صدى المجتمع

“باربي” و”أوبنهايمر” ضدان اجتمعا لـ”انتصار السينما”.

جرب أن تضع اسم فيلم مارغو روبي وريان غوسلينغ الجديد “باربي” (Barbie) على محرك البحث “غوغل“، لتستقبلك الأضواء الوردية وتكتسي الصفحة باللون نفسه ابتهاجاً بالدمية المدللة الشهيرة التي تجسدت على يد المخرجة غريتا غيرويغ لتصبح نسخة حية بعد أكثر من 60 عاماً على ظهورها في الأسواق العالمية.

هذه المبالغة في الحملة الدعائية تليق تماماً بالفيلم المبهج الذي يحاكي أجواء الحلقات الكارتونية الشهيرة لباربي ولكن بصورة أكثر إبهاراً، ويستنسخ بشكل مطابق ملابسها وديكورات منزلها وأسلوب تصفيف شعرها، ويفسر ببساطة هوس اللون البينك الذي يطغى واجهات المحال والمراكز التجارية وعلى ملابس نجمات الـ”سوشيال ميديا” أخيراً، وهي الحملة الدعائية التي حصد صناع العمل نتائجها سريعاً بعد إيراداته القياسية.

بشكل متزامن يلتزم صناع الفيلم القاتم “أوبنهايمر” (Oppenheimer) الذي يتناول حكاية حزينة عن مخترع القنبلة الذرية، وانطلق عرضه مع “باربي” في اليوم نفسه، طريقة أكثر كلاسيكية وأقل صخباً في حملة الترويج بما يليق بطبيعة القصة المؤلمة والحزينة، لكنهم أيضاً يكافأون بنجاح باهر في العوائد، إذ يحظى الفيلم بإشادات نقدية ويصنفه البعض أحد أهم أفلام مخرجه كريستوفر نولان، والجمهور يقبل بكثافة على مشاهدته في جميع أنحاء العالم.

حمى “باربي” التي اكتسحت العالم تقابلها كذلك حمى “أوبنهايمر”، حتى إن هناك من أطلق على تلك الظاهرة في هذا الموسم “باربيهايمر” وهو مشتق من اسمي العملين المتناقضين تماماً ولكنهما يعلنان بطريقة عملية أن السينما لا تزال هناك، وأن المنصات في بعض الأوقات تتوارى لتصبح مجرد وسيلة مكملة للعروض الأصلية في دور السينما، وأن الشغف بالمتابعة التقليدية لا يزال متفجراً، وإذا كان هناك جمهور عريض ينتظر أفلام الرفاهية المسلية فهناك كذلك جمهور مماثل لأعمال شديدة الجدية والإظلام.

العالم بات وردياً

في وقت تعاني العروض الأولى للأفلام بسبب إضرابات هوليوود المتوالية، حين فرضت نقابة ممثلي الشاشة على المشاركين بشكل أساسي في الإضرابات عدم المشاركة في الأنشطة الرئيسة المتعلقة بالحملات الدعائية، لجأ صناع السينما هذا الموسم إلى طرق أكثر جذباً للتأثير في الجمهور، مثل اللقطات الطريفة المتوالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والضغط بأخبار لا تتوقف عن كواليس الأفلام، واللفتات غير المتوقعة للأبطال مع الجمهور مثلما حدث في فيلم “مهمة مستحيلة 7″ (Mission Impossible 7)، أما في ما يتعلق بـ”باربي” ففي إطار الخطة الدعائية المتبادلة أصدر عديد من دور الأزياء منتجات خاصة من وحي الدمية الشهيرة، سواء ملابس أو أحذية والحقائب وحتى أدوات المكياج، في حين تبارت النجمات لاستعراض ما لديهن بدرجات اللون الزهري.

من جهتها تواصل مارغو روبي بنود الدعاية المرهقة للغاية للترويج للعمل، ومنها التزام الحمية القاسية لتحافظ على القوام النحيل لـ”باربي”، والظهور بشكل دائم بالملابس المصممة لتحاكي ملابس الدمية ويغلب عليها اللون الوردي بالطبع، ومعها أيضاً رايان غوسلينغ في دور كين صديق باربي، إذ يلتزم أيضاً مظهر الشخصية كاملاً، وقد تم رصد 150 مليون دولار من أجل الدعاية للفيلم الذي توزعه شركة “وارنر برذرز”، لتتفوق كلفة الدعاية على ميزانية الفيلم نفسه البالغة 145 مليون دولار، وهو من إنتاج شركةLuckyChap Entertainment بالتعاون مع بطلته مارغو روبي.

تم استرداد تلك الأموال سريعاً، فقد حقق الفيلم حتى الآن أكثر من 155 مليون دولار في أميركا الشمالية فقط، في حين تقترب إيراداته الإجمالية خلال خمسة أيام عرض من 340 مليون دولار، وهو رقم ضخم كان دوماً من نصيب أفلام “عالم مارفل”، بالتالي فهو يعد رقماً قياسياً بالنسبة إلى فيلم كوميدي رومانسي، لذا كان سهلاً أن تتحول باربي وألوانها إلى هوس انتقل سريعاً إلى الفنانات الشهيرات ومدونات الموضة والمؤثرات عربياً وعالمياً، حيث بدا موقع “إنستغرام” على سبيل المثال وكأنه منصة لعرض أزياء اللون الوردي فقط.

سجادة سوداء ونجومية

 وفي حين استعمل صناع العمل سجادة وردية بدلاً من الحمراء التقليدية لترسيخ اللون بصورة أكبر في الأذهان، اختار نجوم “أوبنهايمر” على العكس السير على سجادة سوداء تماشياً مع أجواء الفيلم الذي يتناول سيرة روبرت أوبنهايمر صاحب الدور المحوري في تطوير أول سلاح نووي فتاك، وهو الأمر الذي انسحب على باقي تفاصيل الحملة الدعائية التي اعتمدت على لقاءات وحوارات مع الطاقم لإظهار المجهود الكبير الذي بذلوه خلف الكاميرا، وقد حقق الفيلم ما يقرب من 200 مليون دولار عالمياً، بينها نحو أربعة ملايين دولار في دور العرض بالسعودية، وما يقرب من 11 مليون جنيه (356 ألف دولار) في دور العرض المصرية، إذ إن مقاعد الفيلم في السينمات المجهزة بالقاهرة محجوزة لمدة أربعة أيام في الأقل بالنسبة إلى الحفلات المسائية، وبات من الشائع مشاهدة طوابير أمام القاعة ممن يصطفون لمشاهدة الفيلم الذي يحظى مخرجه بشعبية كبيرة.

يحظى “أوبنهايمر” بإشادات نقدية ويصنفه البعض أحد أهم أفلام مخرجه كريستوفر نولان (مواقع التواصل)​​​​​​​

على النقيض يشعر جمهور “باربي” في مصر بخيبة أمل بسبب تأجيل طرحه إلى نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل بدلاً من الموعد الذي كان مقرراً في 19 يوليو (تموز) الجاري، وسط أنباء عن منع عرضه، وهي الأنباء التي نفاها عدد من الموزعين المحليين، بخاصة أن العمل مصنف لمن هم فقط فوق 13 سنة، فيما يصنف فيلم “أوبنهايمر” لفئة “R” أي للكبار فقط، وقد بات خلال أسبوعه الأول الفيلم الأعلى إيراداً من تلك الفئة منذ جائحة كورونا، في حين لم تتجاوز ميزانيته 100 مليون دولار، وتشير تقديرات حملته الدعائية إلى 80 مليون دولار، وقد أكد العملان عودة الانتعاشة إلى السينما بعد الجائحة حيث حلقا بعيداً بعوائد تاريخية، وهما يتنافسان على القمة معاً في الوقت الحالي، وكان فيلم توم كروز “Mission Impossible 7” قد سبقهما بـ10 أيام لكنه لم يتخط حاجز الـ300 مليون دولار.

الناقد السينمائي أندرو محسن يشير إلى أن فيلم توم كروز كان قد أنجز بالفعل أسبوعه الافتتاحي بعد عرض “أوبنهايمر” و”باربي”، بالتالي خرج من المقارنة معهما، مشيراً إلى أن نجاح العملين جماهيرياً يعتبر ظاهرة جيدة للغاية، إذ إن الطبيعي في السينما هو التنوع وليس سيطرة نوع بعينه من أفلام الأبطال الخارقين أو الخيال العلمي البحتة، مشدداً على أن الفيلمين مختلفان تماماً بل على طرفي نقيض.

