محمد حسن الساعدي_ خاص موقع “رأي سياسي”:
عندما نريد ان نقيم معركة بين طرفين او ان نضع نقاط نجاح الصراع لأي طرف ينبغي ان نعرف اولاً معايير النصر والأسس التي يبنى عليها هذا النصر، والتي ينبغي ان تكون وفق مبدأ (الميدان ) والذي هو الفاصل في هذا التقييم، لذلك عندما نضع معايير النجاح والنصر في المعركة(المتجددة) بين اسرائيل ومن يقف خلفها من العالمين الغربي والعربي وبين حزب الله ينبغي علينا ان نعرف هذه المعركة غير متكافئة بين جميع الأطراف، فالكيان الاسرائيلي ومن خلفه العالم وبكل امكانياته من أسلحة وامكانيات إلكترونية متطورة آخرها استخدام الذكاء الاصطناعي امام الإمكانيات البسيطة لحزب الله وفقدان القدرة على مسك سماءه وعدم امتلاكه لمنظومات الدفاع الجوي والأجهزة الإلكترونية والتي تحول الميسور منها إلى عبوات ناسفة إنفجرت بوجه الناس بكل طبقاتهم الاجتماعية والعسكرية، استطاع هذا الحزب ان يقف عائقاً أمام اي تقدم للجيش الاسرائيلي في لبنان، وان تقدم فان هذا يأتي على أساس التكتيك العسكري وتحوله إلى كمائن(للفئران) لاصطيادها، وهذا ما عانى منه الجيش الاسرائيلي والدي تكبد خسائر بشرية كبيرة بالمعدات والبشر.
المعركة استمرّت لشهور طويلة استطاع فيها حزب الله ان يحقق نجاحات نوعية مهمة في ضربه للأهداف الحيوية المرسومة وبدقة عالية، وبالرغم من خسارته لقيادات الخط الاول كسماحة الشهيد السيد نصرالله وباقي القيادات الميدانية، إلا انه استطاع من امتصاص صدمة الفقد وتحول وبتكتيك عسكري إلى إمكانية جديدة انعكست في الميدان من خلال طبيعة مسك الارض والإدارة الناجحة للمعركة، بالإضافة إلى القدرة على المناورة في تنوع الضربات وتوزيعها على حيفا ويافا وعكا وطبريا والجولان الغربي وإنتهاءً بتل ابيب والتي امست هي الأخرى تحت مرمى نيران المقاومة في جنوب لبنان.
يبدو ان واشنطن مقتنعة الان بضرورة إنهاء الحرب في لبنان، وهذا الأمر ليس حماية للمدنيين او رعاية لحق لبنان في العيش على ارضه او معاقبة لاسرائيل، فالعالم يعلم جيداً ان اسرائيل تقصف لبنان وتدمر غزة بالصواريخ الامريكية، وتجتاح وتقتل الفلسطينين بدم بارد بآلة وسلاح أمريكي، ولكن ما تريده الولايات المتحدة هو التفرغ لحرب طويلة مع الصين من جانب، والسماح لاسرائيل ان تنفذ اجندتها الجديدة في السيطرة على الضفة الغربية والتي أحكمت قبضتها عليها وهجرت أهلها، وبذلك تكون قد حققت تقدماً استيطانيا مهماً في فلسطين، كما هو الحال في جنوب لبنان، ووفق بنود الاتفاق المبرم بين لبنان وإسرائيل والذي وقعه وشارك فيه خمس دول (اميركا، اسرائيل، فرنسا، لبنان، بريطانيا) والذي دعى فيه حزب الله إلى الانسحاب ما وراء نهر الليطاني اي ما يقارب حوالي 30كم، في حين ان المراقب يجد ان صواريخ حرب الله تصل مداياتها إلى اكثر من 100 كم وبالتالي فان الهدف من هذا الشرط ليس إبعاد حزب الله، بل ان تكون هذه المنطقة خاضعة لتل ابيب وتسعى مستقبلاً إلى ضمها والسيطرة عليها لحدود نهر الليطاني.
وفق منطق القوة والسعي للسيطرة على الارض فان أهداف الكيان الاسرائيلي لن تقف وتكتفي بما هو لديها بل ستسعى بكل ثقلها العسكري إلى السيطرة وتغيير شكل المنطقة، عبر توسعة الحرب وإرضاخ الغرب لاملها في التوسع، مرة وفق نظرية التطبيع او السكوت على التطبيع، او جر المنطقة إلى حرب واسعة تخرق الأخضر واليابس وتحت أنظار العالم والمجتمع الدولي والأمم المتحدة والتي وقفت صاغرة امام هذا الاستهتار واللغة الانتقامية التي تحاول تل ابيب فرضها على الشرق الأوسط.
بميزان الربح والخسارة فان مجرد وقوف حزب الله بوجه اسرائيل والعالم فان هذا نصراً مستحق وبجدارة ناهيك عن القدرات العسكرية الكبيرة للكيان الاسرائيلي امام حصار عسكري وتكنولوجي على لبنان وحرب الله والتفاوت الكبير والواضح في الإمكانيات العسكرية، ومع كل هذا فان الكيان الغاصب طلب ضمانات من المجتمع الدولي بعدم استهدافه من حزب الله مستقبلاً، ما يعني الكيان الاسرائيلي يتوجع من الضربات القاسية التي تلقاها على يد حزب الله، إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي مني بها في شتى القطاعات الاقتصادية بالإضافة إلى فقدان الاسرائيلي امانه الشخصي في الأراضي المحتلة.
نعم… ربما حزب الله خسر قياداته الأساسية والميدانية ولكن تاريخه يؤكد ان الفقد سبباً في الاندفاع والنصر وهذا فعلا ما تحقق بعد استشهاد السيد نصرالله والتغيير والتفوق الكبير في التكتيك العسكري والضربات الموجعة التي تلقاها الكيان الاسرائيلي واستطاع ان يكون رقماً صعباً في المعادلة الدولية والشرق الأوسط والتي بالتاكيد لن تنتهي بنهاية الشخص او القائد بل ان الفكر والأيدلوجية هي الباقية وتؤسس لمبدأ رصين وقوي اسمه حزب الله.