قطاع النقل بالمملكة.. نحو عصر جديد
كتب محمد مفتي في صحيفة عكاظ.
مع إقرار الهيئة العامة للنقل مؤخراً العديد من الإجراءات المتعلقة بكيفية ممارسة النقل بالمملكة، تخطو المملكة خطوة إضافية تجاه رؤيتها الطموحة 2030، والتي تشمل العديد من المجالات وأهمها بطبيعة الحال قطاع النقل والمواصلات، هذا القطاع الذي يمثل أحد أهم القطاعات المحورية في أي دولة سواء كانت متقدمة أو نامية، ومن المتعارف عليه أن مدى تقدم وسائل النقل (سواء كانت برية أو جوية أو بحرية) يعد أحد أهم مؤشرات تقدم الدول؛ كون هذا القطاع يخدم كافة المواطنين ويشكّل حلقة وصل تربط بين المدن والقرى.
بإعلان تلك الإجراءات المتعلقة بشروط الحصول على ترخيص نقل المواطنين عبر المدن من خلال مؤسسات مرخصة، والتي تشمل الكثير من البنود والمتطلبات لتقديم خدمات نقل بالمواصفات العالمية، يتم فتح صفحة جديدة في مجال تطوير قطاع النقل المحلي، وتكتسب تلك الإجراءات أهمية خاصة ولاسيما في ظل التمدد العمراني الذي تشهده كافة مناطق ومدن المملكة، ويقوم قطاع النقل العام بدور كبير في ربط مدن وقرى المملكة معاً من خلال شبكة مواصلات متطورة، كما تسهم في ربط الأحياء والمنشآت الحيوية ببعضها البعض بسلاسة ويسر، ومن المؤكد أن تقنين عملية ممارسة خدمات النقل يسهم في الحفاظ على حياة المواطنين وعلى نظافة البيئة وعلى حوكمة عملية النقل بصورة عامة.
ولعل إحدى المزايا الكبرى لهذا المشروع هو اهتمامه بكافة التفاصيل التي من شأنها تسيير الخدمة بسلاسة وانضباط تام، وهذه التفاصيل لا تقف عند تحديد عدد سنوات العمر التشغيلي للحافلة، ولا تنتهي بتحديد إجراءات إصدار التراخيص بالمنشأة المسؤولة بأدق التفاصيل، بل تشمل كل ما يخص عملية النقل بداية من المسوغات القانونية الواجب استيفاؤها لإصدار الترخيص، مروراً بالاشتراطات الواجب توفرها لتجديد الترخيص، نهاية بالمدة الزمنية اللازمة لإصداره ومدة سريانه وإلغائه وموقف الناقل القانوني عند حدوث ذلك والغرامات المتوقعة في حال الإخلال بتلك الشروط.
لا شك لدينا في أن هذه الإجراءات محكمة ولا مجال فيها للعشوائية أو الفوضى التي قد تميز مرافق النقل العام في الدول النامية، وهي بدون شك تسهم في إخراج الخدمات في صورة نظام متطور وآمن وذكي وجزء لا يتجزأ من منظومة الحكومة الذكية والمقننة التي تتميز بها المملكة ولاسيما على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
من المؤكد أن صدور هذه الإجراءات سيساهم في خلق بيئة نقل منظمة ومنضبطة، وهو ما سيسهم في تشجيع القطاع الاستثماري في نهاية الأمر وتنشيط الاقتصاد بشكل عام بعيداً عن العشوائية والفوضى، وسيساهم في خلق عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية، ومن الملاحظ أن هذه الخطوة جاءت كتكملة لبقية القرارات المشابهة لها في كافة المجالات الأخرى، لتصبح كافة الأنشطة التي تتم ممارستها في المملكة واقعة تحت رقابة وإشراف الدولة، ويتم التخطيط لها بحيث تسهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية العليا لها، وعلى النحو الذي يجعل كافة الأنشطة الاقتصادية تصب في تحقيق رؤية البلد الاستشرافية 2030 على نحو شامل ومتكامل في آن واحد.
بدخول الإجراءات المتعلقة بتنظيم ممارسة النقل بكافة مدن ومحافظات المملكة حيز التطبيق وسريانها بالفعل، يتضح لنا بجلاء أن الخطط التنموية بالمملكة تسير على قدم وساق الواحدة تلو الأخرى في مسيرة متتالية ومتعاقبة ومتكاملة، وهو ما يعني أن المملكة أصبحت تتبنى بالفعل منهج الحوكمة في كافة قطاعاتها الاقتصادية سواء استثمارية أو خدمية، كما يعكس اهتمام الدولة بتطوير قطاع النقل العام اهتمامها بتطبيق رؤيتها ومشروعها الإستراتيجي بأن تتحول -على نحو انتقالي- من الاقتصاد المعتمد على النفط لاقتصاد استثماري جاذب ومستقطب لرؤوس الأموال، معتمد كلياً على الحلول الذكية والمستدامة والمتجددة والتي تخدم كلاً من الدولة والمواطن معاً على المديين القريب والبعيد معاً، وذلك ليتحقق الاستقرار والازدهار والرفاهية لكل مواطن، ويتم وضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة لتتبوأ مكانتها التي طالما استحقت أن تنالها كواحة مزدهرة ومشرقة داخل منطقة الشرق الأوسط.