غزة بين الحرب والسلام

كتب يونس السيد, في الخليج:
أوقفت خطة ترامب الحرب على قطاع غزة، لكنها لم توقف الخروقات الإسرائيلية اليومية لوقف إطلاق النار، ولا التهديدات المتواترة بشأن استئنافها، تارة باسم استعادة جثث الرهائن وأخرى باسم «نزع السلاح»، وثالثة لأسباب داخلية تتعلق باليمين الإسرائيلي المتطرف، ما يُلقِي ظلالاً من الشكوك، حول ما إذا كان اتفاق غزة سيحقق السلام المنشود للمنطقة برمتها.
وبعيداً عن الإشكاليات الواردة في البنود العشرين للخطة، وإمكانية تنفيذها بمراحلها المختلفة، وهي إشكاليات تحمل في ثناياها بذور النجاح والفشل، فإن ما نحن بصدده الآن، هو كيفية الانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تحدث ترامب عن أنها بدأت بالفعل، ربما على المستوى النظري، لكنها عملياً لا تزال ترزح تحت عبء المرحلة الأولى، التي يُصِرُّ الجانب الإسرائيلي على أنها لم تنته بعد.
فالحديث عن استعادة جثث جميع الرهائن من قطاع غزة، يجري وسط إنكار إسرائيلي للمتسبب الأساسي في تأخير إعادة الجثامين، وهو إسرائيل نفسها، والدمار الهائل الذي أحدثته آلتها الحربية، وعدم سماحها بإدخال معدات ثقيلة لإزالة هذا الدمار واستخراج الجثامين المتبقة. ومِن ثَمَّ فإن التهديد الإسرائيلي باستئناف القتال، ومعاقبة سكان غزة، بتقليص المساعدات الإنسانية والإبقاء على إغلاق معبر رفح، يشي بخلق حالة تعجيزية؛ لتبرير استئناف الحرب.
كما أن تناقض الموقف الأمريكي، بدءاً من تفهُّم الحالة الحقيقية لأسباب التأخير، وحتى السماح بفرض حالة أمنية مؤقتة في قطاع غزة، واستهداف من وُصِفوا بأنهم عصابات أو متعاونون مع إسرائيل، ثم الانتقال إلى النقيض تماماً، والمطالبة بوقف التعرض لهؤلاء، تحت طائلة التدخل الأمريكي المباشر أو غير المباشر-كل هذا يدفع للاعتقاد بأنها خطوات تكتيكية، تستهدف رفع سقف الضغوط على الجانبين، خاصةً أن الإدارة الأمريكية ترفض مجاراة إسرائيل بشأن استئناف الحرب.
إذ بغض النظر عن كل الخروقات والعراقيل التي تأتي من هذا الطرف أو ذاك، فإن التوافق العربي والدولي الواسع على تنفيذ خطة ترامب، والذي يتلاقى مع رغبة دولية جامحة لتحقيق سلام دائم في المنطقة، يبدو أنه أقوى من أية عراقيل أو خروقات، ومن ذلك مثلاً المرونة التي تبديها واشنطن في التعامل مع تأخير تسليم جثث الرهائن. لكن لا توجد أية ضمانات للتغلب على التفاصيل الشائكة التي تعترض بنود الخطة في مراحلها اللاحقة، خاصةً لجهة نزع السلاح، ونوعيته، والجهة التي ستتسلمه، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، ناهيك عن تشكيل إدارة الحكم، والقوة الدولية التي ستشرف على الأمن وطبيعة مهماتها.
هذه العوامل جميعاً، وربما أكثر، تفرض الكثير من الحذر في التوصل إلى استنتاجات تشي بإمكانية تجاوز الحرب في غزة، والوقوف على أبواب السلام.




