في يومهم العالمي.. أصحاب الاحتياجات الخاصة يعانون في لبنان
كتبت “الحرة”:
يحل “اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة” هذا العام، بينما تعصف بلبنان أزمات لم يشهد لها مثيل على مرّ التاريخ، طالت كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، إذ بلغت نسبة الفقر، بحسب دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا”، 74 بالمئة، في حين ارتفعت نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية إلى 33 بالمئة، فما هو الحال لدى طبقة مهمشة أساسًا ومحرومة من حقوقها حتى خلال أعوام الاستقرار السياسي والاقتصادي؟
وجاء انفجار الرابع من آب 2020 ليرفع أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة ويكشف تقصير الدولة الفاضح تجاههم، في وقت أدى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى رفع الفاتورة الطبية، كما ارتفعت أسعار الأدوية بشكل ناري بعد رفع الدعم الكلي عن بعضها والجزئي عن بعضها الآخر. ويشكو المصابون بالانفجار من عدم تأمين الدولة الرعاية الصحية لهم. يقول محمد الدقدوقي الذي أطفأ الانفجار عينه اليسرى وبتر ساقه اليمنى لموقع “الحرة” إن “الدولة لم تلتفت لي، طرفي الاصطناعي تم تأمينة من قبل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وأدفع ثمن كل أدويتي دون الحصول على أي مساعدة رغم أني أصبحت عاطلاً عن العمل”.
أرقام مخيفة حول الوضع الصحي والاستشفائي في لبنان!
عز الدين دعت الى اعلان حال طوارىء تربوية
محمد، والد لثلاثة أبناء، كان موظفاً في مرفأ بيروت حين دوى الانفجار، ويحتاج اليوم إلى من يؤمن احتياجاته وعائلته. الحالات كثيرة. ففي لبنان يبلغ عدد حملة بطاقات ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب ما أدلى به المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبد الله أحمد، لموقع “الحرة”، “117 الفاً، 70 ألفاً منها سارية المفعول حالياً، يحمل إحداها الطفل عمر عرب ذو الـ5 سنوات ونصف، والذي قال والده خالد لموقع “الحرة: “لا أستفيد من البطاقة نهائياً، فحتى الحفاضات اشتريها له، فهو يحتاج شهرياً لمليوني ليرة بين علاج فيزيائي وأدوية وغيرها. ففي الشهر الذي لا أحصل فيه على المال يعني أنه سيبقى ابني من دون دواء وعلاج، كما أنه اليوم من دون مدرسة ترعاه”.
حبرٌ على روق
لا حقوق لذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، كما قالت رئيسة “الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركيًّا” سيلفيا اللقيس، شارحة لموقع “الحرة” أن “القانون 220 / 2000 غير مطبق بمعظمه حتى الآن إذا لا يزال حبرًا على ورق، وهو يشمل حق السكن، التنقل، التعليم، كوتا توظيف في القطاعين العام والخاص بنسبة 3 بالمئة في كل منهما، الحق في الصحة والبيئة المؤهلة، والإعفاء من بعض الضرائب والخدمات العامة، إضافة إلى الحقوق السياسية والرياضية”.
وفي هذا السياق أشارت الباحثة في شؤون لبنان في منظمة “هيومن رايتس ووتش” آية مجذوب إلى القانون 220/2000 “الذي لا يعتبر مثاليًّا إلا أنه يضمن حقوق هذه الفئة، لكن للأسف لا يطبق بالشكل الصحيح”.
لا يقتصر الأمر على عدم تطبيق لبنان للقانون الذي أقره بل كما قالت اللقيس على “عدم تصديقه على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة التي اعتمدتها الأمم المتحدة سنة 2006 وهي أول اتفاقية عالمية لحقوق الاشخاص المعوّقين، والمزعج في الأمر أن لبنان شارك بصياغتها من دون أن يصادق عليها حتى اللحظة، كون حقوق الانسان ليست اولوية بالنسبة لدولتنا، على الرغم من أن عدد الاشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان بحسب تقرير البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية يعادل 15 بالمئة من عدد السكان، اي أننا من أكبر الأقليات”
أكثر الفئات المهمّشة
أثرت الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان بشكل كبير على ذوي الاحتياجات الخاصة، وشددت اللقيس “نحن أكثر فئة وضعها هش، معظمنا مبعد عن العمل، ليس لعدم قدرتنا بل بسبب التمييز والعوائق التي نواجهها، لهذا السبب تغرق هذه الفئة في الفقر وذلك بسبب الحرمان الذي تعيشه، وما زاد “الطين بلّة” فيروس كورونا وما ترافق معه من إجراءات حجر صحي من دون الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة” وأضافت اللقيس: “لا أبالغ إذا قلت أن البعض قد يواجه الموت لعدم قدرته على تأمين الطعام والدواء، لهذه الأسباب وأكثر يجب توفير حماية اجتماعية لكل المواطنين بمن فيهم الأشخاص المعوّقين”.
كما قال القاضي أحمد: “هم للاسف فئة مهمشة ومتضررة جداً خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر على لبنان، وهم اكثر فئة معرضة لخطر العنف والإهمال، كما أن لديهم احتياجات أكلافها كبيرة لا يمكن لأحد تحملها إذا لم تتدخل الدولة، القطاع العام والخاص والمجتمع الأهلي وإذا لم تتضافر الجهود لتلبية خدماتهم والأهم دمجهم في المجتمع”.
يجد ذوو الاحتياجات الخاصة صعوبة في التعليم، وشرحت مجذوب: “هناك صعوبة في التسجيل سواء في المدارس الخاصة أو العامة بحجة عدم وجود الموارد لاستقبالهم، المشكلة في عدد المدارسة المتاحة لهم، ما يشكل عدم المساواة، فالأهل الذين لا يملكون المال لتسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة لا تستقبلهم المدارس الحكومية”، وأضافت: “أبناء الاثرياء هم فقط الذين يحصلون على المساواة على اعتبار أن لدى أهلهم القدرة على تكبد تكاليف الأقساط، أما اولاد الفقراء فإما يبقون من دون تعليم أو يدرسون في معاهد تتعاقد معها وزارة الشؤون الاجتماعية، لا رقابة عليها لمعرفة كيفية تعليمهم” مشددة “عدم حصول هؤلاء الأولاد على شهادة يحولهم إلى أشخاص غير منتجين حيث لا أدوات لديهم لكي يتمكنوا من العمل والاندماج في المجتمع”.
لا يقتصر الأمر على التعليم، بل يتعداه إلى الجانب الصحي. وكما قالت مجذوب: “هناك صعوبة في حصول ذوي الاحتياجات الخاصة على الرعاية الصحية، وهذا الأمر وثقناه بشكل كبير بعد انفجار المرفأ، فالأشخاص الذين أصبحوا يعانون من إعاقات دائمة لا تؤمن لهم الدولة الأدوية والرعاية الصحية اللازمة”، وتابعت قولها: “نعمل بإصرار وجد للحصول على التعليم للأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك تأمين الرعاية الصحية لهم”.
تقديمات… ولكن
لا ينكر القاضي عبدالله أحمد صعوبة وضع ذوي الاحتياجات الإضافية، كما يطلق عليهم، قائلاً إن “أوضاع الناس بشكل عام في لبنان صعبة، فكيف بهؤلاء الأشخاص في ظل هذه الظروف؟ ومع ذلك نحن في وزارة الشؤون نقدم أكثر من خدمة لهم، حيث نتعاقد مع 102 مؤسسة رعاية منتشرة على كافة الأراضي اللبنانية، يتم فيها رعاية 8500 شخص من ذوي الاحتياجات الإضافية، وبالإضافة للتدريب والرعاية والتأهيل، نقدم لهم خدمات خاصة بحسب نوع الإعاقة التي يعانيها الشخص”.
كما أن حامل بطاقة معوّق يستفيد، بحسب أحمد، “من خدمات نص عليها قانون المعوّقين والتي يتعلق جزء منها بالإعفاءات وجزء يتعلق بالحوافز وجزء بخدمات مُعينات والتي هي غالبا كرسي متحرك، أطراف صناعية، سماعات أذن، حفاضات وأمصال، إضافة إلى تقديمات سلف، وهناك مجموعة من التدريبات والأنشطة التي نقدمها داخل مراكز الخدمات الانمائية، كما نسعى لدمج ذوي الاحتياجات الإضافية في المجتمع سواء في المدارس أو مؤسسات الرعاية، إضافة إلى أنهم يحصلون على رعاية صحية مجانية في مراكز الخدمات الإنمائية وإذا كان الدواء متوفراً نقدمه لهم”.
وتطرق القاضي أحمد إلى الغرض من الاجتماعات التي تم عقدها مؤخراً بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة، وقال “كي نؤمن قدر المستطاع تسهيل حصول هؤلاء الأشخاص على الأدوية المزمنة ودخولهم إلى المستشفيات، حيث يستفيدون تقريبًا مئة بالمئة من المستشفيات الحكومية لكن الظروف الآن مختلفة حيث تطلب بعض المستشفيات مبالغ مالية منهم”.
وكشف عن مشروع تعده الوزارة مع اليونيسف يستهدف عددا كبيراً من هذه الفئة يقوم على تقديم “40 دولار لكل منهم وهذا المبلغ تصاعدي حسب الإعاقة والعمر، كما هناك مشروع مع الـUNDP يقوم على تنظيم بيانات هذه الفئة وخلق قاعدة بيانات كاملة مع تطبيق في المرحلة القادمة يسهل التواصل معهم والحصول على الخدمة بطريقة الكترونية”، لافتًا إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية تشاركت مع جمعية “مساواة” في ترميم 400 منزل متضرر من جراء انفجار مرفأ بيروت لأصحاب ذوي الحاجات الاضافية.
“الدنيا ليست بألف خير”
لكن ماذا عن الشكاوى المتكررة من أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة حول عدم تقديم الوزارة أي شيء، بما في ذلك “الحفاضات”، أجاب أحمد: “أتفهم ذلك، لا يمكن القول أن الحفاضات موجودة دائمًا لكن عليهم المحاولة، ليطالبوا بحقوقهم، نحن إدارة مركزية لا يمكن أن أتواصل مع 170 ألف شخص، لكن إن وصل الطلب عندي من المؤكد أني أتابعه، كما عليهم معرفة الآلية للحصول على الخدمة، التقصير في بعض الأحيان من قبل الأشخاص وأيضا هناك تقصير من قبل الدولة، وأنا لا أقول إن الدنيا بألف خير، فذوو الاحتياجات الإضافية بحاجة إلى مبلغ خاص، ويفترض أن تتم مضاعفة المبلغ المرصود للوزارة خاصة لمؤسسات الرعاية وخدمات الأشخاص عشرات الاضعاف لتقديم الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجونها، مع العلم أن المجتمع الدولي لا يدعم مؤسسات الرعاية لأنه يعتبرها تعمل ضمن إطار حجز الحرية، بل يساعد من خلال تقديمات مادية وعينية”.
في النهاية لا يمكن أن تحقق العدالة، كما قالت اللقيس، “من دون وضع حقوق جميع المواطنين، ومن ضمنهم المعوقين، على جدول اهتمامات الدولة”. أما مجذوب فشددت على ضرورة “أن يكون هناك موارد مخصصة من وزارة التربية للمدراس العامة لتجهيزها كي تتمكن من استقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى الرقابة عليها، وأن تدفع الدولة المستحقات التي عليها للمستشفيات والضمان لتوفير الخدمات لمن يعانون من إعاقات دائمة بسبب انفجار المرفأ”.