عقد الانقلابات العسكرية في أفريقيا.
كتب خليل العناني في الجزيرة.
لا يعد الانقلاب الذي حدث مؤخرا في النيجر والذي أطاح بالرئيس الحالي محمد بازوم من السلطة استثناء، ولكنه امتداد لسلسلة متواصلة من الانقلابات التي شهدتها منطقة غرب أفريقيا على مدار العقد الماضي؛ فقد سبقته بفترة قليلة 3 انقلابات أخرى في غينيا ومالي وبوركينا فاسو، ناهيك عن المحاولات الانقلابية التي حدثت في أكثر من دولة أفريقية أخرى خلال الأعوام الماضية.
الانقلابات في أفريقيا -خاصة خلال العقد الماضي- باتت القاعدة وما دون ذلك هو الاستثناء؛ فمنذ عام 2012 شهدت القارة الأفريقية ما يقرب من 45 انقلابا أو محاولة انقلابية على السلطة، وذلك بمعدل 4 انقلابات أو محاولة انقلابية في العام تقريبا. وهو معدل يعيد إلى الأذهان ما كان يجري في القارة السمراء منذ استقلال معظم بلادها من انقلابات ومحاولات انقلابية عديدة خاصة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. فحسب بعض الإحصاءات فقد شهدت القارة الأفريقية أكثر من 200 انقلاب عسكري في 90% من البلدان الأفريقية، وذلك بمعدل انقلاب كل 55 يوما تقريبا. وشكلت الانقلابات في أفريقيا ما يقرب من 36.5% من جميع الانقلابات على مستوى العالم. أما أكثر البلدان الأفريقية التي شهدت انقلابات فقد تركزت في منطقة غرب أفريقيا التي يتم تصنيفها بأنها “حزام انقلابات”، حيث استحوذت على أكبر عدد من الانقلابات في القارة بنسبة 44.4%.
على عكس ما كان يحدث في السابق، لم تتم تصفية أو اغتيال الشخصيات التي يتم الانقلاب عليها، كما أن عدد الضحايا لم يكن كبيرًا أثناء وقوع تلك الانقلابات، خاصة عند المقارنة بما حدث في بلدان أخرى
وفي حين تراجعت وتيرة الانقلابات نسبيا بعد انتهاء الحرب الباردة وأوائل التسعينيات من القرن الماضي نتيجة الوعود الغربية بالتحول الديمقراطي والازدهار الاقتصادي، فإن ذلك كان على ما يبدو مجرد استراحة مقاتل، إذ عادت الانقلابات مرة أخرى. بيد أن ثمة ملاحظات وفوارق مهمة بين الانقلابات التي حدثت مؤخرا وتلك التي كانت تحدث في الخمسينيات والستينيات، وذلك حسب عدة تقارير دولية.
- أولى هذه الملاحظات انخفاض أعمار قادة الانقلابات العسكرية التي جرت في دول غرب أفريقيا خلال العقد الماضي؛ فحسب بعض الإحصاءات، فإن عمر هؤلاء القادة يتراوح بين 34 و41 عامًا، أي أن هذه الانقلابات تتم على يد شبان من رتب عسكرية منخفضة، مثل العقيد والمقدم والكابتن، ومعظمهم ينتمون لوحدات القوات الخاصة أو الحرس الجمهوري، كما حدث مؤخرا في انقلاب النيجر.
والمقلق هنا أن قادة الانقلابات قد يسعون للبقاء في السلطة فترة طويلة، ما لم تحدث انقلابات أخرى تنقلب عليهم، أو يتم تنظيم انتخابات رئاسية تختار فيها شخصيات مدنية.
- الملاحظة الثانية أن معظم الانقلابات التي وقعت في أفريقيا مؤخرًا كانت أقل عنفًا ودموية، وفي الوقت نفسه كان لها نوع من التأييد الشعبي، أو على الأقل لم تواجه مقاومة من قبل الشعب أو المعارضة السياسية في البلاد”.
وعلى عكس ما كان يحدث في السابق لم تتم تصفية أو اغتيال الشخصيات التي يتم الانقلاب عليها، كما أن عدد الضحايا لم يكن كبيرًا أثناء وقوع تلك الانقلابات، خاصة عند المقارنة بما حدث في بلدان أخرى، مثل انقلاب غانا عام 1966، وانقلاب غينيا الاستوائية عام 1979، وغينيا بيساو عام 1998.
“كذلك اتسم قادة الانقلابات الأخيرة بالشعبية، كما حدث في انقلاب مالي عام 2020، الذي نال تأييدًا مما يقرب من 82% من الشعب المالي، حسب مؤشر “أفروبارميتر”، وذلك بعد أن فقد الشعب الثقة في الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا الذي تمت الإطاحة به. كما أثرت العقوبات التي فُرضت بعد انقلاب 2021 في مالي على تعزيز الدعم لقادة الانقلاب. وبالمثل، شهد انقلاب يناير/كانون الثاني 2022 في بوركينا فاسو (وهو الانقلاب الخامس خلال العقد) الإطاحة بالرئيس روش كابوري، وقد حظي بدعم شعبي كبير.
- الملاحظة الثالثة هي استخدام قادة الانقلابات خطابا مناهضا للغرب، خاصة الدول الاستعمارية السابقة مثل فرنسا التي شكلت ركنًا أساسيًا في خطابات وشعارات قادة الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو ومؤخرًا في النيجر.
وشهدنا العديد من المظاهرات التي خرجت ضد فرنسا في النيجر والمؤيدة للانقلاب. هذا الخطاب مشابه نسبيًا لخطابات قادة الانقلابات العسكرية في الخمسينيات والستينيات التي كانت -في الأساس- ضد المستعمر الأجنبي، خصوصًا فرنسا. وهذه الخطابات تتميز بالشعبوية وتحريك مشاعر الناس لتبرير الانقلاب، بغض النظر عن النتائج التي قد تنشأ بعدها.
- أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بالدور الروسي في الانقلابات الأخيرة في أفريقيا، سواء كان هذا الدور مباشرا عبر دعم سياسي ودبلوماسي أو عن طريق دعم عسكري وإعلامي من خلال مرتزقة ومليشيات مجموعة “فاغنر” الروسية المتواجدة في قارة أفريقيا والتي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري وإعلامي كبير في منطقة الساحل الإفريقي.
والأكثر من ذلك، هو وجود تقارير عديدة تشير إلى ضلوع موسكو في الانقلابات والمحاولات الانقلابية التي وقعت في أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية. على سبيل المثال، تشير تقارير إخبارية إلى أن الانقلابيين الذين أطاحوا بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا تلقوا تدريبات في روسيا قبل عودتهم لتنفيذ الانقلاب في أغسطس/آب 2020. كذلك، تُظهر تقارير أخرى أن روسيا كانت متورطة في الانقلاب الثاني في مالي الذي وقع بعد 9 أشهر في مايو/أيار 2021 والذي أدى إلى تولي عاصمي غويتا السلطة في البلاد.
يبدو أن عدوى الانقلابات قد تستمر في انتشارها بأفريقيا كانتشار النار في الهشيم، ولن يكون من الغريب أن نشهد انقلابات متتالية، سواء في منطقة غرب أفريقيا أو في شمالها وشرقها خلال الشهور والسنوات المقبلة. هذا الاتجاه يأتي في ظل التحولات الجارية على مستوى النظام الدولي والصراع المستمر بين القوى الكبرى مثل أميركا، وروسيا، والصين، التي تسعى لتوطيد نفوذها في القارة الأفريقية.