«شنغهاي» تربك الغرب

كتب يونس السيد, في الخليج:
ربما تكون قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في مدينة تيانجين الصينية الأكثر أهمية منذ تأسيس المنظمة عام 2001، ليس فقط لكونها شكلت تحدياً للهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وإنما لأنها قدمت نموذجاً جديداً للعلاقات الدولية، ورسمت ملامح نظام دولي جديد متعدد الأقطاب وأكثر عدالة وشمولية.
لم تتردد الصين التي تشكل ثاني أكبر اقتصادات العالم، والتي تمثل مع روسيا والهند وباقي دول المنظمة نحو نصف سكان العالم، و23,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في استغلال الفرصة لاستعراض نفوذها الدبلوماسي وقوتها الاقتصادية والعسكرية وتقديم نفسها بوصفها مركز استقرار في عالم يسوده الاضطراب والانقسام.
وعلى النقيض من الدور الذي تلعبه إدارة ترامب في إشعال الحروب التجارية وفرض رسوم جمركية على الحلفاء والخصوم، سعت الصين إلى تقديم نفسها كمركز جاذب لعلاقات متوازنة بين الدول تقوم على المصالح المشتركة. وهو ما دفع دولاً مثل الهند، التي تواجه بدورها رسوماً أمريكية، والتي كانت حتى الأمس القريب تصنف كعدو للصين، لمد يد الصداقة للصين.
وإذا كانت العلاقات الصينية الروسية قد بلغت مستويات تاريخية غير مسبوقة، فإن انضمام كوريا الشمالية، الحليف التقليدي لبكين إلى فضاء القمة، ودخول الهند على خط التحالف الصيني الروسي، يطرح أسئلة كثيرة حول ما إذا كان ذلك يؤسس لمحور شرقي قد ينشأ لاحقاً، نأمل ألا يتحول إلى حرب باردة جديدة، خصوصاً أن قمة «شنغهاي» وجهت انتقادات لاذعة للغرب والنظام الأحادي بقيادة الولايات المتحدة.
وحول ما إذا كانت أطراف هذه القمة قد وضعت جدياً على كاهلها الشروع في بناء نظام دولي جديد متعدد الأطراف. وبعيداً عن التصريحات النارية التي صدرت من هنا وهناك، فإن الرسائل التي وجهتها قمة «شنغهاي» وصلت بالفعل إلى عواصم الغرب، وهو ما ظهر في رد فعل الرئيس ترامب حين اتهم زعماء الدول الثلاثة، الصين وروسيا والهند، بالتآمر على الولايات المتحدة. وسرعان ما لحقت بها دول القارة الأوروبية الدائرة في الفلك الأمريكي، على الرغم من المحاولات التي تقوم بها فرنسا وألمانيا في اتجاه استقلالية القرار الأوروبي، وحتى المحاولات التي تقوم بها فرنسا مع بريطانيا لتشكيل قوة نووية موحدة.
غير أن الغرب الذي بدا مرتبكاً ومنقسماً وعاجزاً إلى حد ما عن مواكبة الحراك الذي أحدثته قمة «شنغهاي»، لم يتمكن من تقديم رد حقيقي على «قمة شنغهاي» باستثناء الحديث عن تهديد التحالف الصيني الروسي لمصالح الدول الأوروبية، واتهام الصين بدعم روسيا في الحرب الأوكرانية، فيما تراجعت واشنطن عن اتهام رئيس وزراء الهند بالتآمر عليها، ومدت له يد الصداقة مجدداً، وأكد ترامب أنه سيعاود الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن الأهم هو أن الغرب لم يستفق، على ما يبدو، من صدمة «الواقعية» التي ظهرت في «شنغهاي»، أو يعمل على بلورة بديل حقيقي بعيداً عن الهيمنة والحروب التي أنهكت العالم.