مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية فى ظل إدارة ترامب الثانية
تُمثل دول الخليج أهمية خاصة بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية. لذا، يناقش هذا التحليل السياسة الأمريكية المتوقعة إزاء دول الخليج فى ظل إدارة ترامب الثانية ومستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية فى ظل متغيرات إقليمية ودولية بالإضافة إلى التحول اللافت فى سياسات دول الخليج لضمان أمنها الذاتى.
- • •
اتسم التحول فى سياسة الدول الخليجية بالاعتماد على الذات فى ضمان أمنها وتأمين مخاوفها وتنويع شراكاتها، فى ظل عدم موثوقية العلاقات مع الولايات المتحدة التى لم تضمن أمن هذه الدول خلال إدارة ترامب الأولى، بعد تعرض منشآت أرامكو فى السعودية فى العام 2019 لضربات صاروخية حوثية، وعدم قيام ترامب بأى رد على هذا الهجوم.
وعليه، اختلفت سياسات دول الخليج الخارجية فى ظل تحولات إقليمية ودولية عن سياستها خلال السنوات السابقة، واتجهت نحو تنويع الشراكات وبناء التحالفات لتحقيق مصالحها، مع العمل على تطوير قدراتها الذاتية، وتنفيذ استراتيجياتها التنموية. وهو ما ظهر بشكل جلى فى تقاربها مع الصين وروسيا، وموازنة سياستها وعدم الانحياز لطرف على حساب الآخر خلال الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن دور الوساطة الذى لعبته دول الخليج فى بعض القضايا وما قامت به السعودية والإمارات فى عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. ومساعى السعودية بالدعوة لتحالف دولى لحل الدولتين على خلفية الحرب فى غزة، بمشاركة عربية وأوروبية، والذى أعُلن فى سبتمبر 2024 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بالإضافة إلى انتهاج دول الخليج سياسة التحوط الاستراتيجى بهدف تحقيق مصالحها عبر تقاربها الحذر مع إيران، وتوقيع الاتفاق الإيرانى السعودى فى 10 مارس 2023 برعاية صينية، وتعزيز التعاون الاقتصادى بعقد الصفقات التجارية بين إيران والإمارات بالرغم من الخلافات السياسية فى بعض القضايا على غرار النزاع حول الجزر الثلاث (طنب الصغرى، والكبرى، وأبو موسى). - • •
حافظت الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب الأولى على علاقات وثيقة نوعًا ما بدول الخليج سواء بحضوره القمة العربية الإسلامية فى الرياض فى مايو 2017، وتقارب الرؤى إزاء مخاطر البرنامج النووى الإيرانى، وقدرات إيران الصاروخية، وأنشطتها المزعزعة لأمن واستقرار دول الخليج، وتوظيف أذرعها المختلفة فى المنطقة. وتوجد محددات حاكمة لمستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية خلال إدارة ترامب الثانية يمكن الإشارة إليها على النحو التالى:
أولا: المحدد العسكرى، تعد الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا لدول الخليج، وتستضيف الأخيرة بعض القواعد العسكرية الأمريكية، حيث الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، والذى يراقب حركة الملاحة، وخطوط الاتصال البحرية فى المنطقة بما يشمل المحيط الهندى وبحر العرب والبحر الأحمر. بالإضافة إلى الحضور الأمريكى عبر القواعد الجوية، ومقر القيادة المركزية الأمريكية. ومن ثَمّ يحتل البعد العسكرى أهمية فى طبيعة العلاقات بين الطرفين بغض النظر عن الإدارة كونها ديمقراطية أو جمهورية، لذلك من المرجح خلال إدارة ترامب الثانية تعزيز التعاون العسكرى سواء بعقد صفقات تسليحية مع بعض دول الخليج. - • •
ثانيا: إيران، الموقع الجيواستراتيجى لإيران يمثل أهمية لمصالح الولايات المتحدة، إذ تغطى مساحة إيران ما يقرب من نصف ساحل الخليج على أحد جانبى مضيق هرمز، والذى تمر عبره أغلب إمدادات النفط والتجارة والنقل فى الخليج.
وبالرغم من ممارسة ترامب سياسة فرض العقوبات على إيران خلال إداراته الأولى، لكنها لم تفلح فى ضمان أمن الخليج سواء بانسحابه من الاتفاق النووى الإيرانى فى العام 2018، وعدم التصدى للهجمات الحوثية على المنشآت النفطية السعودية فى 2019، والتصعيد باستهداف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى فى العام 2020. وعليه، من المرجح الاستمرار فى سياسة الضغط الأقصى إزاء طهران، لكن دون التصعيد فى ظل متغيرات إقليمية على خلفية الحرب فى غزة، ورغبة خليجية بخفض التوترات مع إيران، بمعنى انتهاج ترامب سياسة الضغط على إيران خلال إدارته الثانية مع تجنب توسع الحرب إقليميًا، والضغط على إسرائيل بهدف منع التصعيد تجاه إيران، وفرض العقوبات بهدف ضبط سلوكها وأذرعها إزاء أمن دول الخليج، أو ممارسة سياسة ضبط النفس واحتواء التصعيد الإسرائيلى الإيرانى فى المنطقة، مع العمل على عقد الصفقات المختلفة مع إيران وإسرائيل ودول الخليج. مثلا التوصل لصيغة مع إيران بشأن برنامجها النووى.
كذلك، ستعكس الصفقات الإقليمية القادمة سواء من خلال التهدئة أو استمرار حالة التصعيد الإقليمى، المسار الذى سيتبعه ترامب سواء بممارسة سياسة الضغط الأقصى بما يقابله هجمات من وكلاء إيران فى المنطقة تجاه المصالح الأمريكية أو الخليجية، وبما يقود إلى استمرار العراق وسوريا كساحات للمواجهة. أو انتهاج مسار عقد الصفقات مع إيران ودول الخليج وإسرائيل بهدف عدم التصعيد، خاصة أن تصريحات نائب ترامب (جيه دى فانس) تعكس رغبة فى التهدئة بقوله: «إسرائيل لها الحق فى الدفاع عن نفسها، لكن مصلحتنا تكمن فى عدم الدخول فى حرب مع إيران».
- • •
ثالثا: لدى دول الخليج هاجس أمنى إزاء التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى عدم ثقة فى الولايات المتحدة كشريك وضامن لأمنها. ومن ثَمّ سوف تستمر دول الخليج فى اتباع نهج حذر باتباع سياسة التحوط الاستراتيجى سواء بتوقيع السعودية للتطبيع مقابل الاتفاق الدفاعى مع الولايات المتحدة، بما يرتب استمرار الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة. لكن ربما يواجه هذا المسار بعض العقبات فى حال استمرار التعنت الإسرائيلى إزاء القضية الفلسطينية، والتصعيد بضرب منشآت إيران النووية، بما قد يقود دول الخليج إلى سياسة تنمية الشراكات مع الصين فى ظل انخراطها فى المنطقة عبر مبادرة الحزام والطريق، والعمل على زيادة استثماراتها فى البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة.
من ناحية أخرى، قد تمارس دول الخليج سياسة التحوط الاستراتيجى إزاء الولايات المتحدة خاصة أن لديها تخوفات من الدعم اللامتناهى من قبل الولايات المتحدة لإسرائيل، بما قد يقود إلى تصعيد فى المنطقة بين إيران وإسرائيل يمتد إلى دول الخليج، لذلك ستمارس دول الخليج التحوط بمعنى التقارب البراجماتى مع الطرفين بما يحقق مصالحها ويأمن مخاوفها، وانتهاجها لمسار تهدئة التوترات مع إيران خاصة أن هناك مؤشرات نحو التهدئة بزيارات رسمية لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية «فياض بن حماد الرويلى» إلى طهران، ولقائه نظيره «محمد باقرى» فى 10 نوفمبر 2024، فى ظل رعاية صينية لاستكمال مسار التطبيع السعودى الإيرانى، وتجنب الصدام مع إيران فى ظل توجهات خليجية تنموية على غرار استراتيجية السعودية 2023 والإمارات 2071. أو اتباع دول الخليج المسار التقليدى باستمرار التوترات الخليجية مع إيران، فى مقابل التطبيع مع السعودية، ومطالبة الولايات المتحدة بضمانات أمنية فى مواجهة طهران. - • •
رابعا: اتفاق التطبيع الإسرائيلى السعودى، من المرجح فى ضوء توقيع اتفاقيات إبراهيم خلال فترة إدارة ترامب الأولى، استكمال المسار ذاته بتوقيع اتفاق التطبيع الإسرائيلى السعودى، مقابل الاتفاقية الدفاعية مع السعودية، ودعم البرنامج النووى السلمى الذى ترغب فيه، لكن هذا المسار مرهون بالصفقات المحتملة فى المنطقة على خلفية وقف الحرب فى غزة، وترتيبات اليوم التالى، إذ طرحت السعودية إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة دولة فلسطينية، ويمثل ذلك تحديًا أمام إدارة ترامب فى ظل دعم ترامب غير المتناهى لإسرائيل.
- • •
خامسا: المحدد الاقتصادى، من المرجح أن تحظى العلاقات الأمريكية الخليجية خلال إدارة ترامب الثانية بمزيد من الصفقات التجارية، خاصة أن الاستثمارات السعودية كانت حاضرة خلال إدارته الأولى عبر إدارة جاريد كوشنر ــ صهر ترامب ــ لصندوق استثمارى بقيمة مليارى دولار، والاتفاقيات الاستثمارية الموقعة مع السعودية بنحو 400 مليار دولار خلال زيارة ترامب للرياض فى العام 2017.
المصدر: الشروق