رأي

إيران… صراع الأقلية والغالبية

خلعت منظومة السلطة خلال الانتخابات الأخيرة كل الأقنعة وكشفت عن حقيقة مشروعها

كتي حسن فحص, في “اندبندنت عربية” :

بعيداً من كل الاعتبارات السياسية والأخلاقية والقيمية التي يمكن اللجوء إليها أو اعتمادها في محاكمة وتقويم انتخابات مجلس النواب وخبراء القيادة التي شهدتها إيران مطلع شهر مارس (آذار) الجاري، إلا أن الثابت الوحيد الذي يمكن التوقف عنده هو أن النظام والدولة العميقة أو منظومة السلطة ينظرون إليها بأعلى درجات الاطمئنان والرضا، وتحديداً عن الآلية التي اُعتمدت في التحضير للعملية الانتخابية والنتائج التي خرجت بها صناديق الاقتراع، والأشخاص الذين سيتولون مهمة إخراج المرحلة الانتقالية واختيار ولي الفقيه الجديد بعد غياب المرشد الحالي عن المشهد السياسي.

ومصادر ارتياح النظام والدولة العميقة مردها إلى أن هذه المنظومة استطاعت التخفيف من الأعباء والأثقال والأوزان السياسية والاجتماعية والدينية التي من الممكن أن تشكل تحدياً أو منافساً أو مصدر قلق وتشويش على المسار الذي رسمته هذه المنظومة للوصول إلى المرحلة التالية، وانتقال القيادة وتثبيت مشروعها ورؤيتها لتركيب مراكز القوى وتوزيع النفوذ في ما بينها.

إعادة إنتاج الطبقة السياسية والدينية التي تريدها المنظومة جاءت منسجمة مع المسار التصاعدي للتحولات التي بدأها النظام الإيراني منذ ما بعد استقراره وسيطرته على الأوضاع وإنهاء حالات الاعتراض، أو التعددية الحزبية والتوجهات المختلفة داخل تركيبته ما بعد عام 1983.

ومرحلة عدم الاستقرار والصراعات بين القوى الحاملة للثورة بمختلف توجهاتها لم تقتصر على الجانب الأمني والعسكري وحتى الانفصالي لبعض المكونات القومية في إيران، بل شملت أيضاً صراعاً ثقافياً وفكرياً وسياسياً حول طبيعة النظام الذي سيتولى السلطة ويمسك بمفاصل الدولة ومؤسساتها، إلا أن الانتقال الذي حصل في النظام الإيراني الذي جاء على أنقاض النظام الملكي الشاهنشاهي لم يكن متسقاً أو منسجماً مع الشعارات التي رفعتها الثورة قبل انتصارها، وقد ظهرت هذه التحولات الفكرية والثقافية والعقائدية مع بروز الجدل حول طبيعة التسمية للنظام الجديد، بخاصة بين المؤسس السيد الخميني ورئيس الحكومة الموقتة مهدي بازركان، وجوهر النظام “الجمهوري” الذي يريده كل من الطرفين، أي بين البعد الإسلامي الذي تمسّك به الخميني للجمهورية، و”الديمقراطي” الذي أصرّ عليه بازركان من دون استبعاد الإسلامية عنه، وهو التباين أو الاختلاف الذي أسس لخروج بازركان والقوى السياسية التي تحمل التوجهات ذاتها من المشهد السياسي.

وإذا ما كانت الثورة في إيران ضد النظام الملكي قد مثلت موقف غالبية الشعب والمجتمع الإيراني في مواجهة أقلية حاكمة ومتحكمة في مقدرات وقرارات البلاد على مختلف المستويات، وأن هذه الغالبية استطاعت فرض إرادتها وإنتاج التحول الذي نقل إيران من الملكية إلى الجمهورية، فإن المسار الذي اتخذه النظام الإيراني بعد استقرار الأمور بيده، وسياسات التخلص أو استبعاد القوى السياسية المختلفة أو المعارضة لتوجهاته وعقائده السياسية والدينية، لا يختلف كثيراً في عمق تركيب السلطة وآليات الحكم عن المسار الذي كان سائداً في العهد الملكي، فالانتخابات الأخيرة التي خلعت فيها منظومة السلطة والدولة العميقة كل الأقنعة وكشفت عن حقيقة مشروعها، نقلتها وبإرادة وقرار منها كي تكون ممثلة لأقلية واضحة في مواجهة غالبية رافضة أو معترضة لما هو قائم على مستوى السلطة بكل مستوياتها الفكرية والعقائدية التي نقلت التجربة التي بدأت قبل أربعة عقود ونيّف، من حال شعبية شاملة إلى حال أقلوية لا ترى أهمية أو دوراً فعلياً وحقيقياً للحامل الشعبي لمشروع الدولة والنظام، سوى في الكشف من خلال صناديق الاقتراع عن الشخص أو الشخصيات التي تنسجم مع أطروحة هذه المنظومة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى