أربع سنوات من حكم تبون: تعثر الإصلاحات والطموحات
ينهي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون العام الرابع من ولايته الرئاسية الأولى (الولاية الرئاسية في الجزائر 5 سنوات)، التي بدأت في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، في ظل تفاوت في تقييم هذه الفترة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنها تتقاطع في أن مستوى التطلعات السياسية والطموحات الاقتصادية، مقارنة بالأسباب المادية المتوفرة لتحقيق جزء منها، كانت أقل بكثير من الواقع الذي هزم الطموحات.
منذ فترة قصيرة، أعلن وزير الاتصال محمد لعقاب الذي أدار الحملة الانتخابية لتبون في عام 2019، عن تنظيم حملة سياسية واتصالية للتعريف بالمنجزات التي تحققت في عهد الرئيس الجزائري، قبل عام تحديداً من نهاية ولاية الأخير الرئاسية. وكان واضحاً أن هناك مسعى للبحث عن منجزات سياسية واقتصادية يمكن أن تكون عناوين للمرحلة المقبلة التي ستشهد انتخابات رئاسية خلال عام 2024، في مواجهة انتقادات سياسية تعتبر أن الحصيلة ليست إيجابية بالقدر المطلوب.
الجزائر… أداء المؤسسات يهزم الطموحات
خلال الفترة الأولى من حكمه، ركّز تبون بشكل بالغ على ضرورات إحداث تغيير في المشهد السياسي يقود إلى تغيير في المؤسسات السياسية وأدائها، من خلال تعديل الدستور وإجراء انتخابات نيابية ومحلية شفافة. لكن تصريحاً لافتاً لرئيس البرلمان إبراهيم بوغالي في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من على منصة البرلمان، قال فيه إن الرئيس تبون مستاء من غياب النواب عن الجلسات النيابية، يظهر واقع الأداء السياسي لهذه المؤسسات وأنه يهزم الطموحات المعلنة.
كان واضحاً وجود عدم استقرار حكومي بسنوات حكم تبون الأربع حتى الآن، مع تغييرات في الوزراء وإعادة هيكلة
يضاف إلى ذلك ما يسجل في المشهد الجزائري من انكفاء الممارسة السياسية ومعاناة أحزاب المعارضة بفعل ما تصفه بالتضييق الممارس عليها ومنعها من مساحات التعبير عن مواقفها في الساحة والإعلام، وملاحقة السلطة لبعض الأحزاب وحلّ بعضها، والتضييق على الفعاليات المدنية والنقابية التي تتبنى مواقف نقدية تجاه السلطة، وحظر التظاهر والتجمع وملاحقة النشطاء، إضافة إلى تقلص هامش الحريات الإعلامية، بصورة جعلت النقاشات الإعلامية ذات اتجاه واحد.
حكومات الجزائر في عهد تبون: تغييرات وهيكلات
خلال سنوات حكم تبون الأربع، كان واضحاً وجود عدم استقرار حكومي برز من خلال تسعة تغييرات متتالية أجراها الرئيس الجزائري على الحكومات التي تعاقبت منذ يناير/كانون الثاني 2020، واستمر الرئيس الجزائري في البحث عن هيكلة موفقة ومثالية للحكومة. فخلال هذه الفترة، استهلك الرئيس ثلاثة رؤساء حكومات حتى الآن، عبد العزيز جراد وأيمن بن عبد الرحمن ونذير لعرباوي، وما يقارب 80 وزيراً.
وشهدت كل وزارة من الوزارات التي يفوق عددها 30 وزارة، على الأقل ثلاثة تغييرات لكل منها، بينما تداول على بعض الوزارات من خمسة إلى ستة وزراء، كوزارة النقل التي شهدت ستة وزراء، ووزارتي العمل والمالية اللتين تداول عليهما خمسة وزراء. بينما تداول على وزارات الزراعة والسياحة أربعة وزراء، وثلاثة وزراء في الداخلية الخارجية والصحة والصناعة، مثلهم في وزارات الرياضة والثقافة والسياحة. وتعد وزارات العدل والتجارة والتضامن، أقل الوزارات التي شهدت تغييرات بوزيرين فقط منذ يناير 2020.
وإضافة إلى سرعة التغييرات الوزارية، كان واضحاً أن الرئيس تبون ظل يبحث عن هيكلة مثالية للحكومة، وهو ما يفسر التغييرات المتتالية التي شهدتها الحكومة هيكلياً، سواء بتقسيم وزارات لتصبح أكثر من وزارة وكتابة دولة، على غرار وزارات الصحة والثقافة والصناعة والمناجم والبيئة والطاقات المتجددة، أو بإعادة ضمّها أو ضم وزارات إلى أخرى كما حدث مع الصناعة الصيدلانية التي تم ضمّها إلى وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني.
يعتقد أستاذ العلوم السياسية عبد الحق سعدي، أن مؤشرات وجود تغيير سياسي في البلاد، ما زالت غير واضحة. ويقول في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “بعد سنوات من الانتخابات الرئاسية، تأكد فعلياً أن استمرارية الحكم بفلسفته ورجاله وأساليبه هي السمة الأساسية التي طبعت الولاية الرئاسية، ما يعني أن الجزائر الجديدة كانت مجرد شعار لم يجد طريقاً للتجسيد، خصوصاً أن مسألة الشرعية بقيت قائمة ولم تحل، وحتى طريقة معالجتها لم تكن سليمة لأنها قامت على التضييق والإقصاء ولم ترتق للمخاطر التي تهدد الجبهة الداخلية ولم تتمكن من بناء جسر للثقة والترابط بين الحاكم والمحكوم”.
يقول تبون إن سياساته تواجَه بمقاومة من قبل مجموعات يعتبر أنها محسوبة على ما توصف بالعصابة
ويضيف سعدي: “لذلك فإن الهندسة السياسية التي تمّت خلال هذه الفترة بقيت مفرغة من محتواها، وزاد في حدتها عدم الاستقرار الحكومي وضعف أداء الوزراء وهو ما رسم رسالة سلبية للرأي العام يفتقد للثقة أصلاً”. ويشير إلى أن البرلمان أيضاً “لم يتمكن من إعطاء صورة مغايرة عن الصور السابقة لمختلف العهود، لأنه بقي يسير بنفس الأسلوب والمنطق، إضافة إلى أنه كان نتيجة لانتخابات مطعون فيها ولا تحظى بالشرعية ولا التمثيل الشعبيين”.
على الصعيد الاقتصادي، وما عدا أزمة كورونا التي فرضت الإغلاق لمدة عامين، توفرت لتبون وحكومته ظروف مناسبة على صعيد الوفرة المالية نتيجة حرب أوكرانيا والاستقرار السياسي.
وعلى الرغم من الحيوية الكبيرة التي ظهرت خلال السنوات الأربع من حكم تبون، في ما يخص إجراء مراجعات كبيرة للقوانين الناظمة للقطاع الاقتصادي ومساعي إعادة تنظيم السياسات الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات والمبادرة الحرة، إلا أن هناك تقييماً لدى المجتمع الاقتصادي وأوساط رجال المال والأعمال بوجود تعثرات لهذه الخيارات لأسباب مختلفة، بعضها موضوعي يرتبط بالمخلفات التي ورثها تبون.
وعبّرت عن ذلك الرسائل التي وجهتها هيئات تمثيلية لرجال الأعمال إلى تبون تشكو فيها عدم تحسن بيئة الاقتصاد، يضاف إلى ذلك الغلاء المسجل في أسعار المواد التموينية، والاضطراب المستمر في توفر السلع في السوق، وهو ما خلق حالة من القلق لدى الطبقات الاجتماعية في الجزائر.
سيف الدين قداش: جاء التقليص من مستوى التعاون الاقتصادي مع فرنسا كواقع فرضه الحراك الشعبي
لكن تبون الذي لا ينفي وجود مشكلات وإخفاقات في تطبيق الخيارات والقرارات المتخذة، يقر بأن سياساته تواجَه بمقاومة سياسية من قبل مجموعات يعتبر أنها محسوبة على ما توصف بالعصابة، وهي منظومة الحكم السابق ولوبياتها الاقتصادية والإدارية.
وأكد تبون في أكثر من خطاب أخيراً أنه أنجز 70 في المائة من تعهداته التي أعلنها في حملته الانتخابية، والمتضمنة في 54 بنداً، مضيفاً “جهودنا لن تنقطع ولن تثنيها تحديات مقاومة التغيير حتى تحقيق الأهداف التي تعهدنا بها وجعلناها أولويات ميدانية، سواء تعلق الأمر بالنموذج الجديد للإنعاش الاقتصادي والرفع من مستوى المعيشة والقدرة الشرائية، وضمان شروط الحياة الكريمة، أو تعلق الأمر بحفظ مكانة ودور الجزائر إقليمياً ودولياً”.
التوجه شرقاً
على صعيد العلاقات الدولية، يسجل تبون حيوية لافتة سمحت باستعادة نسق مهم في علاقات الجزائر مع بعض المحاور، ومراجعة العلاقات مع محاور أخرى سياسياً واقتصادياً، إذ برز توجه الجزائر نحو الشرق بصورة كبيرة، على غرار الصين وروسيا وتركيا وقطر، والعودة إلى لعب دور في بعض القضايا الحيوية كالقضية الفلسطينية، إذ نجح في عقد مؤتمر وحدة الفصائل لم تستكمل خطواته. كما برز دور في أزمات المنطقة كمالي والنيجر وليبيا وتونس، بعد فترة غياب منذ عام 2013، نتجت من مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لست سنوات قبل الحراك الشعبي الذي اندلع عام 2019.
وبالنسبة للخبير في الجيوبوليتيك والاقتصاد، سيف الدين قداش، فإن تبون نجح في هندسة علاقات خارجية تزاوج بين البعدين السياسي والاقتصادي. ويقول قداش في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “منذ أربع سنوات خلت، بدا أن سلطات الجزائر الجديدة اختارت تخندقاتها الاقتصادية بوضوح من خلال محور لشبونة – روما – أنقرة – الدوحة – موسكو وبكين، بحكم التحولات الجيوسياسية العالمية والعربية وحتى الإقليمية، فجاء التقليص من مستوى التعاون الاقتصادي مع فرنسا كواقع فرضه الحراك الشعبي بعد سقوط رموز النظام السابق وعرابيه، بينما اختارت الجزائر تعزيز تعاونها مع كل من إيطاليا والبرتغال لأسباب تتعلق باعتدال مواقفهما السياسية إزاء الجزائر”.