أبرزرأي

أوكرانيا وقمة العشرين

كتبت “صحيفة الخليج”: لم يغب أبداً شبح الحرب في أوكرانيا التي هيمنت كما كان متوقعاً على قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في جزيرة بالي الإندونيسية، بالتوازي مع قمة المناخ في شرم الشيخ بمصر، والتي أظهرت عمق الانقسامات بين دول المجموعة، بقدر ما أظهرت الكثير من التفاهمات حول أمن الغذاء والطاقة والمناخ، ورفض التلويح باستخدام «النووي»، والتزام الحوار والدبلوماسية في حل الأزمات والنزاعات العالمية بالوسائل السلمية.

وبعيداً عن اللغة الإنشائية التي اعتمدها البيان الختامي بإدراج مواقف الدول المتباينة، نصاً في البيان، وهو ما اعتُبر نجاحاً غير متوقع للقمة، فإن هاجس الأمن العالمي ظل هو الأكثر حضوراً في أروقة القمة والاجتماعات الثنائية، والأكثر قراءة بين سطور البيان، على الرغم من عدم توفر الحلول الجاهزة والاكتفاء بالدعوات، ولفت الانتباه إلى أن عصر اليوم يجب ألا يكون عصر حروب. لكن كل هذه الدعوات والتمنيات كادت أن تتبخر في اليوم الثاني للقمة دفعة واحدة، حين هيمنت مسألة سقوط صاروخ في أراضي بولندا على كل ما عداها، واضطر زعماء حلف «الناتو» والتحالف الغربي إلى عقد اجتماع أزمة لبحث الرد على هذا التحدي، الذي سرعان ما تمت تبرئة موسكو من فعله، وإسناده بوضوح إلى أوكرانيا، بغض النظر عن كونه مقصوداً أو غير مقصود.

هذا التوتر الذي كاد أن يقلب الأمن والاستقرار العالمي رأساً على عقب، لم يحجب حقيقة ما كان يدور في الكواليس من توجّه غربي لإسناد دور للصين في القيام بوساطة لإقناع موسكو بإنهاء الحرب، وسحب قواتها من أوكرانيا. وهو في الحقيقة جاء بعد لقاءات عدة بين زعماء غربيين في مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبعد الاتفاق على ضرورة خفض التوتر والتفاهم على كيفية ضبط وإدارة التحديات القائمة، تلافياً للدخول في حرب جديدة قد تكون أشد خطراً على الأمن والاستقرار العالمي.

الرئيس الأمريكي كان يتحدث عن ضمانات من نظيره الصيني بشأن تايوان، وعدم اجتياحها بالقوة، والضغط على كوريا الشمالية لوقف تجاربها الصاروخية والنووية، وعدم تقديم مساعدات عسكرية أو غير عسكرية لروسيا، فضلاً عن قضايا التجارة والتنافس الاقتصادي العالمي. لكن في المقابل تُدرك الصين أن الضمانات المتبادلة مع الغرب ستظل عديمة الجدوى في وجود الأحلاف العسكرية، ومحاولات واشنطن وحلفائها، العودة للتربع على عرش النظام العالمي بعد أن اهتزّ هذا النظام الأحادي، وبدأت ملامح نظام دولي متعدّد الأقطاب تظهر في الأفق، وهو ما يمنعها من فك الارتباط مع حلفائها؛ لأنها تدرك أيضاً أن بقاءها منفردة في مواجهة الغرب يضعها في موقع الذي يقول: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».

ولعل الأهم من ذلك، هو أن بكين تشارك موسكو نظرتها إلى إعادة صياغة الأمن العالمي على أسس أكثر عدلاً وشمولية، والحاجة إلى نظام دولي متعدد الأقطاب. وبالتالي فإن الصين لا تتطلع وحدها إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، وإنما كل دول العالم، وحتى روسيا أيضاً، إذا ما توفرت شروط ملائمة وعادلة لإنهائه

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى