هل من خيط ناظم بين التطورات الميدانية التي تلف حدود لبنان؟

المشهد الميداني في لبنان منذ بداية الاسبوع يدفع الى التساؤل عما اذا كان هناك من رابط بين التطورات التي تقع بشكل شبه متزامن و التي تلف الجنوب و البقاع وصولا الى الشمال ، فتزامناً مع استمرار الخروقات الاسرائيلية و بالرغم من انه لا توجد مواجهات بالمعنى الدقيق للكلمة جنوب الليطاني، ولكن هناك غارات إسرائيلية شبه متواصلة، تستهدف القرى تارةً، وأفرادًا تارةً أخرى، يشتبه الإسرائيليون في أنهم مسؤولون في حزب الله. وبغض النظر عن الانتقادات، تواصل إسرائيل انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، حتى في الوقت الذي تستمر فيه القوات المسلحة اللبنانية في تعزيز وجودها في المنطقة لتثبيت الاتفاق . و بالتزامن مع التطورات الأمنية الخطيرة على الحدود اللبنانية-السورية، تحديدًا في منطقتي الهرمل والقاع و اندلاع المواجهات مع ” شبكات المهربين ” و انتشار الرواية السورية، التي حاولت القول إن القتال يدور بين عناصر من حزب الله والقوات السورية، بينما نفى حزب الله في بيان رسمي أي تورط له في هذه الاشتباكات كان من اللافت شن إسرائيل عدة غارات على مواقع يُقال إنها تابعة لحزب الله في البقاع. و قد أثار التصعيد تساؤلات حول أبعاده العسكرية والسياسية، وسط جهود دبلوماسية حثيثة لضبط الموقف ومنع انفلاته نحو صراع مفتوح.
وبالرغم من الاتفاق الذي توصل اليه وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة و الذي يفضي الى وقف اطلاق النار بين الجانبين فإن الاشتباكات لم تتوقف تمامًا، و بقي التوتر سيد الموقف فيما عزز الجيش اللبناني تواجده العسكري بعد دخول القوات السورية الى الجزء اللبناني من بلدة حوش السيد علي، و كان من المنتظر ان يدخل يوم امس لاستعادة السيطرة على بلدة حوش السيد علي و انسحاب القوات السورية الا ان هيئة تحرير الشام ماطلت بالانسحاب لتبلغ الجيش اللبناني انها ستؤجل الانسحاب حتى اليوم ، مما يُثير تساؤلات حول نوايا الهيئة، ناهيك عن التساؤلات التي راودت اللبنانيين عما اذا كان سفوط ثلاثة قتلى من السوريين داخل الأراضي اللبنانية و هم من المهربين كما اكد وزير الدفاع تستوجب فتح معركة من الجانب السوري الذي امطر البلدات اللبنانية بالقصف العشوائي بالرغم من ادراكه لخطورة التصعيد و كان من الممكن تدارك الأمر و التواصل مع الدولة اللبنانية بهدف فتح تحقيق في الموضوع ، الا ان ما حصل يؤكد على نوايا مبيتة تجاه لبنان وتلف الحدود اللبنانية – السورية .
أما المفاجأة شمالاً، فكانت اندلاع الاشتباكات مساء الاثنين بين مخيم البداوي الفلسطيني ومقاتلي وادي نحلة شمال طرابلس. ومنذ الأحداث الدامية في اللاذقية والساحل السوري، تصاعد التوتر في الشمال، خاصة بين العلويين في جبل محسن والسُّنة في باب التبانة. لكن الجيش تمكن من تعزيز وجوده بسرعة بين الجانبين مظهراً يقظة كبيرة.
في هذه البقع الجغرافية الثلاث التي تلفها الاعتداءات ، نجد تقريبًا الفاعلين تربطهم ملفات عدة .لهذا، يبقى التساؤل المطروح هو ما إذا كان هناك من خيط ناظم بين هذه الحوادث، أم أن تزامنها مجرد صدفة؟
وفقًا لبعض التحليلات، فإن كل هذه الملفات متداخلة ،حيث تأتي هذه المواجهات في توقيت حساس، مع مواجهة لبنان ضغوطًا دولية متزايدة، خصوصًا من الولايات المتحدة، لتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني ، فيما تنظر دمشق إلى المواجهات الحدودية كجزء من صراع أكبر يهدف إلى إعادة رسم معادلات النفوذ على طول الحدود اللبنانية، في ظل هذه المعطيات، يبدو أن السيناريوهات المستقبلية للأزمة تتراوح بين استمرار التصعيد أو التوجه نحو تسوية سياسية-أمنية. فالجيش اللبناني، الذي يحظى بدعم سياسي واسع، يعمل على استعادة السيطرة الكاملة على المناطق الحدودية، مع إفساح المجال للجهود الدبلوماسية لمنع انزلاق الأمور نحو مواجهة مفتوحة. ومع ذلك، فإن استمرار التحركات المسلحة والمناورات السياسية في المنطقة قد يفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية أوسع، خاصة في ظل تداخل الملفات اللبنانية-السورية مع الصراع الإقليمي الأشمل.
ويبقى السؤال الأساسي: هل يتمكن لبنان من تثبيت استقراره في ظل هذه الضغوط، أم أن الأزمة الحدودية ستكون مقدمة لتحولات جديدة في المشهد الأمني والسياسي للبلاد؟
*رأي سياسي*