غول التضخم ينحي أزمة الحجاب من قائمة اهتمامات الأسر في إيران.
بعد عام على الاحتجاجات التي أثارتها وفاة مهسا أميني في أنحاء إيران، ما زالت مسألة الحجاب حساسة، لكن الأزمة الاقتصادية الخانقة باتت الشاغل الأهم لعديد من الإيرانيين، ومن بينهم زهرة، ربّة المنزل البالغة 41 سنة، إذ تقول “أعتقد أن المسائل الاقتصادية أكثر أهمية بكثير من قضية الحجاب”.
واندلعت احتجاجات في أنحاء البلاد تحت شعار “امرأة، حياة، حرية” بعد وفاة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 سنة) في 16 سبتمبر (أيلول) 2022، بعد أيام من توقيفها للاشتباه بخرقها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية والتي تفرض على النساء ارتداء ملابس محتشمة تغطي الرأس والرقبة أيضاً.
وقالت زهرة “لا مشكلة لدي مع الحجاب، لكنني سأكون بحال أفضل لو تحسّنت الظروف الاقتصادية”، لكن على غرار آخرين رفضت زهرة الإفصاح عن اسمها الكامل خشية التبعات والملاحقات من قبل السلطات الأمنية.
حديث زهرة يكشف عن حجم المأساة التي تعيشها الأسر الإيرانية تحت وطأة الأزمات التي تعصف باقتصاد البلاد الذي يعاني كثيراً بسبب العقوبات الغربية.
نظرة مستقبلية “غير مطمئنة”
ورسم صندوق النقد الدولي، نظرة مستقبلية غير مطمئنة للاقتصاد العالمي في عام 2023، على رغم استمرار النمو الاقتصادي وتحسن وضع التضخم في إيران خلال هذا العام على رغم الحظر، وربط توقعاته بالأزمات الخانقة التي تحاصر القطاع المالي، وارتفاع التضخم، وآثار الحرب في أوكرانيا، وأوجه القصور الناجمة عن انتشار كورونا. وكشف أن الاقتصادات المتقدمة ستواجه انخفاضاً في النمو هذا العام أكثر بكثير من الدول النامية، بحيث يصل النمو الاقتصادي لهذه الدول إلى أقل من النصف، إذ سينخفض متوسط نمو الاقتصادات المتقدمة من 2.7 في المئة خلال 2022 إلى نحو 1.3 في المئة هذا العام.
ورجح الصندوق في تقرير حديث، أن يشهد الاقتصاد الإيراني نمواً إيجابياً ومتقدماً في عام 2023 وللعام الرابع على التوالي على رغم استمرار سياسة الحظر الأميركية، إذ واجه الاقتصاد الإيراني نمواً سلبياً بنسبة 1.8 في المئة و3.1 في المئة على التوالي في عامي 2018 و2019، إثر انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة.
لكن في السنوات التالية، ومع إفراغ العقوبات من محتواها، شهد الاقتصاد الإيراني نمواً مرة أخرى، وفي السنوات من 2020 إلى 2022، اختبر الاقتصاد الإيراني نمواً بنسبة 3.3 في المئة و4.7 في المئة و2.5 في المئة، ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي فإن الاقتصاد الإيراني سيشهد نمواً بنسبة اثنين في المئة في 2023، وتوقع تحسن وضع التضخم في الاقتصاد الإيراني في السنوات المقبلة، وبينما وصل معدل التضخم في إيران إلى 49 في المئة خلال عام 2022، توقع الصندوق أن يصل هذا الرقم إلى 42.5 في المئة خلال عام 2023 و30 في المئة خلال عام 2024.
وبحسب هذا التقرير، فإن رصيد الحساب الجاري لإيران في عام 2022 يعادل 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والذي من المرجح أن يصل إلى ما يعادل 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ومن المتوقع أن يبلغ معدل البطالة في البلاد 9.8 في المئة هذا العام، فيما يقُدر معدل البطالة بنحو 9.5 في المئة خلال العام الماضي.
