مدينة غزة… ساحة رعب مع انتشار النهب والسرقة

تحوَّل ليل مدينة غزة لساحة رعب جديدة، يسيطر عليها صراع من نوع آخر ما بين الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة «حماس» والعناصر الشعبية التابعة لها من جانب، وما بات يطلق عليهم «عصابات اللصوص»، التي بدأت تنتشر بشكل أكبر في مناطق غرب المدينة التي تتعرض منذ أيام لموجة سرقات، ازدادت بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة.
وانتقلت ساحة الرعب من القصف الإسرائيلي المعتاد بكثافته ليلاً إلى صراع جديد يتم فيه استخدام الأسلحة الخفيفة والبيضاء. وكانت مساء الجمعة إلى فجر السبت، ليلة مغايرة عن الأيام والليالي السابقة، حين تدخلت إسرائيل بطريقة واضحة لتسمح لـ«عصابات اللصوص» بسرقة المحال والمخازن والبيوت، على عكس المواجهة التي كانت تلقاها العصابات من قبل «حماس» وشرطتها، واللجان الشعبية المتعاونة معها.
ووفق ما رصدته «الشرق الأوسط»، فإن ليل الجمعة – السبت، شهد عمليات نهب وسرقة غير مسبوقة، خاصةً في شارعي الوحدة، وعمر المختار بحي الرمال، بعد إطلاق النيران من الجانبين خلال محاولات سرقة مخازن بداخلها مواد أساسية تعود لمؤسسات دولية ومحلية تقدم وجبات طعام يومياً للسكان، في حين لم تكن بعض تلك المخازن تحتوي على أي مواد، الأمر الذي دفع «اللصوص» إلى مهاجمة السكان في منازلهم ومحاولة سرقتهم، قبل أن تنجح بعض العائلات بالدفاع عن نفسها بمساعدة عناصر من الأمن والشرطة.
حالة هلع وخوف
وعاشت عشرات العائلات في هلع وخوف شديدين نتيجة التهجم عليهم ومحاولة سرقة منازلهم، في حي الرمال، خاصةً شارع الوحدة.
ويتكدس غالبية النازحين من أحياء شرق مدينة غزة، وبعض مناطق شمال القطاع في منطقة غرب غزة، بعد أن كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد طلب منهم النزوح إليها في مرات سابقة، الأمر الذي يسمح لـ«اللصوص» بالقدرة على السرقة بطريقة أسهل، في ظل تكدس أعداد كبيرة من السكان.
وكشفت مصادر ميدانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أن 4 من «اللصوص» قتلوا في تلك الليلة، في حين أصيب ما لا يقل عن 17 آخرين بجروح متفاوتة. وذكرت «الجبهة الداخلية» التابعة لـ«حماس» أنها «أعدمت 6 لصوص، وأطلقت النار على أقدام 13 آخرين».
وذكرت المصادر أن تدخل الطائرات المسيّرة الإسرائيلية طراز «كواد كابتر» بشكل مباشر فيما بدا توفير غطاء لتلك «العصابات»، تسبب في عدم قدرة الأجهزة الأمنية والشرطية واللجان الشعبية المسلحة من حماية المخازن التي سُرقت.
وأطلقت تلك الطائرات عدة قنابل تجاه عناصر الأجهزة الأمنية والشرطية وعناصر اللجان الشعبية، ما أدَّى إلى مقتل وإصابة عدد آخر منهم، الأمر الذي أتاح لـ«عصابات اللصوص» الدخول لبعض المخازن.
ورغم أن هذا الحدث تكرر في مرتين، فإنه في مرتين أخريين على الأقل، فشلت «عصابات اللصوص» في النجاح بسرقة المزيد، وتمكنت عناصر شرطية وأمنية من نصب كمائن بطرق مختلفة، مستغلين ظلام الليل للاختفاء من الطائرات الإسرائيلية المسيّرة، الأمر الذي أتاح لهم قتل وإصابة واعتقال عدد من أفراد العصابات.
التشجيع على طرد «حماس»
وكثيراً ما كانت إسرائيل تستغل المسيّرات في غزة ضد حركة «حماس» خلال الحرب وقبلها، من أجل تشجيع الغزيين على طردهم من الحكم. وتغلق إسرائيل معابر قطاع غزة منذ أكثر من 60 يوماً، وتمنع إدخال أي مساعدات إنسانية أو مواد غذائية للتجار، الأمر الذي يفاقم الأوضاع الحياتية، ويزيدها صعوبةً مع عودة شح الغذاء لينتشر من جديد.
وأصدرت العديد من العائلات والعشائر في قطاع غزة بيانات منفصلة تؤكد رفضها لعمليات السرقة والنهب، ورفعها الغطاء العشائري عن أي من أفرادها في حال تورطهم بتلك الأحداث التي تهدف إلى خدمة إسرائيل، مؤكدةً رفضها لاتخاذ «الجوع ذريعةً للسرقة والنهب»، خاصةً أن غالبية مَن يخرجون في تلك العمليات يحملون أسلحة مختلفة.
وقالت وزارة الداخلية والأمن الوطني التابعة لحكومة «حماس»، في بيان، إن «استهداف الاحتلال المتواصل لعناصر التأمين يعكس حجم المؤامرة التي تدبر ضد شعبنا في قطاع غزة، ويكشف حجم التواطؤ من قبل فئة من العملاء الخارجين عن الوطنية والانتماء إلى هذا الشعب العظيم»، مؤكدةً أن أجهزتها ستواصل «جهودها المكثفة من أجل ملاحقة كل من تسول له نفسه الارتهان للاحتلال الذي يقتل شعبنا صباح مساء، ويجوع أبناءه، وستضرب بيد من حديد كل هؤلاء المارقين، وسنتخذ الإجراءات الكفيلة بردعهم، مهما كلّف ذلك من ثمن، ولن نسمح لهم بالاستمرار في ترويع المواطنين وتهديد حياتهم وسلب ممتلكاتهم، رغم حجم الاستهداف الإسرائيلي لمكونات المنظومة الأمنية والشرطية طوال شهور حرب الإبادة».
اتهامات الرئاسة الفلسطينية
وبينما لم تُعلق حركة «حماس» بشكل واضح على ما يجري، اتهمت الرئاسة الفلسطينية الحركة بأنها تقف على رأس «العصابات» التي تقوم بعمليات السطو والسرقة، وتستهدف مخازن ومستودعات المساعدات الإنسانية المقدمة لأهالي قطاع غزة.
وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيان استنكرت فيه تلك الأعمال، إن «شعبنا الفلسطيني لن يغفر لهذه العصابات جرائمها المشينة التي ترتكبها في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها، وتحديداً في القطاع»، مضيفةً: «كل هذه العصابات، ومن ينتمي إليها معروفون لدى أبناء شعبنا، وسيكونون على رأس القائمة السوداء، لتتم محاسبتهم ومعاقبتهم بالمقتضى القانوني في الوقت المناسب».
وعبّرت «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، وهي من فصائل منظمة «التحرير»، عن رفضها الكامل لأي «أعمال فوضى أو بلطجة أو اعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة»، عادةً إياها «أفعالاً خارجة عن المبادئ الوطنية والأخلاقية للفلسطينيين».
ودعت لتشكيل لجان حماية مجتمعية تضم كل فئات المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وتعمل على ضمان حماية الممتلكات العامة والخاصة من أي اعتداءات، وتقديم الدعم اللازم للمواطنين في هذه الظروف الصعبة، مشددةً على ضرورة التمسك بأهمية الوحدة الوطنية في مواجهة الحرب الشرسة التي يشنها الاحتلال، والابتعاد عن أي ممارسات قد تضر بالوحدة المجتمعية الفلسطينية، وتساعد الاحتلال في تحقيق أهدافه.