جعجع: الفساد يجب أن يستأصل من المجالس البلدية

أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أن “الآفاق اليوم أفضل من السابق، لكن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى بر الأمان. المنطقة تمر بمرحلة غليان، والأحداث تتسارع، ما يفرض علينا العمل بجدية لحماية وطننا وتعزيز سيادته”.
كلام جعجع جاء عبر شاشة متلفزة من معراب، خلال المؤتمر السنوي التربوي الأول الذي عقده المكتب التربوي في منطقة البقاع الشمالي، بعنوان “التعليم المستدام: تحديات وفرص في بناء مستقبل المنطقة”.
وتطرق جعجع في كلمته الى الإنتخابات البلدية المقبلة، وقال: “إن البلديات تشكل ركنا أساسيا في النظام اللبناني، حيث تعد السلطة المحلية الفعلية عندما تدار بشكل صحيح. فرئيس البلدية لديه صلاحيات لفرض رسوم وضرائب لتمويل مشاريعه، كما يمكنه لعب دور كبير في التنمية. إلا أن هذه الصلاحيات لا تنطبق بشكل كامل على منطقتكم نظرا لغياب المؤسسات الاقتصادية الكبرى ورجال الأعمال الكبار. ومع ذلك، يظل للبلدية دور محوري يجب التركيز عليه”.
وأشار إلى أننا “شهدنا في السنوات الأخيرة، وبفضل التنسيق القائم بين منسقية “القوات اللبنانية” في منطقة بعلبك – الهرمل واتحاد البلديات، كيف تمكنت البلديات من مواجهة التحديات والتصرف بفاعلية، خصوصا خلال الحرب الأخيرة، حيث استقبلت المنطقة عددا يزيد أضعافا عن عدد سكانها من دون حصول أي أزمات تذكر، وتم تنظيم الأمور بطريقة فاعلة. وهذا دليل على أنه عندما تتوافر الإرادة، يمكن تحقيق الكثير. لذلك، أطلب منكم إعطاء أهمية قصوى للانتخابات البلدية، وألا تكون المعايير التقليدية كالانتماء العشائري أو العائلي هي المحددة لاختيار رئيس البلدية، بل يجب اختيار الشخص القادر على القيام بالمهمة بكفاية، بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو الاقتصادية”.
وشدد على ان “الفساد يجب أن يستأصل من المجالس البلدية، لأن الفساد في المجتمعات كالسوس الذي ينخر الخشب، الذي يبدو سليما من الخارج لكنه فارغ من الداخل. كما أن النقطة الثانية التي يجب التركيز عليها هي التوافق، لكن ليس التوافق الذي يؤدي إلى اختيار شخصيات ضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة. باعتبار أن رئيس البلدية هو سلطة تنفيذية، ويجب أن يكون قادرا على اتخاذ القرارات ومواجهة المخالفات واتخاذ الإجراءات المناسبة. لذلك، يجب أن يكون التوافق قائما على اختيار الكفاءة وليس على الحلول الوسط التي تفرز قيادات ضعيفة”.
وعن الملف التربوي، اعتبر جعجع أنه في غاية الأهمية، وقال: “أشكر الدكتور حبشي وجميع المعنيين في هذا المجال، من راهبات ومديري مدارس ومديرات ولجان أهل وطلاب، على جهودهم في دعم القطاع التربوي. لكن دعوني أكون واضحا، لا التربية ولا أي قطاع آخر يمكن أن ينجح إذا لم تكن هناك دولة فعلية قائمة. الدولة هي الأساس، وكل شيء آخر يتبع لوجودها الفاعل، سواء في التربية، أو التنمية أو الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه”.
وأوضح جعجع أن “معركتنا منذ 20 عاما وحتى اليوم هي إقامة دولة فعلية، وليس لدينا أي هدف خاص سوى قيام هذه الدولة. فوجود دولة حقيقية هو لمصلحة الجميع، وهو لمصلحة آخر مزارع في الهرمل أكثر مما هو لمصلحة أول مواطن في جونيه أو جبيل. فقيام الدولة هو الضمانة الوحيدة لحياة كريمة لجميع اللبنانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مناطقهم”.
واستطرد قائلا: “إن مقومات الدولة معروفة وليست وجهة نظر، بل هي حقائق متفق عليها عبر التاريخ والتجارب العالمية. الدولة يجب أن تمتلك القرار الاستراتيجي وأن تحتكر السلاح، فلا يمكن لدولة أن تكون فاعلة في ظل وجود مجموعات مسلحة خارج سلطتها مهما كانت نوايا هذه المجموعات”.
وعن الوضع الحالي، لفت جعجع إلى أن “لبنان دخل مرحلة جديدة مع العهد الجديد والحكومة الجديدة، وهناك تحسن واضح بالمقارنة مع الماضي، حيث لم نلاحظ حتى الآن أي ممارسات فساد كما كان الحال في الحكومات السابقة. وهذا تطور إيجابي، لكن الأهم هو استكمال بناء الدولة الحقيقية التي تحتكر القرار والسلاح وتفرض سيادتها على كامل أراضيها وحدودها. وهنا أطرح سؤالا: لماذا لم تفرض الدولة سيطرتها الكاملة على حدودها حتى الآن؟ قبل فترة قصيرة، شهدنا دخول آلاف السوريين إلى لبنان من الحدود الشمالية من دون أي رقابة رسمية. هذا أمر غير مقبول، والدولة مطالبة بالسيطرة الكاملة على حدودها لمنع الفوضى وحماية البلاد. لدينا الإمكانات كلها للقيام بذلك، سواء عبر التكنولوجيا الحديثة أو الدعم الدولي، لكن المطلوب هو قرار سياسي حاسم”.
وكان جعجع استهل كلمته، بتوجيه التحية لأهالي منطقة البقاع الشمال والبقاع الشرقي، وقال: “إن العنصر البشري في مجتمعنا هو الأساس، والإنسان بقيمه ومبادئه هو الذي يحدث الفرق. فالله لم يمنح قدرة الصمود التي لديكم في هذه المنطقة لكثيرين كي يتمكنوا من أداء هذه المهمة الجسيمة التي تقومون بها جراء تجذركم في أرضكم. ليس الفضل لأولئك القاطنين في بيروت، حيث كل شيء متوافر، ولا لأولئك الذين يعيشون في جونيه أو جبيل أو طرابلس، حيث يجدون كل ما يحتاجون بسهولة. فحتى في منتصف الليل، إذا احتاج أحدهم إلى علبة سجائر، ناهيك عن مستشفى أو طبيب، فبإمكانه العثور عليها خلال دقائق معدودة. أما في منطقتكم، فكثيرا ما يضطر الإنسان إلى الذهاب نصف ساعة أو أكثر للحصول على ما هو ضروري له. لذا، أهنئكم وأحييكم، لإن النموذج الذي تمثلونه هو النموذج الحقيقي للإنسان المكافح، المقاوم بالفعل، الذي يعيش إيمانه على رغم كل الظروف القاسية المحيطة به”.
واردف: “عايشت العديد منكم، سواء من الراهبات، أو مديري المدارس، أو مديري المؤسسات التعليمية الأخرى، الذين واصلوا نضالهم وجهودهم للحفاظ على مؤسساتهم، على الرغم من الغياب شبه التام للدولة، وخصوصا في السنوات الخمس أو الست الأخيرة. لقد استمروا في العمل لضمان استمرار مؤسساتهم، سواء كانت عامة أم خاصة، في ظل أوضاع صعبة للغاية”، ولفت إلى أن “منطقتكم تواجه تحديات كبيرة، من بينها أزمة إعادة التوطين، التي بدأت كنعمة لكنها تحولت إلى نقمة بسبب الظروف المصاحبة لها، فضلا عن مجموعة من المشكلات الأخرى. لذا، أكرر لكم شكري وتقديري، وأؤكد أن هذه ليست مجرد كلمات تقال، بل هي تقدير حقيقي لمجهوداتكم في ظل هذه الظروف الصعبة”.
وشدد جعجع على أن “الأهم الآن هو الاستمرار، فبالرغم من أن الأوضاع الحالية أصبحت أخف وطأة مما كانت عليه في السابق، إلا أننا يجب أن نظل مصممين على المضي قدما في الاتجاه الصحيح. وإذا شاء الله، سنتمكن في المرحلة المقبلة من تحقيق إنجازات تفوق ما تحقق في الماضي”.
وختم قائلا: “التزامي تجاه هذه المنطقة هو التزام شخصي وعام في آن واحد، وأنا معكم وسأظل معكم، لأنني مؤمن بكم وبقدرتكم على الصمود والتطور. شكرا لكم جميعا وأتمنى لكم دوام القوة والعزيمة”.