وتابع محسن “منذ سنوات لم يجتمع في موسم واحد عملان لمخرجين لهما جماهيرية عريضة على اختلاف نوعية ما يقدمانه، فالمراهنة هنا على الإخراج نظراً إلى نجومية مخرج كل عمل، وليس فقط الأبطال”.

على وقع الإضرابات

بالعودة إلى حملات الترويج المبكرة قبيل عرض “باربي” و”أوبنهايمر” في ما يسمى الدعاية التمهيدية، حرص عديد من دور السينما على الربط بين العملين، كما أن كل منهما أسهم في الترويج للآخر، إذ التقطت مارغو روبي صوراً في السينما بجانب بوسترات “أوبنهايمر”، ليقوم كيليان مورفي بالشيء نفسه أمام البوست الدعائي لـ”باربي”، وبدت الصور كأنها عفوية جاءت بالمصادفة لتعبر عن التناغم والتفاهم بين الأبطال المتنافسين في شباك التذاكر.

لكن الناقد الفني إيهاب التركي لا ينظر إلى تلك اللقطات باعتبارها محض صدفة، ويقول إنه حدث ربط بين “باربي” و”أوبنهايمر” لدرجة إطلاق مصطلح “باربيهايمر” على الفيلمين المتناقضين تماماً، وهو أمر متعمد لكي يستفيد كل فيلم من جمهور منافسه، وهي حيلة دعائية أثبتت نجاحها الساحق.

الانتعاشة الكبرى في شباك التذاكر تتمتع بخصوصية كونها تأتي في وقت حرج بسبب أزمة الإضرابات التي تجتاح استوديوهات هوليوود ويتزعمها المؤلفون وجانب من الممثلين اعتراضاً على تدني الأجور، وأيضاً بسبب توسع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأعمال الفنية مما يهدد مستقبل مهنتهم.

والإضرابات التي تتوسع يوماً بعد يوم يصفها مراقبون بأنها الأكبر منذ نحو 60 عاماً، واللافت أن مارغو روبي نجمة فيلم “باربي” أعلنت تضامنها مع المطالب العادلة للمضربين، كما ترك أبطال فيلم “أوبنهايمر” وبينهم كيليان مورفي ومات ديمون وإميلي بلانت وكذلك فلورنس بوج فعاليات العرض الأول للعمل من أجل الوجود معهم.

يرى التركي أن هذه الأفلام تحارب من أجل بقاء قاعات السينما في هذا الوقت الحرج، فمن ناحية أصبحت المنصات خياراً أولياً لكثير من الفئات في ما يتعلق بنمط المشاهدة، ومن ناحية أخرى تعيش هوليوود صيفاً ساخناً بدأت فيه إضرابات الممثلين وكتاب السيناريو، ومن شروط الإضراب التي أعلنتها نقابة الممثلين وفرضتها على أعضائها الامتناع عن حضور أية عروض أولى أو الترويج للأفلام، ولأن الوضع مضطرب لجأت الاستوديوهات إلى كل وسائل الدعاية البديلة حتى تتفادى الخسارة.

ويتابع الناقد الفني “من هنا كان الاعتماد على الـ(سوشيال ميديا) كجزء مهم من فلسفة الدعاية، وهو ما كان ظاهراً بقوة في حملات أفلام الجزء الجديد من (مهمة مستحيلة) وكذلك (أوبنهايمر) و(باربي)”، مؤكداً أن الجمع بين دعاية الفيلمين فكرة جريئة تحسب لصناعهما.

ويضيف “فيلم باربي عمل مرح خفيف ويلعب على نوستالجيا ألعاب الطفولة والمراهقة، وفيلم المخرج كريستوفر نولان توزيع استوديو يونيفرسال مليء بالأسئلة القلقة عن مدى ما يصل إليه الإنسان من رغبة في الدمار والقتل باسم الوطنية، ووضع عمل يناقش تداعيات الحروب وآخر مرح عن عالم وحياة دمية وردية في خطة دعائية واحدة تسهم فيها دور العرض نفسها أثبت نجاحه وفعاليته”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى