إشكالية الأحزاب في الشارع السياسي المصري
كتب أحمد ناجي قمحة في صحيفة الأهرام.
تعد الأحزاب عصب الحياة السياسية، وتتميز بالسعى الدائم للوصول إلى السلطة، وذلك من خلال تشكيل الأغلبية البرلمانية. غير أن المشهد الحزبى فى مصر عاصر نظمًا سياسية متعددة، اختلفت توجهاتها وقناعاتها حيال الأحزاب، وحراكها، وفاعليتها، ومن ثم تأثيرها في الشارع السياسي.
ومن ثم شهد النظام الحزبي في مصر، عقب أحداث يناير 2011، حالة من السيولة السياسية سادت آنذاك، وأدت إلى تأسيس العشرات من هذه الأحزاب، وصلت مؤخرًا إلى 87 حزبًا تقريبًا، غير أن معظمها قد فشل فى لعب دورًا حقيقيًا فيما يخص التعبير عن المطالب الشعبية والفئات المجتمعية، أو أن يكون حلقة الوصل ما بين المواطنين وصناع القرار، بما يسهم فى صنع وصياغة السياسات العامة.
الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات جوهرية لا بد لأى حزب قائم أو حديث التأسيس من أن يضعها فى اعتباره، إذا ما أراد تصدر المشهد السياسي، فالأحزاب السياسية في مصر عليها أن تعوض سنوات طويلة من عدم فاعلية دورها السياسي. وفي هذا السياق عليها استيعاب ما يلي:
1. أنها لا يمكن أن تكتسب ثقة المواطن السياسية وهي مستمرة في تقلد دور الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني.
2. أنها فقدت وقتًا كبيرًا دون محاولة الوصول للمواطن -إلا فيما ندر- ببرامج وآليات تنفيذية تحثه على المشاركة السياسية، ولم تستغل السنوات الماضية في مد جسور التواصل الفعال مع القواعد الانتخابية.
3. لا يمكن أن تستمر حالة الاستعلاء وتمرير السياسات الفوقية التي لا تعبر عن المواطن، وأنه حان الوقت لكي تكون العلاقة تفاعلية من القاعدة للقمة وبالعكس.
4. النقطة السابقة تقتضي ضرورة صياغة برامج تتناسب مع ما يعانيه المواطن من أزمات، وأن تشتمل هذه البرامج على حلول وطنية بناءة ومن خارج الصندوق لمواجهة هذه الأزمات.
5. لا معنى للتصنيف بين أحزاب موالاة وأحزاب معارضة.. هناك حزب حاكم أو أحزاب حاكمة تقابلها أحزاب معارضة، لأن طرح المسمى على هذا النحو به إسقاطات سياسية غير مفضلة، الموالاة لمن يا سادة؟، فلا موالاة إلا للوطن، ولو كنت حزبًا حاكمًا في السلطة أو حزبًا معارضًا فيرامجكما ينبغي أن تنطلق من رؤى وطنية لا موالاة فيها إلا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الوطنية والقومية.
6. لم يعد مقبولًا بعد كل هذا النضج الوعيوي الذي بلغه الشعب المصري أن تستمر آليات حشده للمشاركة التصويتية على النحو الذي يمكن أن يشوه من تجربة وطن يرغب أن يفعل علامته الوطنية في هذا السياق، وبالتالي على الأحزاب العمل بقواعد مبكرة ووفقًا لأسس مختلفة معتمدة على برنامج يصيغ رؤى ويعلن عن استراتيجيات تشتمل على سياسات تعبر عن توجهات الحزب وبما يميزه عن باقي الأحزاب.
7. ينبغي الاعتماد على آليات مختلفة للتجنيد الحزبي السياسي والابتعاد عن تقليدية اختيار المرشحين من أسر سياسية سيطرت على المقاعد السياسية من الأجداد للأحفاد، وذلك الأمر لن يتحقق إلا من خلال الكوادر السياسية الشابة التي من المفترض أن تكون قد أعدت من داخل الأحزاب، أو بالاستعانة بخريجي البرنامج الرئاسي لتدريب وتأهيل الشباب للقيادة، أو بالشباب من السياسيين والمثقفين أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين غير المنتمين حزبيًا، ودمجهم جميعًا على حسب برنامج كل حزب في دورات تدريبية تأهيلية لخوض الانتخابات والتي ينبغي أن تكون محطتها الأولى إنتخابات المحليات وفرز القيادات الفاعلة فيهم لخوض الانتخابات البرلمانية مستقبلًا.
8. لا ينبغي أن نترك فراغًا يمكن لأصحاب الفكر المتطرف أن ينفذوا محددًا من خلاله لوجدان وعاطفة الشعب المصري، وعلينا استيعاب أن كل هذه التحركات والبرامج ينبغي أن تؤسس على آخر ما وصل إليه الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأن كل ذلك ينبغي أن تتم صياغته صياغة تصل لكل الفئات المستهدفة، وعبر استخدام أحدث تقنيات التواصل السياسي عبر منصات التواصل الاجتماعي الأسرع في مخاطبة عقول كافة فئات الشعب، على أن تكون معبرة عن سياسات الحزب وأيضًا عن مصالح الفئات من المواطنين التي يستهدفها الحزب بخطابه.
9. أخيرًا على كل الأحزاب السياسية مراعاة المرحلة الفاصلة المأزومة التي يمر بها الإقليم، وأن تتحرك سريعًا بنشاط سياسي فاعل يعكس رؤى وطنية داعمة أو ناقدة ولكن ينبغي أن تعلي من صون الأمن القومي في جميع ما تشمله من أطروحات، بما يؤمن الجبهة الداخلية من أي اختراقات أو تهديدات محتمل النفاذ منها من قبل أهل الشر المتربصين بالوطن.
وليكن يقيننا جميعًا أن مصر تستحق الأفضل، وأنها دولة فتية ستنمو وتقوى وتحيا بقوة شبابها، وأنها ستظل وطنًا للجميع ما لم تتلوث يدهم بدماء المصريين.