مؤسسي لعقود من العلاقات الدفاعية، مؤكدة أنه لم يأتِ كرد فعل على واقعة بعينها، بل ثمرة مشاورات عميقة وطويلة، وفي الوقت الذي تعمق فيه السعودية علاقاتها الاستراتيجية مع باكستان، فإنها في ذات الوقت تحافظ على علاقات اقتصادية قوية مع الهند، في خطوة تعكس مرونة دبلوماسيتها.
واشنطن بوست وأسوشييتد برس أشارا إلى البيان المشترك الذي شدد على أن أي عدوان على أحد الطرفين يُعتبر عدوانًا على كليهما، مؤكدين أن هذا يأتي في إطار توسيع التعاون الدفاعي.
أما فايننشال تايمز، فرأت في الاتفاق مؤشرًا على توجه دول الخليج نحو إدارة أمنها الإقليمي ذاتيًا بعيدًا عن الاعتماد على قوة واحدة، وأشارت إلى أن السعودية عملت لأكثر من عام على هذا الإطار، متمسكة في ذات الوقت بسياسة عدم انتشار الأسلحة النووية.
بلومبرغ وصفت الاتفاق بأنه خطوة إلى مستوى جديد من التعاون الدفاعي، إذ لم يعد الهجوم على بلدٍ واحد فقط، بل على تحالف بأكمله، والرد كذلك سيكون مشتركًا، وهذا المعنى ردده الإعلام الباكستاني الرسمي أيضًا، حيث وصفت إذاعة باكستان الاتفاق بأنه علامة فارقة في تاريخ العلاقات الدفاعية الثنائية.
أما صحيفة دون الباكستانية، فقد أبرزت الحدث على صفحتها الأولى، موضحة أن رئيس الوزراء شهباز شريف وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وضعا إطارًا يجعل مبدأ (الاعتداء على أحدهما هو اعتداء على كليهما) ذا طابع قانوني، وفي تحليلات قناة جيو نيوز الباكستانية، رأى الخبراء أن هذه الخطوة ليست مفاجئة بل تطور طبيعي لتعاون عسكري طويل، نتج عنه تدريبات ومناورات مشتركة.
وفي الإعلام السعودي، لم يُقدم الاتفاق كخبر عابر، بل كرمز. فقد غطت العربية ووكالة الأنباء السعودية الحدث بإبراز مشاهد أضواء خضراء وبيضاء على أبراج الرياض، مع تأكيد في البيان الرسمي أن التوقيع تم في ختام الزيارة، بما يحمل رسالة جدية: السعودية وباكستان سيكتبان معًا قصة أمنٍ مشترك.
وبالعودة إلى السياق التاريخي، يُذكر أن مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي تأسس في ٢٠١٥م كان في الرياض، وكان أول قائده الجنرال الباكستاني المتقاعد راحيل شريف، ما يبرهن أن العلاقة العسكرية ليست شكلية، بل مؤسسية وعملية، كما يظهر في مناورات طويلة الأمد مثل الصمصام.
وعند ربط البُعد الاقتصادي بالاتفاق، تتضح الصورة أكثر، ففي عام ٢٠١٩م، خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان، وقعت اتفاقيات استثمار بقيمة ٢٠ مليار دولار شملت الطاقة والبتروكيماويات والمعادن والغذاء. وتواصلت الاستثمارات لاحقًا، فتم التوقيع في ٢٠٢٤م على مذكرات تفاهم بقيمة ملياري دولار، إلى جانب دعم مالي مستمر عبر إيداعات بلغت ٣ مليارات دولار، لذا يصعب فصل هذا التعاون الاقتصادي عن المسار الدفاعي.
كما تظل التحويلات المالية من السعودية إلى باكستان ركيزة مهمة، إذ تشير الأرقام من مارس إلى يونيو ٢٠٢٥م إلى أن السعودية كانت المصدر الأول للتحويلات، ما يجعل هذا الرابط المالي والإنساني أساسًا متينًا للشراكة الدفاعية والاقتصادية.
وقد تناول محللون دوليون الجوانب الحساسة للاتفاق، فايننشال تايمز رحبت بالتزام السعودية بعدم انتشار الأسلحة النووية، فيما رأت رويترز في الاتفاق إطارًا دفاعيًا شاملًا. أما بلومبرغ، فوصفت الاتفاق بأنه عنصر جديد في معادلة الأمن الإقليمي، سيؤثر على طبيعة وسرعة ردود الأفعال في الأزمات المستقبلية.
الإعلام الباكستاني سلط الضوء كذلك على أن التوقيع تم بحضور رئيس الوزراء وولي العهد وقائد الجيش، ما يعكس وحدة القيادة السياسية والعسكرية، ويبعث برسالة أن الدولة بكل مستوياتها تقف خلف الاتفاق.
الإعلام السعودي نقل نفس المعنى، معتبرًا أن ما حدث هو تتويج لمشاورات طويلة الأمد، وجملة الأمير خالد بن سلمان “نحن في صف واحد” لم تعد مجرد تصريح دبلوماسي بل تحولت إلى شعار للوحدة الشعبية.
أما في النظر إلى كيفية تأثير الاتفاق على العلاقة بين البلدين، فتبرز ثلاث ملاحظات: أولًا، التداخل بين الدفاع والاقتصاد بات وثيقًا. ثانيًا، يمكن توسيع التعاون المؤسسي العسكري ليشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتخطيط المشترك، وتعزيز قابلية التشغيل البيني. ثالثًا، لم يكن الاتفاق على حساب العلاقات الاقتصادية مع أطراف أخرى مثل الهند، ما يدل على توازن دقيق في السياسة السعودية.
وماذا بعد؟ إن تحرك البلدان نحو تشكيل فرق عمل مشتركة، ووضع جداول زمنية للتعاون القطاعي، وربط أسس الاقتصاد بهذا الإطار الدفاعي، سيحول الاتفاق من إعلان إلى واقع عملي، وتستمر التحويلات الشهرية من العمالة الباكستانية في السعودية في تغذية هذا الرابط الحي، مما يعمق الشراكة في صميم الحياة اليومية.
الواقع أن هذا الاتفاق ليس مجرد صفحة جديدة، بل فصل جديد في كتاب التاريخ. فصلٌ تُنسج فيه خطوط الدفاع بين السعودية وباكستان كخيوط مصيرٍ مشترك، وعندما يقول وزير الدفاع السعودي: “إننا في صف واحد”، فإنها ليست عبارة إنشائية، بل عهدٌ قانوني وأخلاقي وإداري، عهد بدأ يُكتب بالحبر، ويوشك أن ينفذ بالفعل.