أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: عون والخط الأحمر

في موقف وطني لافت يعيد رسم حدود الردع والسيادة، وجّه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون تعليماته إلى قائد الجيش اللبناني بضرورة التصدي لأي توغّل إسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية الجنوبية، مؤكداً أن حماية الأرض واجب وطني لا مساومة عليه، وأن الجيش هو المؤسسة الضامنة لسيادة لبنان واستقلاله.
جاء هذا الموقف في ظلّ تصاعد الخروقات في المناطق الحدودية، حيث شهدت الأيام الأخيرة محاولات توغّل محدودة داخل الأراضي اللبنانية، ترافقت مع اعتداءات أودت بحياة شرطي يعمل في بلدية قرية بليدا. وقد أثار هذا التطور قلقاً رسمياً وشعبياً واسعاً، دفع برئيس الجمهورية إلى تأكيد أن “الاعتداءات المتكررة على الجنوب لم تعد تُحتمل، وأن الرد عليها يجب أن يكون بمستوى الدفاع عن الكرامة الوطنية والسيادة”.
يوحي كلام الرئيس عون بأن الدولة اللبنانية تسعى إلى إعادة تثبيت حضورها الميداني والمؤسساتي في الجنوب، في لحظة دقيقة من التوازنات الإقليمية. فبين تصاعد التهديدات الإسرائيلية، تبدو المؤسسة العسكرية مدعوة إلى الإمساك مجدداً بزمام الميدان، وإظهار أن سيادة لبنان ليست مجرّد شعار بل ممارسة فعلية.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يحمل بعدين أساسيين:
أولاً، بعد ميداني – أمني يتمثل في تعزيز الانتشار العسكري وإظهار الجهوزية الكاملة لأي مواجهة محتملة، ضمن إطار الدفاع المشروع عن الأرض.
ثانياً، بعد سياسي – سيادي، إذ يعيد الخطاب الرئاسي الاعتبار إلى موقع الدولة في معادلة الردع، بعد أن كانت القوى غير النظامية تتصدر المشهد الحدودي في السنوات الأخيرة.
فمنذ اتفاق الهدنة عقب الحرب الأخيرة قبل عام على لبنان، يشكّل الجنوب اللبناني مسرحاً دقيقاً لتوازن الردع بين لبنان وإسرائيل، في ظلّ وجود قوات اليونيفيل ومراقبة مستمرة للخط الأزرق. غير أن التوغّلات المتكررة، سواء البرية أو الجوية، تُظهر هشاشة الالتزام الإسرائيلي بالقرار، ما يجعل دعوة الرئيس عون بمثابة تحذير واضح من أن الصمت الرسمي لن يستمر، وأن الجيش سيُمنح هامش التحرك الميداني عند أي خرق مباشر للحدود.
يأتي الموقف الرئاسي في مرحلة سياسية حساسة داخلياً، حيث يسعى لبنان إلى تثبيت مفهوم الدولة القادرة وسط انقسام سياسي متزايد. لذا فإن خطاب “التصدي” يحمل في طيّاته أيضاً رسالة داخلية: أن الجيش يبقى المؤسسة الوحيدة التي تحظى بثقة اللبنانيين كافة، وأن أي مساس بدوره أو تهميش له يشكّل مسّاً بهيبة الدولة نفسها.
كما يمكن قراءة التوجيه الرئاسي كرسالة مزدوجة إلى الخارج أيضاً: أولاً إلى إسرائيل بأن لبنان لن يقف متفرجاً على انتهاكاته، وثانياً إلى المجتمع الدولي بأن بيروت ملتزمة بواجبها في حماية حدودها، لكنها في المقابل تطالب بتفعيل الضغط لوقف الاعتداءات المتكررة.
بهذا الكلام السيادي والوطني بامتياز، يعيد الرئيس عون التأكيد على أن الجنوب اللبناني ليس منطقة رمادية، بل هو خط الدفاع الأول عن الكيان الوطني. فالجيش، الذي أثبت في أكثر من محطة التزامه العقائدي بالدفاع عن الأرض والشعب، يُكلّف اليوم بمهمة مزدوجة: الحفاظ على التوازن الدقيق في وجه التصعيد الإسرائيلي، وإعادة تثبيت حضور الدولة في مشهد الصراع المفتوح.
قد تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة في التعاطي الرسمي مع ملف الحدود، حيث لا يكتفي لبنان برصد الخروقات بل يعلن جهاراً أن أي تجاوز للخطوط السيادية سيُواجَه بحزم. وبين رمزية القرار ومفاعيله العملية، يظلّ الجنوب مرآة السيادة اللبنانية، وخطّ اختبارٍ حقيقي لقدرة الدولة على ترجمة مواقفها إلى أفعال.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى