
حسين زلغوط
خاص موقع رأي سياسي:
في تطور غير متوقع، ومفاجأة مدوية أرخت بظلالها على الداخل الفرنسي وعلى دول الاتحاد الاوروبي بشكل خاص وبقية الدول بشكل عام، انتقلت فرنسا بين ليلة وضحاها من اقصى اليمين الى اقصى اليسار بعد فوز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري في الانتخابات البرلمانية، ليتحول بذلك الى قوة مهيمنة في البرلمان، وهو ما أحبط مساعي مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني لتولي اليمين المتطرف السلطة، ووضع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مهمة صعبة لناحية تشكيل الحكومة الجديدة.
فبعد فوز ابن مدينة طنجة، الزعيم اليساري الفرنسي جان لوك ميلانشون، وتصدر تحالف اليسار الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، تنفس العالم الصعداء، وتحديداً المهاجرين والمسلمين في فرنسا، الذين كانوا يتخوفون من فوز رئيس التجمع الوطني اليميني جوردان بارديلا، ابن 28 عاماً، والذي ولد من أب لم يتزوّج وأمّ عزباء، وبارديلا بسبب عيشيه حياة متناقضة مع ام فقيرة في احياء تجمع العديد من المهاجرين واب غني، كان خطابه السياسي يُركز دائما انه سيعمل على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وعلى الاسلام السياسي، وهذا الخطاب كان النقطة الاساسية التي جمعت بينه وبين لوبان.
أما ميلانشون فهو لا يتبنى خطابا معاديا للمهاجرين، بل يدعو إلى إدماجهم، ويؤكد أنه يجب معاملة المهاجرين مثل ما نحب أن يعاملوننا عندما نذهب إليهم، ويؤكد أيضا أهمية تسوية أوضاع من لا يحملون وثائق إقامة في فرنسا.
ليس هؤلاء فقط من تنفس الصعداء بعد فوز ميلانشون، كذلك المدافعون عن المناخ فقد سبق لبارديلا أن دعا الحكومة الفرنسية إلى التخلي عن الصفقة الخضراء وهاجم ما وصفه بالسياسات البيئية “العقابية” للاتحاد الأوروبي، فيما دعا التحالف اليساري إلى خطة مناخية تهدف إلى تحييد الكربون بحلول عام 2050، ويريد أن تصبح فرنسا قوة في مجال الطاقات المتجددة مثل الرياح البحرية والطاقة الكهرومائية.
على صعيد الاتحاد الاوروبي، تُعد الحكومة القوية في باريس ركيزة أساسية لاستقرار الاتحاد الأوروبي، وفي ظل وجود فرنسا الآن في منطقة سياسية مجهولة يلفها الغموض بشأن مستقبلها السياسي، يدعو المحللون إلى حل “براغماتي”، فقد كان الوسطيون يخشون من أن يؤدي الصعود المحتمل لليمين المتطرف إلى الحكومة في فرنسا ثاني أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والسياسي وتقويض الدعم القوي الذي يقدمه الاتحاد لأوكرانيا.
ولكن مع وجود برلمان معلق وعدم وجود طريق واضح نحو ائتلاف حاكم، لا يزال الجمود السياسي في باريس يلقي بظلال من الشك على قدرة فرنسا على ممارسة نفوذها في الاتحاد الأوروبي.
كما كان من شأن فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، أن يشكل تهديداً إضافياً للدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.
وحدهم اليهود الذين امتعضوا من فوز ميلانشون، فحزب اليسار معروف عنه دعمه لحقوق الأقليات، والمناصر أيضا للقضية الفلسطينية، والآن أصبح القوة السياسية الأولى في البلاد، بعدما كانت فرنسا تسبح في الأفكار العنصرية والإقصائية منذ الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
وعلى الفور دعا أفيغدور ليبرمان عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا” يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل، معتبراً ان انتصار حزب يساري راديكالي في فرنسا تصعيد كبير في معاداة إسرائيل والسامية، على حد قوله.
ويتعرّض ميلانشون للكثير من الانتقادات بسبب موقفه من الحرب على غزة، ويتهمه البعض بـ”معاداة السامية”، ومن أبرز مواقفه أن ما تقوم به “إسرائيل” في غزة “ليس دفاعاً مشروعاً عن النفس وإنما إبادة عرقية”، ودعوته إلى وقف إطلاق النار في غزة، ومطالبته فرنسا بالعمل على ذلك بكل قوتها السياسية والدبلوماسية.
ميلانشون وبحسب الصحف الفرنسية يسير في السياسة الخارجية على خطى “شافيز وبوتين” وأطلقت عليه افتتاحية احدى الصحف لقب “الخطيب الأحمر”، و”شافيز فرنسا”.
ومن ناحية انعكاس هذه النتائج على الداخل الفرنسي، فسيكون على ماكرون الاختيار بين العديد من الإمكانيات المتاحة.
أولا: التعايش مع حكومة يكوّنها اليسار، وهو ما سبق أن حدث في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، الذي كان يحكم مع الوزير الأول اليميني جاك شيراك، الذي سيصبح بعد ذلك رئيسا لفرنسا، وهذا السيناريو الأقرب.
السيناريو الثاني الممكن والصعب هو التحالف الحكومي، أما الصعوبة فمردّها أيديولوجي في المقام الأول، فقد تعامل تيار ماكرون مع حزب فرنسا الأبية كتعامله مع أقصى اليمين، بحيث أطلق عليهما اسم “التيارات المتطرفة”، وظهر هذا في البرلمان الفرنسي في النقاشات الخاصة بفلسطين مثلا، فقد كان التيار الماكروني في البداية يعلن دعمه الكامل لحكومة نتنياهو قبل التراجع قليلا، في حين كان اليسار يرى فيما يحدث في فلسطين إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا.
السيناريو الاخير هو تقديم ماكرون استقالته وإعلان انتخابات رئاسية، وهو سيناريو بعيد جدا لأن ماكرون نفسه نفى رغبته في ذلك تماما.