رأي

ألكسندر نازاروف: زيلينسكي يشن هجوما على بوتين وبايدن.. بوتين يشن هجوما على أوروبا

كتب المحلل السياسي الروسي الكسندر نازاروف :

من وجهة النظر العسكرية، أصبح الآن كل شيء معدا لهجوم القوات الأوكرانية على المواقع الروسية، وهو ما أعلن عنه الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي.

يقصف الجيش الأوكراني، يوميا، الجسور التي تربط رأس الجسر الروسي على الضفة اليمنى لنهر الدنيبر ببقية الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، بالاستعانة براجمات الصواريخ “هيمارس” الأمريكية، وربما سيدمر أحد هذه الجسور في غضون أيام قليلة، بعدها سيبدأ الهجوم الأوكراني.

كما حشدت أوكرانيا جيشا قوامه مليون جندي، يبلغ عدد الوحدات القتالية منه، وفقا لبعض التقديرات، حوالي 700 ألف شخص، معظمهم من جنود الاحتياط، أو ما يسمى بـ “الدفاع الإقليمي”، إلا أن عشرات الآلاف من الجنود هم من الجنود المدربين على يد المدربين الأمريكيين والبريطانيين والكنديين وغيرهم من المدربين الغربيين، إضافة إلى عسكريين مخضرمين من ذوي الخبرة القتالية. كذلك فقد وصل جزء كبير من الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وهي الآن جاهزة للاستخدام. بشكل عام، وعلى الرغم من كل ذلك، لا تزال الفعالية القتالية للجيش الأوكراني أقل بكثير من الجيش الروسي، ولكن نظرا لكتلة علف المدافع البشري في بعض قطاعات الجبهة، تتمتع أوكرانيا بميزة كبيرة على القوات الروسية، عدديا على الأقل.

عامة، السبب الرئيسي لبدء الهجوم هو اقتناص اللحظة قبل فوات الأوان، فأوكرانيا على وشك الانهيار الاقتصادي، ومن غير المرجح أن تكون قادرة على تفاديه، في الوقت الذي يسود فيه الذعر في أوروبا بسبب شتاء من المحتمل أن يكون بلا غاز، ما يعني أن أوروبا ربما لن ترغب في مواصلة الحرب بحلول الشتاء، بينما لن تتمكن من ذلك أوكرانيا.

لقد بلغ الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا اليوم 40%، وتم إغلاق نصف الأعمال، وخزانة الدولة خاوية. ووفقا للمسؤولين، فإن أوكرانيا تفتقر إلى 5 مليارات دولار شهريا لتغطية نفقات الحكومة، التي بدأت في طباعة النقود الورقية، وخفضت قيمة العملة المحلية “الغريفنا” بمقدار الربع. كذلك تفتقد أوكرانيا إلى 8 مليارات دولار لشراء الغاز لفصل الشتاء، في الوقت الذي لا يملك الغرب غازا ليوفره لأوكرانيا، ولن يكون لدى أوروبا ما يكفي من الغاز أساسا. بحلول فصل الشتاء، ينتظر أوكرانيا انهيار الاقتصاد والتضخم المفرط.

في ظل هذه الظروف، قرر الرئيس زيلينسكي ابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن بالتزامن عن إفلاسه إزاء سداد ديون شركة الغاز الوطنية “نفتوغاز”، وتوجه إلى واشنطن بطلب لتزويد أوكرانيا بالغاز لفصل الشتاء، معتمدا على عدم قدرة الرئيس بايدن رفض طلبه على خلفية المعركة الحاسمة في أوكرانيا.

في ذلك الوقت أيضا، أعلنت شركة “غازبروم” الروسية أنه اعتبارا من الساعة 07:00 صباح اليوم الأربعاء، 27 يوليو، ستخفض إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي-1” من 67 إلى 33 مليون متر مكعب يوميا، أو ما يصل إلى 20% من سعة خط أنابيب الغاز.

وأعلنت “غازبروم” السبب في ذلك وهو إطالة العمر الافتراضي للتوربينات، فضلا عن عدم اليقين بشأن الوضع فيما يتعلق بالعقوبات الغربية، التي تمنع إصلاح التوربينات.

إلا أن إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا، في الوقت نفسه، تبلغ حوالي 40 مليون متر مكعب يوميا.

تبلغ حصة الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب في واردات أوروبا من الغاز 45%، ولم تتمكن أوروبا الاتفاق مع قطر أو أي من المنتجين الآخرين، نظرا لمطالبتهم بعقود طويلة الأجل من أوروبا، التي تريد الابتعاد عن ذلك، لعدد من الأسباب من بينها خطط أوروبا للتخلي عن الغاز في إطار “التحول إلى الطاقة الخضراء”. يعني ذلك عجز أوروبا عن استبدال الغاز الروسي في السنوات المقبلة، وعلى الأرجح أبدا.

وفي ظل موجة التخوف من خفض الإمدادات، ارتفعت أسعار الغاز الأوروبية اليوم الأربعاء، 27 يوليو، إلى 2240 دولار لكل ألف متر مكعب، بزيادة 20% في يوم واحد.

وللمقارنة، فقد بلغ متوسط سعر الغاز عبر خط أنابيب الغاز الروسي في عام 2020 إلى 140 دولار لكل ألف متر مكعب، وفي عام 2021 إلى 274 دولار لكل ألف متر مكعب.

وقد جلبت صادرات الغاز لروسيا هذا العام في مايو 16.2 مليار دولار، وفقا لسعر الدولار في البنك المركزي الروسي، في يونيو 11.1 مليار دولار، أي بمعدل ارتفاع يبلغ 5 أضعاف و2.2 ضعف على التوالي مقارنة بالعام الماضي.

وعليه فإن الانخفاض في كمية صادرات الغاز الروسية يقابله ارتفاع في الأسعار. علاوة على ذلك، تمتلك روسيا فائضا تجاريا ضخما، ما يزيد من قوة الروبل كثيرا، حتى أن روسيا أصبحت مهتمة بإضعافه قليلا، لذلك فمن الممكن خفض الصادرات.

باختصار، يمكن لروسيا، دون أن تتعرض لأي ضرر، التخلي تماما عن صادرات الغاز، أو على أقل تقدير خفضها بشكل كبير، والحفاظ عليها عند هذا المستوى لفترة طويلة.

إن القفزة العنترية التي قامت بها أوروبا، بما في ذلك قرار الخفض “الطوعي” لاستهلاك الغاز بنسبة 15% حتى 31 مارس من العام المقبل، يواجه تخريبا فعليا من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويزرع الفتنة بينهم. من جانبها أعلنت كل من بولندا وهنغاريا أنهما لن تشاركا الغاز مع دول أوروبية أخرى، وكلما ازدادت وطأة الأزمة، كلما قل تضامن أعضاء الاتحاد الأوروبي.

علاوة على ذلك، فسوف يتعين على أوروبا وأوكرانيا، في حالة حدوث نقص في الغاز، أن يحددا من الذي سيحصل على الغاز الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية. قبل الحرب، كانت أوكرانيا تستهلك منه ما معدله 130-140 مليون متر مكعب يوميا، وخلال فترات الذروة ما يصل إلى 200 مليون متر مكعب، في الوقت الذي يبلغ فيه إنتاج البلاد من الغاز 55 مليون متر مكعب يوميا. أي أنه، وحتى مع الأخذ في الاعتبار انهيار الاقتصاد، سيكون الطلب الأوكراني في فصل الشتاء، على أقل تقدير، قابلا للمقارنة مع حجم الغاز المنقول عبر البلاد.

وبالإضافة إلى العراك على الغاز بين الدول الأوروبية، ستحاول أوروبا أن تأخذ من أوكرانيا ما تستطيع من غاز، والتي، اسمحوا لي بتذكيركم، قد لجأت لتوها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بطلب تزويدها بالغاز.

الولايات المتحدة بدورها تواجه ركودا في إنتاج الغاز، حيث تمتنع شركات الغاز عن الاستثمار في هذه الصناعة، وسط حملة التخلي عن الموارد الأحفورية في الغرب.

وعلى خلفية الذعر في أوروبا، بدأت الدول الآسيوية هي الأخرى في زيادة مشترياتها من الغاز، حتى لا تبقى بدونه في الشتاء. وبطبيعة الحال، يقلل ذلك من إمكانية تسليم الإمدادات إلى أوروبا.

باختصار، دفعت الحماقة الاستثنائية وثقة النخب الأوروبية بالنفس بأوروبا إلى طريق مسدود، لا يمكنها الخروج منه سوى بالاستسلام لروسيا.

واستنادا إلى ذلك، ليس لدى زيلينسكي أي فرصة للانتصار في الحرب، بغض النظر عن تطور الأعمال العدائية الآن في قطاعات معينة من الجبهة. لكن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تدججان أوكرانيا بالأسلحة من أجل تعظيم الخسائر الأوكرانية، بغرض تركها لروسيا أراض محروقة وسكان غاضبين يشعرون بالمرارة.

أعتقد أنه من غير المحتمل أن تقطع روسيا إمدادات الغاز تماما عن أوروبا. بل على الأرجح ستخفضها، حتى لا تحرم شركة “غازبروم” من الإيرادات، وفي الوقت نفسه، حتى لا تحرم أوكرانيا وأوروبا من متعة التنافس على حصة في الإمدادات الروسية.

ومع ذلك، يجب معاقبة أوروبا على الأعمال العدائية لتدمير جزء من الشعب الروسي على أراضي أوكرانيا سابقا. وأظن، في رأيي المتواضع، أنه لا بد من إجبار أوروبا على دفع تعويضات عن الأضرار الناجمة عن العقوبات ودفع ثمن استعادة ما تم تدميره. وهذا، بطبيعة الحال، لا ينفي أو يتعارض مع هدف طرد الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا، الذي أعلنته روسيا في إنذارها النهائي، ديسمبر الماضي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى