مبادرة “المطبخ الشعبي” تنجح في مساعدة العوائل الفقيرة لمواجهة الازمة الاقتصادية
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
تتفاقم الأزمات الاقتصادية والصحية، تتحول مصائب متتالية تنزل على رأس الشعب اللبناني دفعة واحدة ولا يصحو منها، اذ لا يمر يوم والا وتظهر فيه أزمة او مصيبة جديدة، او ترتفع صرخة وجع، فيما الضائقة المعيشية الخانقة مع طول أمدها تعصف بحياته وتسلبه ما تبقّى من أمل، بعدما طوت صفحة الرفاهية والكماليات بالكامل وبدأت بالضروريات تدريجياً الى حد الاختناق والحبل على الجرار.
وسط المشهد المأسوي، ومع غياب اي رؤية رسمية واضحة او خطة حكومية متكاملة للتصدي له والاكتفاء باعتماد نهج رد الفعل، يشكل “تجمع المؤسسات الاهلية” في منطقة صيدا بارقة أمل وعلامة فارقة في تخفيف اعباء المصائب، خاصة في ما يتعلق بالازمتين الاغاثية مع الفقر المدقع واستفحال نسبة البطالة، والصحية مع تفشي جائحة “كورونا”، الى جانب بلدية صيدا ونائبي صيدا بهية الحريري واسامة سعد والقطاعات الاخرى التجارية والمهنية والطبية والاسعافية والتي لعبت دوراً مساعداً. ويقول أمين سر التجمع ماجد حمتو لـ”نداء الوطن”: “ان التجمع وجد نفسه في قلب الازمة بإمكانات مادية متواضعة واحتياجات انسانية متزايدة، ونجحنا بالارادة القوية والعزيمة في الوقوف بثبات الى جانب اهلنا، وتلاقت نحو 65 جمعية ومؤسسة لبنانية وفلسطينية على قلب رجل واحد، وأعلنت حال الطوارئ على كافة المستويات: الاغاثية، الصحية، الاجتماعية والتربوية وسواها، وكنا حاضرين في الميدان لنلبي نداءات المواطنين وتأمين متطلباتهم الحياتية الضرورية، وعملنا على خط متوازٍ بينها جميعاً”.
اضاف: “ساهم التجمع في تخفيف اعباء “كورونا”، لجهة الاهتمام بالمصابين وتوفير الادوية والرعاية الصحية والطبية والدعم النفسي والاغاثي للمحجورين في منازلهم، واليوم يتواجد المتطوعون في مراكز اللقاحات لمساعدة الراغبين في أخذ الجرعات، ناهيك عن المراكز والمؤسسات التي تقدم الرعاية الصحية الاولية والطب الوقائي، فضلا عن مركز مكافحة المخدرات وعلاج المدمنين حيث يقوم بعمله بصمت وبخصوصية كبيرة. ولم يأل التجمع جهداً في تأمين المواد الغذائية للعائلات الفقيرة والمحتاجة والمتعففة، الى جانب الحصص التموينية والقسائم الشرائية، وكثيراً ما اطلقت المبادرات الخيرية في كل اتجاه، تلاقت جميعها في خدمة ابناء المدينة وتخفيف الاعباء عنهم، ناهيك عن التدخل التربوي في مساعدة العائلات على عودة ابنائهم الطلاب الى مدارسهم بشكل مريح والمساهمة في اعباء الاقساط والكتب القرطاسية وحتى وجبات الطعام”.
ولا يخفي حمتو ان “التجمع بادر باتجاه مناطق أخرى بالتعاون والتنسيق مع بلدية صيدا، فأطلق قوافل دعم العاصمة بيروت وبلسمة جراح ابنائها بعد الانفجار الكارثي في المرفأ ونزل المتطوعون الى الميدان للمساهمة في ازالة الركام وتنظيف الاحياء والمناطق ومساعدة الاهالي على العودة الى منازلهم بكرامة بعد اصلاحها أوليا”.
المطبخ الشعبي
والى جانب المؤسسات الاهلية، لم تتوقف المبادرات الفردية او الجماعية غير المنضوية في التجمع، كانت تحاكي كل أزمة وتستهدف العائلات الفقيرة والمتعثرة والمتعففة، من جبر الخواطر في تأمين الدواء، اي تسديد الديون في الدكاكين، الى افران المناقيش المجانية في التعمير والفيلات وصيدا القديمة، الى المساعدة في دفع ايجار المنازل، الى توزيع الخضار يومياً.
غير ان اللافت وسط كل هذه المبادرات بل المميز هو “المطبخ الشعبي” الذي الذي شقّ طريقه في شباط من العام 2020 في عز الأزمة الإقتصادية والمعيشة ليسد رمق الفقراء في قوتهم، اذ يقدم وجبات ساخنة ظهر كل يوم لحوالى 350 من المقيمين في المدينة، فيما العاملون فيه متطوعون وقد بلغ عددهم على امتداد الفترات السابقة نحو 85، تقاسموا العمل من إعداد الطعام حتى الجلي والتنظيف.
وتقول رئيسة “جمعية التضامن الشعبي” التي انبثق منها “المطبخ الشعبي” الى جانب مستوصف الشهيد رشيد بروم، السيدة سناء دبّاغ لـ”نداء الوطن”: “ان الفكرة انطلقت من حاجة الناس الماسة الى تأمين قوت يومها في ظل الازمة المعيشية الخانقة ودولرة المواد الغذائية وكل المستلزمات الحياتية التي لا غنى عنها، وما زاد الحاجة ليس فقط انعدام القدرة الشرائية مع انهيار العملة الوطنية بل ارتفاع نسبة البطالة، اذ ان كثيرين خسروا عملهم بسبب الازمة ثم جائحة “كورونا”، والتحدي الاكبر في عمل المطبخ الشعبي كان بالاستمرارية، ونجحنا اولا بفضل ثقة المتبرعين من الميسورين في صيدا ولبنان وحتى من الخارج بالمال والمواد العينية مثل الخضار والفواكه واللحوم والدجاج والمواد الغذائية الاخرى مثل الرز والزيت وثقتهم بنا، اذ يقوم عملنا على الصدقية والشفافية، وثانياً لانه عمل دائم وليس موسمياً مثل توزيع الكراتين والمساعدات المادية او العينية مرة واحدة، فنحن في حال جهوزية دائمة وإبتكار للأفكار لنستمر”.
واشارت الى “ان المطبخ الشعبي جاء استكمالاً لعمل الجمعية والمستوصف في توزيع الثياب وفق الحاجة، وتأمين الادوية، لقد شكلنا حلقة شبه متكاملة في رعاية هذه العائلات وفق اولويات الاكثر حاجة، وما زالت تصلنا طلبات للمساعدة ولا نردّ احداً وفق امكاناتنا، وما شجعنا على ذلك تجربتنا بدعم المتضررين من تفجير 4 آب في بيروت، وعلى مدار شهر. فرق المتطوعين من المستفيدين من خدمات المطبخ ساهموا برفع الأنقاض، وتوزيع الوجبات لمن رغب حيث أثبت المستفيدون أنهم ليسوا فقط متلقين للخدمة، بل هم فاعلون حين يدعوهم الواجب الوطني والإنساني”.