رأي

ألا تستحق إثيوبيا أن يكون لها منفذ بحري

كتب أيوب قدي في صحيفة العرب.

تأمين الوصول إلى البحر يمكن أن يجعل إثيوبيا محركا دافعا للتنمية الاقتصادية في القرن الأفريقي.

لقـد أصبحت ظاهرة التكتلات الاقتصادية الإقليمية من أهـم السمات التي تميز النظام الاقتصادي الدولي في الوقت الراهـن، وهـذا الأمـر لـم يعـد حكـراً على قارة أو إقليم بعينـه، بل إنـه انتشـر في جميع مناطق العالم المختلفـة. وفي هذا السياق، تأتي مساعي دول المنطقـة الرامية إلى إنشـاء مجمـوعة اقتصادية تضـم دول القرن الأفريـقي، وذلك باعتبارها خيـارا إستراتيجيـا لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار السياسي والاجتماعي في كافـة دول المنطقـة، حسب الخبراء.

وهذا ما أشار إليه مؤخـرا، رئيس الوزراء أبي أحمد، حيـث أكـد “أن المشـروع سيصب في مصلحة الأمن والاستقرار بالمنطقـة، ويضـع حداً للفقـر و البطالـة فيها، ويرفع مستوى معيشة سكانها”. كما أن تداخـل الموارد الطبيعيـة وضرورة الاستخدام المشتـرك لها، يعـززان رغبـة بعض دول المنطقـة في تحقيق التكامل الاقتصادي.

قال وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتيفا، إن إمداد إثيوبيا بمياه الشرب النظيفة والطاقة الكهربائية إلى الدول المجاورة يعكس التزام البلاد بتحقيق التنمية المشتركة. كما أكد، في مقابلة مع “فانا”، أن إثيوبيا تشترك في علاقات متنوعة مع دول منطقة القرن الأفريقي، موضحا أنها تتقاسم كافة مواردها المتاحة مع دول الجوار، حيث تسعى إلى تحقيق التنمية المتبادلة مع الدول المجاورة.

وقال الوزير هبتامو إتيفا، إن إثيوبيا تعتبر تقاسم مواردها مع الدول المجاورة نعمة، مؤكدًا أنها ستستمر في العمل لضمان التنمية المتبادلة من خلال الاستفادة المشتركة من مواردها. وأوضح أن إثيوبيا تعمل عبر مشروع أديجالا – جيبوتي على تأمين أكثر من 100 ألف متر مكعب يوميًا من مياه الشرب النظيفة لجيبوتي. كما أشار إلى أن الصومال قد طلبت إمدادات من مياه الشرب والكهرباء من إثيوبيا، مؤكدًا وجود استعدادات لتلبية هذا الطلب. وأنه بالإضافة إلى مشاريع مياه الشرب، فإن تعاون إثيوبيا مع الدول المجاورة في مختلف مجالات التنمية له أهمية قصوى لتعميق العلاقات بين الشعوب وتعزيز الارتباطات التنموية في المنطقة.

وألقى سيساي تولا، نائب المدير العام لمكتب الخدمة، كلمة في الندوة قائلا “إن أربع قضايا أساسية تجعل مسألة البوابة البحرية ملحة، وهي النمو الاقتصادي الذي يتم تسجيله وتزايد عدد السكان والاستخدام العادل للشعب”. وأضاف إن “إثيوبيا دولة لها تاريخ قانوني في امتلاك البوابة البحرية، كذلك قربها الجغرافي منها. وسترفع إثيوبيا استخدامها كاستخدام منفصل”.

وأشار سيساي تولا أيضًا، إلى أنه يجب أن يكون واضحًا للجميع أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع أرض الصومال هو نعمة تركز على المنفعة المتبادلة وتساهم في نمو المنطقة، وليس تهديدًا قائمًا على إيذاء الدول. ومع ذلك، فإننا نلاحظ أن الأعداء التاريخيين والحاليين لبلادنا يحاولون استخدام الأجندة كسبب لزعزعة استقرار المنطقة، من خلال تأجيج الأجندة بطريقة خاطئة.

وفي هذا الصدد، قال إنه يتوقع الكثير من المجتمع الدبلوماسي وجميع الإثيوبيين من خلال شرح الحقائق للحكومة الصومالية والمجتمع الدولي. وقال نائب المدير العام لجهاز المخابرات والأمن الوطني، تازر إجزابهير: إن الاتفاقية مع أرض الصومال لن تكون حصرية، وقد تم الاهتمام بما يكفي لتحويلها إلى نتيجة، وأن الاتفاقية كسرت الصورة النمطية القائلة باستحالة طرح الأسئلة حول البوابة البحرية، وفتحت لنا الباب لنتمكن من حماية مصالحنا الإستراتيجية في المستقبل.

وحول نفس الموضوع قال هيثم الزبيدي، رئيس تحرير موقع الشرق الأوسط أونلاين والمحرر التنفيذي لمجموعة العرب للنشر لوكالة الأنباء الإثيوبية، إن تأمين الوصول إلى البحر يمكن أن يجعل إثيوبيا محركا دافعا للتنمية الاقتصادية في القرن الأفريقي. وأشار هيثم إلى أن حكومة إثيوبيا تبحث عن طرق متنوعة وموثوقة لتأمين الوصول إلى البحر، من خلال نهج مربح للجانبين وتسريع تجارة الاستيراد والتصدير.

وتمتلك البلاد، بأراضيها الخصبة الشاسعة، ومجمعاتها الصناعية المزدهرة، ويبلغ عدد سكانها 120 مليون نسمة، القدرة على أن تصبح المحرك الاقتصادي للمنطقة. وأنه لكي تكون إثيوبيا محركًا دافعًا للتنمية الاقتصادية في المنطقة، فإنها تحتاج إلى الوصول إلى البحر، وقد دأبت الحكومة على طرق أبواب الدول المجاورة.

وقال الصحافي إنه إذا تمكنت البلاد من تأمين وصول متنوع وموثوق كما تطمح، فإن ازدهارها الزراعي والصناعي سيعزز بالتأكيد اقتصاد المنطقة. ووفقا للزبيدي، مع هذه الإمكانات الزراعية والموارد الوفيرة، فإن قطاع التصنيع، المدفوع بشكل خاص بأكثر من اثنتي عشرة منطقة صناعية في جميع أنحاء البلاد، يكتسب زخما. وأكد الصحافي أنه بهذه الطريقة “يمكن لإثيوبيا أن تكون المحرك الدافع للاقتصاد في منطقة القرن الأفريقي”، مشيراً إلى سكانها وإمكاناتها الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، أكد أن الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة لتأمين الوصول إلى البحر من خلال نهج تعاوني ومربح للجانبين تمثل فرصة للدول المجاورة والمنطقة. وإن إثيوبيا دولة صاعدة تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي في المنطقة، ومن خلال احتضان هذا الزخم وتعزيز التعاون عبر الحدود، يمكن للمنطقة أن تشهد مستقبلا أكثر إشراقا.

ومن جانبه أكد السفير شيبرو على أهمية تقاسم الموارد مع دول الجوار من أجل السلام والأمن الإقليميين. وحذر من أن العزلة قد تؤدي إلى عدم الاستقرار وتعيق النمو الإقليمي. وأشار أيضًا إلى ملكية إثيوبيا التاريخية للميناء، والتي فقدتها بسبب ظروف سابقة. وسلط الضوء على التضحيات التي قدمتها القوات الإثيوبية لضمان الاستقرار في الصومال وفي المنطقة، كما أكد على الحاجة إلى الدعم المتبادل من الدول المجاورة لوصول إثيوبيا إلى الموانئ.

مما لا شك فيه إن إثيوبيا ظلت ولا تزال تلعب دورها في تحقيق التكامل الاقتصادي والإقليمي المتوقع. وليس هذا فحسب، بل إن البلاد ظلت ولا تزال تنخرط بشكل كبير في توسيع البنية التحتية الضخمة التي تربطها مع دول المنطقة. وأن الجهود التي تبذلها إثيوبيا لتحقيق التكامل الإقليمي تفيد أيضا المواطنين في المناطق الحدودية بمختلف مرافق البنية التحتية. وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى الجهود المبذولة من الجانب الإثيوبي للربط مع الدول في المنطقة، من خلال إنشاء البنى التحتية مثل الطرق وخطوط الكهرباء والسكك الحديدية وغيرها، هذه الجهود تساهم مساهمة كبيرة في خلق مجتمع اقتصادي قاري واحد.

وتتركز الاتفاقيات في مجالات السلام والأمن، وكذلك المجالات الاجتماعية والاقتصادية لتسهيل التكامل الاقتصادي مع أهداف أخرى، لإنشاء علاقات شعبية وثقافية قوية ضمن إنجازات الدبلوماسية الإثيوبية في تعزيز التكامل بين دول المنطقة. وتمت الآن ترقية التبادلات على المستوى الوزاري الإثيوبي – الجيبوتي إلى مستوى القادة، وفقا للخارجية، وهناك اتفاقات مماثلة بين إثيوبيا وكينيا، وإثيوبيا والصومال، وإثيوبيا وأرض الصومال، وإثيوبيا والسودان، وإثيوبيا وإريتريا، وإنشاء طريق يربط ميناء مصوع بإثيوبيا وجنوب السودان، هذه المشاريع ستعطي أولوية قصوى لفتح وسائل النقل، بحيث يتم تعزيز ربط جنوب السودان عبر إثيوبيا وعبر ممر جيبوتي.

وليس هذا فحسب، بل إن إثيوبيا تسعى لمشاركة خبرتها في قطاع الطيران والعمل على إنشاء آلية مشتركة بشأن ربط الطيران وتطويره مع جمهورية جنوب السودان، لتسهيل التعاون الوثيق والتكامل. وقد تم بالفعل تركيب البنية التحتية للسكك الحديدية، والطرق والكهرباء والماء بين إثيوبيا وجيبوتي مع البنى التحتية للغاز الطبيعي المتوقعة لتعزيز العلاقات بين البلدين.

وأكد آدم كامل باحث في شؤون الدول العربية، لصحيفة “إثيوبيا هيرالد”، على أن مصر تستغل الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال لاستهلاكها السياسي الداخلي. وقال إن مصر تستخدم قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير منذ إثنتي عشرة سنة لخداع شعبها بمعلومات كاذبة والحفاظ على سياستها الداخلية. وعندما أدركت القاهرة أنها لا تستطيع وقف سد النهضة، حولت انتباهها إلى موضوع وصول إثيوبيا إلى البحر من أجل أجندتها السياسية الداخلية المعتادة.

وصرح السفير ملس ألم، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، في مؤتمر صحفي عقد مؤخرًا، أن تصريحات مماثلة (معارضة للعمل التنموي الإثيوبي) كانت تصدر من القاهرة منذ سنوات، حتى أنه تم بث إعلان الحرب على التلفزيون. لكن إثيوبيا لم توقف بناء سد النهضة، ولم تتخل عن سعيها للوصول إلى البحر. وأكد السفير أن إثيوبيا دولة صامدة لا تستسلم للخوف من أي تصريحات غير مبررة، وأن الجهود الدبلوماسية جارية لتوضيح الوصول البحري للبلاد.

وقد حاولت بعض الدول ربط أنشطة إثيوبيا بأزماتها الجيوسياسية. ومع ذلك، فمن الواضح أن الموقف الدبلوماسي لإثيوبيا يتماشى مع حركة عدم الانحياز. وأن الإدارة الفعالة للاعتراضات التي أثارتها بعض الدول بشأن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال تتطلب علاقات عامة دولية منظمة ومحادثات ثنائية مع الدول والكيانات المعترضة.

وأكد مدير شؤون الدول المجاورة بالوزارة، زيريهون أبيبي، لوكالة الأنباء الإثيوبية على الحاجة إلى العمل نحو التكامل الإقليمي على أساس المنفعة المتبادلة، وشدد على أن الموارد في أفريقيا والمنطقة لا يمكن تطويرها إلا على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة ونهج الأخذ والعطاء.

ومن وجهة النظر هذه، ينصب التركيز الرئيسي لإثيوبيا على تحقيق الاتصال الإقليمي في القرن الأفريقي. وأوضح زيريهون أنه بما أن السلام والاستقرار الإقليميين أمران حاسمان لتحقيق ذلك، فإن إثيوبيا تعمل على الحل السلمي للصراعات وتوسيع البنية التحتية وتعزيز العلاقات التجارية، من بين أمور أخرى.

وبما أن القرن الأفريقي مرتبط بالموارد الطبيعية والثقافة واللغة، أكد المدير أن هناك حاجة إلى تحويل هذه الفرصة إلى علاقات قوية وجعل المنطقة مؤثرة. وليس هذا فحسب، بل يجب أن لا ننسى مساهمة إثيوبيا في السلام والاستقرار عبر قوات حفظ السلام الدولية، ولعبت البلاد دورا رئيسيا في إحلال السلام في الصومال وجنوب السودان من خلال تطبيق مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية.

وفي الصومال على وجه الخصوص، كانت مشاركة إثيوبيا في إحلال السلام عميقة، وقد ساهمت إثيوبيا بشكل كبير في تعزيز السلام واستقراره والتكامل الإقليمي، ومن إنجازاتها في هذا الصدد مساهمتها في إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) التي تركز على التنمية. والسؤال الذي يطرح نفسه ألا تستحق إثيوبيا أن يكون لها منفذ بحري في البحر الأحمر وخليج عدن، رغم كل ما قامت به من أجل شعوب منطقة القرن الأفريقي؟ !

العمل معا هو أساس التكامل الإقليمي، من أجل رفاهية شعوب القرن الأفريقي التي عانت من التدخلات الخارجية.. !!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى