لينا الحصري زيلع
خاص رأي سياسي
منذ السابع من تشرين الأول الجاري ومع بدء معركة “طوفان الأقصى” زاد منسوب القلق عند اللبنانيين الذين طالما تعودوا العيش بحالة اللاستقرار السياسي والأمني، فما يحصل من تداعيات من معارك في الأراضي الفلسطينية المحتلة انعكس بشكل مباشر على الأوضاع الأمنية الجنوبية لا سيما على جانبي الحدود اللبنانية –الفلسطينية، مما ساهم في زرع الخوف الحقيقي عند الكثيرين من أهالي المنطقة بعد الإصابات المباشرة التي طالت المناطق الاهلة بالسكان، وادت الى استشهاد واصابة العديد منهم، هذا الامر دفع عدد من أهالي الجنوب اما الى النزوح لأماكن اكثر امانا، اما البقاء على جهوزية تامة بانتظار اي تطورات قد تحصل للإسراع في التوجه الى مناطق بعيدة عن نار الاشتباكات والقصف.
ولكن حتى الان يبدو انه من المبكر بعد الحديث عن حركة نزوح جماعية من المناطق المتفجرة على الحدود، ولكن في المقابل هناك تأكيد على وجود حالة قلق لدى البعض من تفلت الوضع خصوصا ان معظم سكان المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة، حسب المعلومات اخلوا منازلهم، او هم على اهبة الاستعداد الدائم للنزول الى الملاجئ.
ومهما يكن فإننا لا نستطيع ان نغفل الى ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، جعلت أهالي الجنوب يفكرون مليا هذه المرة قبل مغادرة قراهم وبلداتهم في ظل الازمة الراهنة، باعتبار ان الأوضاع الراهنة اقتصاديا وماليا اختلفت كليا عن ما كانت عليه اثناء “حرب تموز” المدمرة والتي شكلت كارثة على البنى التحتية للبنان، لذلك فان الاكيد ان لا قدرات لدى لبنان ولا لدى شعبه لإمكانية الصمود في بلد منهار على كافة المستويات، خصوصا في غياب المساعدات الدولية التي كانت متوفرة بشكل كبير في “حرب تموز” وادت نوعا ما الى تسهيل حياة النازحين وقتها.
حتى ان المواطن اللبناني العادي والذي فتح قلبه قبل منزله لأهالي الجنوب بات منهك حاليا لتأمين ادنى مقومات عيشه الأساسية، وهذا ما سيؤثر سلبا على أوضاع النازحين في حال اضطرارهم الى ترك منازلهم اذا ساءت الأمور الأمنية اكثر.
إضافة الى كل ذلك، فان المقومات الصحية والاقتصادية كلها باتت ضعيفة جدا نتيجة انهيار مؤسسات الدولة، من هنا تحاول الحكومة عبر اجتماعاتها المكثفة ل”هيئة إدارة الكوارث والأزمات الوطنية” للعمل على اتخاذ خطوات وقائية لمواجهة اي طارئ قد يحصل ومناقشة الازمات المحتمل حصولها في حال تطورت الاحداث، حتى ان الجلسة الخاصة لمجلس الوزراء التي عقدت يوم الخميس الماضي لمناقشة تداعيات اي عدوان إسرائيلي على لبنان في حال حصوله، جاءت قرارته خجولة امام الواقع المحتمل.
علما ان وزير الصحة فراس الأبيض اعترف ان الإمكانيات الصحية ضئيلة، كاشفا عن خطة يتم وضعها لتحضير المستشفيات بحالة وقوع الحرب او نزوح اللبنانيين من المناطق غير الامنة، كذلك فقد ابدى الصليب الاحمر اللبناني استعداده لاي طارئ قد يستجد على هذا الصعيد.
وحول انعكاس الازمة على الأوضاع الاقتصادية، تعتبر مصادر اقتصادية لموقع “رأي سياسي” ان لبنان اليوم منهك على مختلف المستويات، والدولة شبه مفككة ومتحللة ومفلسة في ظل الأزمات الكارثية التي تطال كل الجوانب الحياتية وليس آخرها عبء النزوح السوري، فيما فاتورة الحرب كبيرة وباهظة الثمن، ولبنان لا يقوى على تحملها بتاتاً في الظل الظروف التي تَحكُم المرحلة الراهنة، والتي تختلف كلياً عن مرحلة العام 2006، لذلك تدعو المصادر الى ضرورة تحييد لبنان عن الصراع القائم والالتقاء لمنع الانزلاق الى المجهول، لان المواطن اللبناني في الاصل متروك لمصيره يتخبط وحده بالأزمات دون دعم الدولة ومساعدتها له.
من ناحيته يقول الاستشاري المالي والاقتصادي غسان ابو عضل لموقعنا: “في اختصار لبنان لم يعد يحتمل اي هزة امنية بسبب المعاناة الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة والمتعددة الذي يعاني منها، فكيف الحال اذا تعرض لحرب إسرائيلية ونحن نعلم الفاتورة الكبيرة التي يمكن ان تسفر عن مثل هكذا عدوان.”
وحول استعداد بعض المدن والبلدات البعيدة عن الجنوب لاستضافة النازحين فيقول رئيس بلدية مدينة طرابلس احمد قمر الدين لموقعنا: “للأسف كل مؤسسات الدولة الرسمية تعاني من اوضاع صعبة، ولكن لا سمح الله في حال حدوث اي تطور في حركة النزوح من الجنوب باتجاه الشمال وطرابلس تحديدا، فنحن اخوة وعلينا الالتفاف حول بعضنا البعض، وسنحاول المساعدة قدر المستطاع باعتبار ان الموضوع يصبح إنسانيا، ولكن نأمل ان لا تتطور الامور وان تبقى محصورة.”
وأشار الى ان بلدية طرابلس كما غيرها من بلديات لبنان فهي تعاني، والمقومات الموجودة لديها هي بالحد الأدنى، وبالكاد تستطيع تأمين الرواتب للموظفين ولشرطة البلدية والخدمات الأساسية، حيث اختلفت الأوضاع المالية للبلدية عما كانت عليه في “حرب تموز 2006”.
اما رئيس بلدية عاليه وجدي مراد قال لموقع “رأي سياسي” :”مهما تكن الأوضاع صعبة تبقى لدينا إمكانيات ومقومات ولو محدودة لاستقبال الناس، فلبنان وطن واحد، ولكن ادعو كل مواطن يريد الإقامة ضمن نطاق بلدية عاليه ان يكون انسانا خلوقا، وانا متأكد ان الجميع هنا سيقوم بفتح منازله، وبإمكاننا لا سمح الله في حال واجهنا حركة نزوح باتجاه منطقتنا فتح كل مؤسسات الدولة.”