أبرزرأي

بريطانيا … أزمة معيشية حادة والفقر يطرق الأبواب

نائلة حمزة عبد الصمد.

خاص رأي سياسي …

تتفق أغلب التقارير الاقتصادية على وصف الأزمة التي تعيشها الأسر في بريطانيا بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى، وفي تقرير المعهد البريطاني لأبحاث السياسات العامة فان نسبة الفقر في البلاد مستوى غير مسبوق منذ قرن من الزمان. وفي تقرير آخر للمؤسسة الوطنية للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية كشفت المعطيات أن حوالي 250 ألف أسرة بريطانية مهدّدة بالفقر المدقع خلال العام الجاري، ما سيؤدي الى رفع عدد الأسر التي تعيش فقراً حاداً …

 مراقبون للأوضاع اعتبروا أنّ بريطانيا تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، ستتعمّق إذا لم تحدث تحولات كبرى في السياسة، مشيرين إلى أنّ هناك شعوراً ضئيلاً بهذه الأزمة بين النخبة في البلاد، خاصة السياسيين. ويرى هؤلاء ان بريطانيا كانت متخلفة نسبياً عن النمو خلال السبعينيات، إلاّ أن هذا لم يكن شيئاً مقارنة بالانهيار الحالي في مستويات المعيشة ، فمتوسط الأجور الحقيقية في المملكة المتحدة الآن أقلّ مما كان قبل 18 عاماً، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ الاقتصادي للبلاد في زمن السلم.

فالاقتصاد البريطاني بحسب الأرقام ، يعاني بالأساس من مشاكل هيكلية مؤثرة، كما أن معدلات الدين الحكومي مقابل الناتج الإجمالي المحلي تقارب نسبة الـ 100 بالمئة، وغيرها من المشكلات الأساسية التي تفاقم الأزمة هناك، وهي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ “البريكست” ، والحرب في أوكرانيا التي سرّعت من انكشاف الأوضاع في لندن وتفاقمها.

ومما لا شك فيه أن أزمة الطاقة العالمية لها اثارها أيضاً، وأدت إلى انكماش في نموه، هذه حقيقة لا يمكن نكرانها.
واشارت تقديرات الى ان بريطانيا في طريقها إلى أن تصبح أفقر من دول أوروبية مثل بولندا وهنغاريا ورومانيا.. تحذير أثار كثيراً من الجدل حول حجم الأزمة الداخلية التي يعيشها البريطانيون ، وهو ما تؤكّده تقارير صندوق النقد الدولي الذي يتوقّع أن تكون بريطانيا “الدولة الوحيدة” بمجموعة السبع التي تشهد ركوداً في 2023.

وتُعتبر بريطانيا واحدة من أكثر البلدان المتقدمة التي تعاني من عدم المساواة الاقتصادية، أو ما يُطلق عليه الفوارق الطبقية، فكلما كبرت الفجوة بين الرواية السائدة والواقع الذي يعاني منه معظم الناس، زادت المخاطر السياسية، فالحكومة البريطانية برئاسة ريشي سوناك، يجب ان تواجه التحديات وأن تضع استراتيجيات طويلة الأجل للتغلب عليها.

 ولكن ما الذي يسبب الضائقة الاقتصادية والفقر؟

يرى كثيرون ان السبب الجوهري في تشديد الضائقة المعيشية هي القضايا الهيكلية في الاقتصاد، والتي تتفاقم بسبب زيادة تكاليف المعيشة ما يخلق حلقة تجعل الناس محاصرين في المصاعب الاقتصادية، ويمكن أن يشمل ذلك البطالة والعمل منخفض الأجر وغير الآمن، كما سيجد الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الوصول بسهولة إلى التدريب أو التعليم صعوبة في العثور على وظيفة آمنة، ما يجعل هروبهم من الفقر أمراً صعباً.

ومنذ أيام قليلة ، طالب كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا أي البنك المركزي البريطاني هيو بيل العمال بالتوقف عن المطالبة بزيادة الأجور كما طالب الشركات بالتوقف عن زيادة الأسعار للمستهلكين والقبول بتراجع القدرة الشرائية  ، مشيراً إلى أنه “على الناس في المملكة المتحدة قبول فكرة أنهم أفقر. نحن جميعاً في وضع أسوأ”. وأضاف أن كل طرف يحاول تحميل الآخر فارق الأسعار ما يغذي الضغوط التضخمية ويبقي معدلات التضخم مرتفعة لفترة أطول.

وأضاف “إنه من الطبيعي للأسر أن تطالب بزيادة دخلها لمواجهة ارتفاع كلفة الفواتير المنزلية، ومن الطبيعي أيضاً أن ترفع المطاعم أسعار الوجبات مثلاً. لكنه أشار إلى أن المملكة أصبحت تستورد أكثر مما تصدر.

 وخلص إلى أن “ما نواجهه الآن هو رفض القبول بهذا. نعم، لقد تدهورت أوضاعنا جميعاً، وعلى كل منا تحمل نصيبه من الفقر… لكن ما يحدث أن كل طرف يحاول تحميل الآخر العبء. وبهذه الطريقة سيظل معدل التضخم يرتفع، ويبقى لفترة أطول”.

 ويبدو من خلال ما سبق ان الفقر أصبح متجذراً بعمق في المملكة المتحدة ما يعني أن ملايين العائلات في جميع أنحاء البلاد ستكافح أكثر وأكثر ، وأزمة تكلفة المعيشة ستؤثر على الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل أكبر، الى جانب مكافحة الكثيرين لتحمل اساسيات العيش والاعتماد على بنوك الطعام والبنوك الدافئة لتغطية نفقاتهم…

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى