ماذا يحدث للدولار في حال فوز ترامب بالانتخابات الأميركية؟
من المتوقع أن يشهد العالم تحولات رئيسية خلال العام الجاري، إذ تجري انتخابات في 52 دولة حول العالم، إضافة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها التي أظهرت التناقض الصارخ بين الأحزاب الرأسمالية الحاكمة في الغرب مع طموحات الجماهير. ولاحظ محللون أن هذه العوامل أدت إلى تراجع ملحوظ في قبضة الأحزاب التقليدية على الحكم، وسمحت بصعود شعبية الحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة، ومن ثم ربما تقود إلى تحولات استراتيجية في سوق الصرف العالمي، وتمتد إلى زعزعة مكانة الدولار في النظام المالي العالمي، خاصة إذا تمكن دونالد ترامب من الفوز على الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن الذي تعثر في المناظرة الرئاسية يوم الخميس.
ولكن ما الذي يحدث للدولار في حال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة المقررة في نوفمبر القادم؟ حتى الآن تراهن أسواق الصرف على صعود سعر صرف الدولار. ووفق وكالة بلومبيرغ ارتفع مقياس الوكالة للعملة الأميركية بما يصل إلى 0.2% يوم الجمعة الماضي، أي بعد المناظرة الرئاسية مباشرة، وحقق مؤشر الدولار مكاسب أسبوعية للمرة السادسة على التوالي بعد تعثر الرئيس جو بايدن الذي رفع المخاوف بشأن قدرته على هزيمة ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
ويمكن النظر إلى ثلاثة عوامل رئيسية ستكون لها تداعيات رئيسية على الدولار. وهذه العوامل أهمها السياسة الحمائية، التي ربما ينفذها ترامب والتي ستقود إلى تدهور العلاقة التجارية مع الصين ودول عديدة في الاقتصادات الناشئة، خاصة المكسيك. وكان لتوجهات ترامب السابقة إلى الانسحاب من بعض المنظمات العالمية مثل منظمة التجارة الدولية واتفاقية باريس للمناخ ورفض دفع حصة أميركا أو خفضها في بعض برامج الأمم المتحدة الأمم المتحدة دور كبير في الاضطرابات السياسية العالمية.
في هذا الشأن يقول تحليل حديث لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس، إنه إذا أدت سياسات الرسوم الجمركية الأجنبية التي ينتهجها ترامب إلى ارتفاع التضخم وأبقت بنك الاحتياط الفيدرالي في دورة تشديد السياسة النقدية، فإن الدولار سيبقى “قويًّا لفترة أطول”، وربما يرتفع بدرجة تهدد الاقتصادات الناشئة.
ووفق محللين فإنه في حال تبني ترامب لسياسة الرسوم المرتفعة، فسيدفع ذلك العالم نحو الاحتماء بمعسكر “بكين ـ موسكو”. ويذكر أن ترامب كرر في المناظرة الرئاسية يوم الخميس تعهده بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الواردات في حالة فوزه في الانتخابات. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تضع ضغوطًا تصاعدية على التضخم في الولايات المتحدة، وتدفع مصرف الاحتياط الفيدرالي إلى تأخير تخفيضات أسعار الفائدة، ومن ثم سترفع سعر صرف الدولار.
في هذا الصدد، قالت كارول كونغ، الخبيرة الاستراتيجية في بنك كومنولث الأسترالي في سيدني: “من المرجح أن تزيد سياسات ترامب من الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، وترفع من حدة التوترات التجارية في العالم، ومن ثم تدعم أسعار الفائدة الأميركية والدولار باعتبارها ملاذاً آمناً. ولكن ربما يكون ذلك على المدى القصير”.
أما العامل الثاني، فهو احتمال أن يدفع صعود ترامب للحكم إلى زيادة التوتر بين بكين وواشنطن، مما سيدفع الصين إلى دعم تدويل اليوان وربما تزيد ضغطها على الدول النفطية وتطالبها بقبول عملتها اليوان في تسوية الصفقات البترولية بدلاً عن الدولار، وهو ما يعني تلقائياً نهاية سياسة ” البترودولار”، أي بيع النفط بالدولار.
ووفق بيانات موقع “ستاتيستا”، يُقدر حجم تجارة البترودولار بنحو تريليوني دولار في العام 2022 وأنها ستزيد بنسبة 8.5% سنوياً حتى العام 2030. ولكن ليس من المقدر أن يخسر الدولار كل هذه التجارة، ولكنه سيفقد حصة منها، خاصة أن الصين هي الآن الدولة الرئيسية في العالم المستوردة للبترول بعد ثورة النفط الصخري التي حولت البلاد من مستورد إلى مصدر للخامات البترولية.
وقال ريدموند وونغ، استراتيجي السوق في ساكسو كابيتال ماركتس، في هذا الصدد، إن الإجماع السياسي بشأن التعامل مع الصين لا يعتمد فقط على المرشحين الرئاسيين، بل يعتمد أيضًا على الكونغرس، مضيفًا أنه قد يكون هناك بعض التصعيد للتوترات في الأشهر المقبلة. من جانبه، قال شين ياو نغ، مدير الاستثمار في شركة ” أبردن abrdn”، إن عدم وجود تعليقات متشددة بشأن الصين في المناظرة الرئيسية ربما كان مفاجأة، لكن مناهضة الصين هي موقف موحد من الحزبين، لذلك ربما ليس هناك الكثير من الاختلاف بين المرشحين. ولكن بغض النظر عن ذلك، يرجح محللون أن تشهد ولاية ترامب الثانية تبني موقف أكثر صرامة بشأن القضايا التجارية مع الصين.
وقال الاقتصادي الأميركي، غال لوفت، في تعليقات لصحيفة ” وول ستريت جورنال” نشرتها يوم 9 يونيو الماضي وقبل مناظرة بايدن ترامب، إن سوق النفط والسلع الأولية العالمي هو بوليصة لمكانة الدولار بصفته عملة احتياط دولية. وأضاف “إذا سحبت هذه الأسواق من الدولار فإن مكانة الدولار في العالم ستتدهور”. وفي حال اختيار السعودية عدم تمديد تجارة البترودولار، أي بيع النفط باستخدام عملات أخرى إلى جانب الدولار، مثل الرنمينبي الصيني، واليورو، والين، بالإضافة إلى استكشاف العملات الرقمية مثل البيتكوين، فإن دول أوبك من المتوقع أن تحذو حذو المملكة، خاصة أنها ستجد دعماً سياسياً من روسيا وضغطاً من بكين التي باتت صاحبة حصة مسيطرة في التجارة العالمية.
ويرى خبراء أن انسحاب الدول النفطية الرئيسية من اتفاقية بيع النفط بالدولار سيؤثر على هيمنة الدولار في النظام المالي العالمي. وإذا حدث مثل هذا التحول فإنه سيقلل من هيمنة الدولار، وستكون له تداعيات على مستوى المعيشة في الولايات المتحدة. ومعروف أن الطلب العالمي المرتفع على النفط الذي يقدر حالياً بنحو مائة مليون برميل يومياً يرفع من طلب البنوك المركزية العالمية على العملة الأميركية لتسوية وارداتها من النفط، كما أن فوائض الدول النفطية يتم تدويرها عبر شراء السندات الأميركية.
وفقاً لخبراء، فإن ارتفاع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة يرجع إلى حد كبير إلى قوة الدولار. ومن الممكن أن تؤدي نهاية البترودلار إلى تقويض الهيمنة المالية العالمية لأميركا، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الرهن العقاري، والإيجارات، وقروض السيارات، وقروض الطلاب، وبطاقات الائتمان.
أما العامل الثالث، فهو تراجع جاذبية الاستثمار في الدين الأميركي، في هذا الصدد يقول تحليل في صحيفة “فاينانشال تايمز”، إن ترامب قومي وشعبوي، وسوف ينفق أكثر في حال فاز بالرئاسة ويخفض الضرائب من دون قيود. وهذا من شأنه أن يدفع التضخم إلى الارتفاع وانخفاض أسعار سندات الخزينة الأميركية. ويذكر أن لدى الولايات المتحدة ديوناً تقدر بنحو 35 تريليون دولار وفق أحدث البيانات الرسمية.