العملة المحلية تواصل الانهيار
في الوقت نفسه ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، تتراخى النساء في إيران وخصوصاً طهران بشكل متزايد في وضع الحجاب الإلزامي، على رغم محاولات الحكومة لتشديد الرقابة على اللباس، لكن يعتقد كثيرون في أنحاء البلاد بأن الأولوية للاقتصاد، إذ بات معدل التضخم عند نحو 50 في المئة فيما ترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير.
وقالت محاسبة تبلغ من العمر 34 سنة وتدعى راحة، إن الحجاب “مسألة شخصية وثانوية تماماً، وعلى السلطات لدينا أولاً توفير ظروف اقتصادية جيّدة”.
ويشير محللون إلى أن الصعوبات الاقتصادية غذّت مشاعر عدم الرضا في أوساط العامة منذ احتجاجات العام الماضي التي تواصلت لأشهر. ومثّلت تظاهرات العام الماضي التي قتل فيها المئات بينهم عناصر أمن فيما تم توقيف الآلاف، تحدياً رئيساً لحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، والذي تعهّد منذ توليه السلطة في أغسطس (آب) 2021 بإحداث تحوّل في اقتصاد البلاد و”تمكين الفقراء”.
وشدد على تعهّداته هذا العام بضرورة “السيطرة على التضخم” و”تحسين المستوى المعيشي”، محمّلاً “العدو” مسؤولية الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
في المقابل، ترزح إيران تحت وطأة العقوبات الأميركية منذ انسحبت واشنطن أحادياً في 2018 من الاتفاق النووي التاريخي، ومنذ العام الماضي، تم تداول العملة المحلية عند نحو 500 ألف ريال للدولار، بعدما خسرت قرابة 66 في المئة من قيمتها.
وأرجعت المحامية مهتاب البالغة 41 سنة، الصعوبات التي تعيشها البلاد إلى “السياسات الاقتصادية الخاطئة”، وقالت “أشعر بالضغوط الاقتصادية بشكل أكبر بثلاث إلى أربع مرّات عن العام الماضي”.
استمرار ضعف القوة الشرائية
وفي بازار طهران الكبير المكتظ، تعج المتاجر بالمتسوقين بمن فيهم نساء يضعن الحجاب وأخريات لا يضعنه، لكن معظمهم يغادرون من دون شراء أي شيء، واشتكى أصحاب المتاجر من تراجع عدد المتسوقين في ظل ضعف القوة الشرائية.
وقال بائع في متجر للملابس الرجالية يدعى محسن (37 سنة)، إن “الوضع الاقتصادي أسوأ مما كان عليه العام الماضي وسيزداد سوءاً مع ارتفاع الأسعار يومياً”، أما مهدي (40 سنة)، وهو مالك متجر يبيع الأدوات المنزلية، فقال إن “عديداً من الناس لا يمكنهم شراء المنتجات التي يحتاجون إليها”، مضيفاً أن “السوق تشهد حالياً كساداً ناجماً عن التضخم، وباتت المنتجات المستوردة كماليات لا يمكن إلا لقلة الحصول عليها”.
لكن الحجاب ما زال قضية مثيرة للجدل في إيران، إذ يناقش البرلمان مشروع قانون يفرض عقوبات صارمة على النساء اللواتي يخالفن القانون المرتبط بالحجاب. وقالت ربة المنزل فاطمة (43 سنة) إن “مشروع القانون هذا مقبول بالنسبة إلى البعض لكن ليس للجميع”، بينما تعتقد راحة، أن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد يجب أن تبقى هي الأولوية.
وقالت “يزداد الأمر سوءاً كل يوم. يعيش الناس حياة صعبة، وعليهم أولاً التعامل مع المشكلة الاقتصادية ومن ثم يمكنهم العمل تدريجاً على المشكلات الاجتماعية”.