رأي

إنذار أميركي للمرجعيّات اللبنانيّة

كتب نبيه البرجي:

كلام في بعض الأوساط الديبلوماسية العربية حول انذار أميركي الى مرجعيات لبنانية كبرى: اما أن تقبلوا بورقة آموس هوكشتين كاطار للتفاوض حول الحدود البحرية أو لا نفط ولا غاز الى الأبد، أو … وابل من الصواعق تنزل على رؤوسكم!

بطبيعة الحال، الصواعق، تنزل على رؤوسنا أذا ما أخذنا بالاعتبار أن لبنان، بالتصدعات السياسية والطائفية، الراهنة، وبصراع الكراهيات الذي في ذروته الآن، وقد يزداد هولاً بعد الانتخابات، مهدد بفوضى أبوكاليبتية لا أحد يستطيع التكهن الى أين تنتهي بلبنان وباللبنانيين.

أكثر من اشارة على مدى العامين الفائتين الى مرجعيات سياسية لبنانية. وزارة الخزانة الأميركية تتعقب هذه المرجعيات، وهي تمتلك أدق التفاصيل حول ممتلكاتها، وثرواتها، حتى في أقبية القصور. هذا يعني أن العقوبات يمكن أن تحولها الى هياكل عظمية، وهي التي تبدو، في مقارباتها للأزمات التي ألقت بالرعايا في أروقة الجحيم، كما لو أنها، بأراكيلها، على سطح المريخ.

وكانت ميلينا ميركوري، النجمة الهوليودية ووزيرة الثقافة في اليونان، قد وصفت الكولونيلات في بلادها، وكيف عاثوا فساداً، وتنكيلاً، بتماثيل الفحم الحجري…

بذهول لاحظنا كيف أن المراجع اياها لاذت بالصمت المطبق لدى اعلان شركة «انرجيان» أن سفينة تابعة لها ستبدأ، في غضون أيام، بشفط االغاز من حقل كاريش في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان و «اسرائيل».

حتماً، الدولة المنهكة، والمفككة، لا تمتلك الحد الأدنى من الامكانات العسكرية، ولا الامكانات الديبلوماسية، لوقف تنفيذ ذلك الاختراق الصارخ للمنطقة الاقتصادية الخالصة، بعدما لاحظت صحيفة «الايكونوميست» أن لبنان يتعامل مع هذا الملف المتفجر بعقلية… السلحفاة!

الرؤوس الحامية تتحكم بالسياسات الأميركية الآن. اسرائيل هي الركيزة في ما يتعلق بحقول الطاقة شرق المتوسط، هذا ما حمل رجب طيب اردوغان على استقبال اسحق هيرتسوغ كما لو كان أحد الخلفاء الراشدين.

الهدف شراكة لادارة شبكات الغاز باتجاه القارة العجوز عبر الأراضي التركية ما دامت العلاقات الأوروبية ـ الروسية ستبقى في حال اهتزاز ربما لعقود.

أين لبنان من كل هذا؟ صحيح أن «اسرائيل» تتشكل من جاليات متباعدة ان لم تكن متناقضة، سوسيولوجياً، وحضارياً، وحتى جينياً، كما أن المنظومة السياسية فيها عبارة عن شظايا مبعثرة، ولكن هناك المؤسسة اليهودية التي تمسك بالمفاصل الأساسية للدولة والتي تحول دون المس بأي من المقومات الاستراتيجية لهذه الدولة.

هكذا كان التعامل مع الثروة الغازية. من يتابع ما كتب حول هذا الملف يلاحظ أن ثمة أدمغة وضعت الخطط اللازمة والمجدولة زمنياً ليس فقط في مجالات التنقيب، والانتاج، والتسويق، وانما أيضاً لتكون «اسرائيل» اللاعب الرئيسي على المسرح.

لا شك بوجود أدمغة في لبنان. مشكلتنا قد تكون في ما قاله اسكندر الرياشي (الصحافي التائه) «لا نعلم أي نوع من القبعات، وأي نوع من الطرابيش، نضع على رؤوسنا». بالتأكيد هناك خفايا، ومصالح، وصفقات (ومخاوف)، لدى أركان الطبقة السياسية لابقاء الملف في الثلاجة. وحين يتم اخراجه الى الضوء تبدأ المناكفات، وتبدأ المزايدات، التي تعيده الى الثلاجة ثانية.

هل هي الخيانة؟ وهل هو الخوف؟ وهل هو منطق المافيات؟ في كل الأحوال، المراوحة الراهنة تكشف مدى هشاشة تلك القامات التي تحكمنا، والتي تدار اقليمياً ودولياً، كما تدار الرسوم المتحركة.

في هذه الحال، والبلاد عبارة عن غابة من الخناجر، كيف لـ «حزب الله»، المحاصر من كل حدب وصوب، أن يلوح لأفيف كوخافي بالتعاطي الصاروخي مع ذلك الاختراق الذي يحرم لبنان من مخزون غازي هائل، كما من بقعة جغرافية شاسعة تؤكد القوانين الدولية ملكيته لها؟

الاسرائيليون يدركون أن لبنان الذي يلهث وراء الخبز والمازوت، يعيش نوعاً من الحرب الأهلية. هكذا يخلو الجو لهم ليشفطوا غاز لبنان، وربما كل لبنان… 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى