باسم المرعبي – ناشر موقع “رأي سياسي”:
منذ اللحظة الأولى لوصوله الى مطار الشهيد رفيق الحريري، خضعت عودة رجل الاعمال بهاء الحريري للكثير من التحليلات والاجتهادات والتفسيرات، كونها جاءت في ظرف سياسي معقد في الداخل، وتطورات خطيرة في المحيط، وأعطى البعض لهذه الزيارة أبعادًا جعلت المتابع يعتقد ان هناك انقلابا سياسيا قادم الى لبنان سيقلب الوضع الحالي رأسًا على عقب، فيما ذهب البعض الآخر الى الدعوة لمراقبة مسار هذه الزيارة وما سيقوم بها صاحبها من خطوات لكي يبنى على الشيء مقتضاه.
صحيح ان بهاء الحريري عاد الى لبنان بشكل مفاجئ، وقرر العمل السياسي والاجتماعي تحت عباءة أبيه، في ظل إصرار أخيه سعد على اعتزال الحياة السياسية منذ 24 كانون الثاني 2022 وهو قالها بشكل واضح في اليوم الأول لوصوله “اننا أتينا لاستكمال مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسنحاول خلال وجودنا في لبنان زيارة كل المناطق، وبالنسبة إلى رؤيتنا، فهناك وقت للإعلان عنها”. الا ان اللافت كان اعلان رفضه الانضمام الى صفوف المعارضة، ورفع بيارق الاعتدال، وكأنه أراد بذلك ان يوصل رسالة الى من يعنيهم الأمر ان بهاء الحريري مختلف تماما عن عودته في العام 2022 وما سبق ذلك من اعوام تفصلنا عن يوم استشهاد والده، وهو قام بخطواته الأولى للدلالة على ذلك بأن ذهب الى الأطراف واستمع الى هموم ومشاكل اهل الشمال وعكار، واقام هناك لمدة اسبوع لينتقل هذه الفترة الى البقاع للغاية نفسها، وقد وضع البعض هذا السلوك في خانة جس نبض الشارع السني قبل ان ينتقل الى مرحلة الزيارات السياسية ليكّون فكرة عما اذا كانت الطريق باتت معبدة امامه للعمل السياسي وتحديدا تولي رئاسة الحكومة في هذا الظرف وهو الذي المح الى ذلك منذ اليوم الأول لهذه العودة المحددة باسابيع قليلة حيث أكد على توظيف علاقاته الدولية في اطار جلب المستثمرين والمساعدات الى لبنان والعمل على إعادة العاصمة منارة تجمع اللبنانيين، ولا ننسى جنوب لبنان الصامد وأهله الكرام الذين لن نتخلى عنهم وسنقف إلى جانبهم لإعادة بنائه وتحصينه وحمايته من العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يتعرض له.
مما لا شك فيه ان بهاء الحريري الذي قرر الاستماع الى الناس والانتقال من منطقة الى أخرى، يريد سلوك طريق الانفتاح االذي التزم به والده رفيق الحريري عبر الانفتاح على كل اللبنانيين وإذا ما انطلق من هذه الأسس سيكون سار على المسار الصحيح، سيما وان سياسة الأبواب المغلقة والتطرف في المواقف اثبتت فشلها في لبنان، هذا البلد القائم على التوافق والعيش والمشترك، وهذا الطريق سيمكنه من اختراق جديد على المستوى السياسي الذي سيكون مختلفا عن الانتخابات البرلمانية لعام 2022.
ومن المتوقع لا بل المؤكد ان الخطوات الشعبية للحريري سيتبعها في القريب العاجل خطوات باتجاه القيادات السياسية والروحية والكتل النيابية لعرض المشروع الذي يحمله في جيبه والذي على ما يبدو يركز بصورة اساسية على الإنماء والإستثمار، وهو يريد القول من خلال ذلك انه الشخصية السنية القادرة على تولي رئاسة الحكومة في هذا الظرف، وكأنه بذلك يكرر تجربة والده الراحل في اول حكومة تولى رئاستها في عهد الراحل الياس الهراوي بأن اعطوني الاقتصاد والاستثمار للنهوض بالبلد وخذوا ما تريدون.
من هنا يمكن القول ان توقيت مجيء بهاء الحريري إلى لبنان في هذه المرحلة ليس عن عبث، وهذه العودة ربما تكون بتنسيق على المستوى الاقليمي والدولي، بما يؤشر الى ان تسوية ما تطبخ على نار هادئة مكوناتها الرئاسة والحكومة وكل المواضيع ذات الصلة، وهناك مؤشرات كثيرة ظهرت تجعل من هذا الأمر احتمالا واردا، ليس أقله العلاقة التي عادت الى دفئها بين ايران والمملكة العربية السعودية، والتي نجحت على المستوى اللبناني في ازاحة اسم “حزب الله” عن لائحة الارهاب بعد ان تواصل الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي في زيارته الاخيرة للبنان مع “حزب الله” في ما يتعلق بالرئاسة والوضع في الجنوب، هذا الى جانب عودة التحرك السعودي على المستوى الاستثماري وتقديم المساعدات الى لبنان.
ان ما تقدم يفرض على من يعنيهم الأمر اعطاء هذا الرجل الفرصة وعدم وضع زيارته في زواريب الخلافات السياسية الضيقة، فهو بالتأكيد سيلعب دورا مكملا لوالده ولأخيه، هذا على الأقل ما أكده هو لحظة عودته، فلنترك الامور تسلك مسارها الى النهاية وبعدها يصدر الحكم.