ارتفاع الدولار الجنوني ينهش هياكل الصناعة اللبنانية
تعيش المدينة الصناعية في صيدا سكرات احتضارها الاخيرة، بعدما انتقلت من مرحلة الركود بفعل الازمات المعيشية والاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار الاميركي في السوق السوداء، الى مرحلة الافلاس والاقفال، لم يبق فيها سوى اصحاب المحال الاصليين بعدما هجرها المستأجرون الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تأمين قوت يومهم بعدما وقعوا بين مطرقة تسديد الايجار وسندان أجور العمال. وحال الاحتضار ترجم بشكل واضح في صمت الآلات والمعدات عن دورة العمل، في توقف ضجيج ورش الحدادة والنجارة ومحلات الحدادة والبويا وتصليح السيارات وقطع غيارها ونجارة المفروشات والموبيليا، حلت مكانها أصوات وجع أصحابها وعمالها معاً الذين يئنون من الركود الذي يلامس حد الشلل. فالمصالح منهكة بالضرائب والديون واصحابها عاجزون عن الصمود، بعد انكفاء المواطنين عن أقدم منطقة صناعية في المدينة، واكتفائهم بأولويات المعيشة في ظل الغلاء وارتفاع الاسعار.
ويؤكد صاحب احد المحال محمد مطيع غبورة لـ”نداء الوطن” ان الوضع “سيئ جداً، وهناك جملة اسباب تضافرت لتجعل المدينة الصناعية الاولى شبه خاوية، اولها: ارتفاع سعر صرف الدولار الاميركي وكل مواد المدينة تشترى بالدولار، حيث كنت اشتري الواح صاج بين 100 – 150 اسبوعياً بسعر 10 آلاف ليرة لبنانية اي ما يقارب 6.5 دولارات اميركية ونصف، اصبحت الآن 12 دولاراً، والدولار نفسه بات يحلق عالياً ووصل الى 25 الف ليرة لبنانية. كان لدي نحو 10 عمال لم يبق منهم سوى واحد، وحال اصحاب المهن مثلي ان المدينة الصناعية تحتضر ولا احد يسأل او يبالي. السبب الثاني هو التقنين القاسي بالتيار الكهربائي وارتفاع كلفة تشغيل المولدات الخاصة او الاشتراكات، طلبنا مراراً وتكراراً تزويدنا بالتيار الكهربائي صباحاً، ماذا ينفعنا في الليل والمحال مقفلة؟ ولكن لا احد يستجيب، ويريدون منك الصمود بلا مقومات. والسبب الثالث هو ان اولويات الناس تراجعت في اصلاح السيارات او شراء قطعها او ما يتعلق بها لانها تعتبر ان كل ذلك بات من الكماليات امام تأمين قوت اليوم”.
في المدينة الصناعية الاولى، يوجد اكثر من 150 محلاً، بينما في المدينة الصناعية الثانية عند منطقة سينيق هناك أكثر من 200 محل، اقفل الكثير منها في المدينتين، اذ ان اصحابها نفد صبرهم في تحمل مشقات فتح مؤسساتهم بلا مردود، مع ما يتراكم عليهم من مصاريف تشغيلية لذا فضّل بعضهم الإقفال نهائياً او موقتاً إلى حين تحسن الأحوال. ومع بدء الازمة اللبنانية، نظم اصحاب المحال في المدينة الصناعية أكثر من اعتصام، طالبوا خلاله بدعمهم قبل الوصول الى مرحلة الحضيض او الاحتضار، ثم جاءت جائحة “كورونا” والتعبئة العامة والاقفال بداية التحول السريع. ويقول صاحب محل الالمينيوم عدنان مستو لـ”نداء الوطن”: “الوضع كارثي ولا يوصف، الشغل مجمّد بالكامل بعد ارتفاع الاسعار بشكل جنوني ارتباطاً بالدولار الاميركي، كل اشغالنا تعتمد عليه، وشغل الالمينيوم الاكثر تأثراً، كذلك النجارة هناك نحو 50 محلاً في المدينة الصناعية الثانية اقفلت غالبيتها ولم يبق منها سوى خمسة، واصحابها باتوا يعملون على التوصية، اما الميكانيكي فعمله خفيف جداً ويتعلق الامر بالتصليح الاضطراري لاجراء المعاينة الميكانيكية قبل نهاية العام”، مردفاً بحسرة: “لم نشهد مثل هذا الجمود من قبل، سيما وانه قبل شهر ونيف عاد السوق الى حركته الخفيفة نتيجة قناعة الناس بضرورة انجاز متطلباتهم الضرورية قبل ارتفاع الدولار مجدداً وهذا ما حصل اليوم”.
ولا يخفي اصحاب المحال ان هوية العمال المياومين تغيرت بشكل شبه تام، بات السوري يعمل بدلاً من اللبناني او الفلسطيني، أجرة يومه أقل وهي تدعمه في حياته مع تقديم الامم المتحدة مساعدات شهرية له بالدولار الاميركي، بينما يحاول صاحب المصلحة تقليل كلفة التشغيل. ويقول ابو محمود دالي بلطة: “تقاسمنا خبز الأزمة المرّ مع العمال ولم ينجح الامر مع استفحال الازمة المعيشية، بدأنا بتخفيض أجورهم إلى النصف. واضطر آخرون لصرف بعضهم ثم صرفهم نهائياً ثم الاقفال لان للاسف لم يعد بإمكان أصحاب هذه المؤسسات دفع أجور عمالهم ولا إيجارات محالهم ولا رسوم كلفتها التشغيلية”.