أبرزرأي

فرنسا لن تترك لبنان لمصيره رغم الإخفاقات

حسين زلغوط – خاص, رأي سياسي:

تنظر فرنسا الى لبنان بنوع من القلق والخوف على مصيره كونه عالق منذ سنوات بأزمات متشعبة على أكثر من مستوى، وهي تتعاطى مع لبنان على اساس أنه مولود سياسي فرنسي، ومن الطبيعي أن تسقي باريس ما زرعته، لكي ينمو ويكون في أحسن حالاته، وفق ما كان قد كتبه ذات مرة الصحافي رينو جيرار في صحيفة “لو فيغارو”.
ولطالما تعاطت باريس مع لبنان كنموذج للمجتمع في الشرق الأوسط بأسره، وهي لذلك كانت على الدوام في وضع أفضل من أيّ كان من الدول لتكون عرّابة للبنان وتقف الى جانبه في كل المحن التي تعترضه.

من هنا يأتي الإصرار لدى قصر الإليزيه على مواكبة لبنان لحل مشكلته السياسية التي تسمح منذ اكثر من سنة وثلاثة أشهر للشغور الرئاسي أن يستوطن في قصر بعبدا، فالرئيس ايمانويل ماكرون حضر بنفسه الى بيروت وبذل جهوداً ولم يفلح في تعبيد الطريق أمام توافق اللبنانيين على انتخاب رئيس، لكنه لم ييأس وأوفد عدة مرات رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق جان ايف لودريان وفي جعبته مقترحات عدة للخروج من هذا المأزق، وكان من المفترض ان يعود لودريان الى لبنان هذا الشهر حاملاً معه جوجلة الاتصالات واللقاءات التي قام بها مع مسؤولين في دول معنية بالملف اللبناني، غير أن تفاقم الوضع العسكري في الجنوب، واستمرار الحرب في غزة، فرضت عليه التريث لبعض الوقت، ريثما تكون الصورة قد باتت واضحة أكثر، بعد أن تبين أن الوضع في لبنان بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بما يجري في غزة والمنطقة بشكل عام، لأن فشله هذه المرة في تحقيق أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية, سيكون له ارتدادات لا قدرة للبنان على تحملها.

وما يساهم أيضاً في تريث الموفد الفرنسي في زيارة بيروت، هو استمرار التباعد في وجهات النظر بين أعضاء “اللجنة الخماسية”، وعدم التقارب على رؤية موحدة حيال المعايير والمواصفات التي تحدد ملامح الرئيس الجديد للجمهورية، وهذا الواقع عكس نفسه على الاجتماعين اللذين عقدهما سفراء هذه الدول ان في دارة السفير السعودي، أو في قصر الصنوبر، على الرغم من محاولة بعض السفراء لا سيما سفير مصر نفي ذلك واعطاء صورة مريحة عن واقع الحال بين السفراء لناحية مقاربتهم الملف الرئاسي.

من هنا فإن الحديث عن معاودة سفراء “الخماسية” في بيروت القيام بزيارات معينة لبعض المسؤولين غير دقيق، كون أن ما من شيء قد تغير على مستوى المواقف السياسية من الاستحقاق الرئاسي، وهو ما عبّر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي نفى أن يكون في صدد القيام بأي تحرك قبل حلول شهر رمضان المبارك، لأن لا جديد قد سجل في المواقف السياسية التي لا تزال على حالها منذ بداية الأزمة حتى اليوم، وبالتالي فإن رئيس المجلس لن يوجه أي دعوة للحوار أو للتشاور ما لم يكن يضمن حصول خروقات معينة تؤدي في نهاية المطاف الى الإتفاق على انتخاب الرئيس العتيد.

وفي تقدير متابعين في العاصمة الفرنسية أن باريس لن تكل ولن تمل من بذل الجهود في سبيل وضع لبنان على سكة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهم يعتبرون أن الأزمة الراهنة هي داخلية أكثر مما هي خارجية، وهذا يقود الى القول أنه على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم قبل أن ينتظروا المساعدة من أحد، غير أن ذلك لا يعني أن فرنسا ستنكفئ عن محاولاتها المتكررة لابتداع الحلول للمشاكل في لبنان، وإلا لا تعود فرنسا توصف إن هي فعلت ذلك” الأم الحنون ” للبنان، فهذا التوصيف جاء نتيجة تراكم سنوات من الانحياز الفرنسي الى جانب لبنان واللبنانيين عند كل منعطف.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى