أبرزشؤون لبنانية

نغيّر ما في أنفسنا أولاً… ثمّ المنظومة

أكثر ما يُحرج المرء أن يكتب عن آرائه بمنطق وقناعة ليقنع بها الآخرين، فيواجه الآخرون بتهمة انتمائه الحزبي من دون نقاش النقاط والمواضيع المطروحة بالوقائع أو بالتحليل، هذه “التهمة” التي لي شرف ارتكابها من الفجر إلى النجر لن تمنع من طرح الأمور والتحديات التي يواجهها لبنان وشعبه والتي لا يجوز الخروج من تداعياتها إلى حلول مشكوك بنشأتها وأهدافها وتعتمد الأساليب الملتوية، “قعود ألوأ واحكي جالس” قد تصلح في جلسة منزلية ولكنها لا تفيد في الشأن الوطني، إذ لا يحكي جالساً إلا الجالس.

قد نختلف حول أسباب الأزمات، ولكن لا خلاف حول شدّتها التي هدمت كل ما بنيناه وتعترض مستقبلاً كل ما نريد أن نبنيه من أجل حياة طبيعية كريمة نحصد ما نزرع وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، أو اختيار حياة أسهل تعطينا خبزنا كفاف يومنا، يبقى لنا الخيار في كافة الأحوال، هذا هو حال كل مواطن في أي بلد من العالم سواء كان حزبياً أم غير حزبي، يمينياً أو يسارياً، مسيحياً، مسلماً أم علمانياً وما إلى هناك من مذاهب أو حتى ملحداً.

لنتحدّث بالوقائع التي لا خلاف حولها، دولياً لا شك أن خارطة المنطقة السياسية وربما الجغرافية هي قيد البحث في فيينا إلى جانب بعض عواصم المنطقة بلقاءات ثنائية ثانوية قد تفضي إلى اتفاق أو لا، كما قد تعمد القوى الوازنة إلى ضرب أي إمكانية للاتفاق. لبنان يشهد هيمنة على قراره السيادي نقلته رغماً عنه وعن دولته وشعبه ودستوره إلى لعبة المحاور وهي لعنة لا تحتملها التركيبة اللبنانية وأدت في نهاية المطاف إلى تخلّي أشقاؤه عنه، والوضع الداخلي من سيء إلى أسوأ يوماً بعد يوم نتيجة تلك الخيارات.

الانقسام الداخلي الجذري العميق حول دور لبنان تم قمعه والسيطرة عليه بواسطة السلاح غير الشرعي من جهة، ومحاذرة المعارضين الانجرار إلى ساحة الصراع المسلح علّ وعسى أن يعي أصحاب السلاح مخاطر سلوكهم من دون أن يوقظ صبر الصابرين بصيرة الظالمين.

يقبع لبنان اليوم في ظلمات لا حدود ولا قعر لظلمها، اللبنانيون الصابرون تغيّروا تحت وطأة الجوع والمرض والغضب، وقرار المواجهة قد أصبح قناعة وقراراً نهائياً بعدما فقدوا كل شيء ولم يعودوا يملكون ما يخشون خسارته، فحتى استسلامهم لم يأتِ لهم بالمن والسلوى حتى على حساب قناعاتهم وحريتهم وكرامتهم.

المواجهة التي نسعى إليها ديمقراطية من خلال الانتخابات النيابية التي طال انتظارها على الرغم من المخاوف المشروعة من محاولات تأجيلها وهذا ما سيواجهه اللبنانيون بتصميم ولن يقبلوا التراجع تحت أي ضغط وذريعة، الانتخابات حاصلة وإذا لم تحصل ستسقط الدولة وترثها قوى الأمر الواقع بعد أن ترثيها، ومخطئ من يعتقد أن بإمكانه السيطرة على كامل الجغرافية اللبنانية لا بمئة ألف ولا بمئتين ولا بنصف مليون مقاتل.

نتصرّف على أساس أن الانتخابات حاصلة لا محالة، وهنا الخطر الأكبر المسؤول عنه الشعب اللبناني، وكي لا نقع في المحظور مرة من جديد، لا بد من طرح الهواجس المصيرية بحرفيتها كي لا نقع في مطب “لو كنت أعلم”، ومنها:

ـ يشكل لبنان جزءاً من المنطقة ومصيره على طاولة البحث من دون أن يكون موجوداً على الطاولة إلا ورقة في يد الآخرين، من هنا ضرورة أن يكون المجلس النيابي الجديد سيادياً قادراً على رفض الإملاءات التي تتعارض مع مصلحة لبنان من حيثما أتت.

ـ الظروف التي يعيشها لبنان تشكّل بيئة قابلة لتسلل المشاريع المشبوهة التي قد تنعش اللبنانيين قليلاً ومرحلياً من خلال جمعيات ومنظمات عابرة سبيل، ولكنها تملك أجندات خاصة بها تدعم على أساسها مجموعات تدّعي التغيير فيما هي ستكون أداة لتنفيذ أوامر رأس المال، وهنا نقول إن لا أسوأ من منظومة تستغل السلطة إلا معارضة تستغل الثورة.

ـ تبقى أخيراً مسألة الأنانيات ونفخ الأحجام وشمولية بعض الأحزاب الصغيرة ومكابرتها، ومن محاسن الصدف أن تنكشف تلك القوى والأحزاب والشخصيات في أبسط الأمور كالانتخابات النقابية والطالبية والتحالفات الهجينة التي لم تعد سراً، لبنان صغير وكلنا منعرف بعضنا، فلا تغضّوا النظر عن التفاصيل الصغيرة، فخلفها تختبئ التفاصيل الكبيرة.

والآن أعود لأحمل لواء الحزب الذي أنتمي إليه “القوات اللبنانية” التي لم تتبدّل مواقفها الواضحة لا في اليسر ولا العسر ولا حتى في الأسر لأدعو الرأي العام المحايد سياسياً والملتزم وطنياً وسيادياً، أدعوه لمحاسبة عادلة للقوات ومقارنتها مع السيئين الفاسدين أولاً وسيجدون أنها ليست منهم، ومن له رأي آخر فليطرحه بتجرّد لنوضحه بتجرّد، ثم قارنوها مع الصالحين فتجدون أنها أول الصالحين بالقول والفعل وأنها وإن كانت تحت المساءلة كما يفترض بالجميع أن يكونوا كذلك، إلا أنها فوق الشبهات والإرتكابات، وغالباً ما اعتكفت عن المشاركة في هذه السلطة. وفي المدة المحدودة التي شاركت فيها كفرصة أخيرة للإنقاذ قدّمت نموذجاً راقياً في ممارسة السلطة كما في المعارضة، ثم رفضت كل المناصب بعد يأسها من إصلاح هذه المنظومة.

وختاماً، أيها الشعب اللبناني أنت أمام فرصة، بعضنا يقع تحت سلطة قوة قاهرة مرتبطة بالمفاوضات في فيينا وغيرها وقلة منهم سيواجهونها، وبعضنا يقع تحت أسر وتأثير عقدة الأحجام ويفتش عن دور ودعم الهيئات والجمعيات والمنظمات المشبوهة وهي ستكون مدينة لها بكل ما للكلمة من معنى، وبعضهم يتطلّع إلى إعادة إعمار لبنان وخصخصة مؤسساته ومرافقه بأبخس الأثمان في دولة مفلسة فننتقل من سطوة السلاح إلى سطوة المال، والأنكى أن نصبح تحت سطوة تحالف السلاح والمال.

وهناك نموذج القوات اللبنانية وحلفائها، جميع من تتحالف معهم سواء كانوا أحزاب أم شخصيات مستقلة، هذه التحالفات لن تحصل إلا على مبادئ سياسية وسيادية واضحة بالتوازي مع الأسس الإصلاحية والإنقاذية الشفافة والنزيهة. هذه القوات التي لم تنكسر لغاصب ومحتل مهما كانت هويته حتى لو أدّى بها ذلك إلى الحصار والعزل والاستشهاد والأسر. هذه القوات لن تخذل شهداءها وبيئتها ومجتمعها وشعبها ولن تلوّث مسيرتها ومقاومتها بشائنة ولن ترضى بأقل من وطن لجميع أبنائه. واجب الرأي العام هذه المرة ألا ينساق خلف الشعارات الرنانة فيصل ويوصلنا معه إلى النهاية التعيسة لنا جميعنا.

المصدر
القوات اللبنانية

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى