شؤون لبنانية

القضية اللبنانية: بناء وطن ليس…

نظّم أصدقاء الدكتور فيليب سالم ندوة بعنوان: “القضية اللبنانية: من ميشال شيحا إلى فيليب سالم”، وذلك في قاعة متحف سرسق – بيروت. شارك فيها: الدكتور غالب غانم، الدكتور الأب جورج حبيقة، الدكتور عبدالحميد الأحدب، الدكتور سهيل مطر والدكتور فيليب سالم. وأدارت الندوة الإعلامية نادين شلهوب.
رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق غالب غانم رأى أن مقاربة الموضوع “ليست بالأمر اليسير. فبالإمكان أن يختلط فيها السياسي بالدستوري، والتاريخي بالجغرافي، والداخلي بالخارجي، والفكري بالوجداني… كما يمكن أن يختلط فيها العلماني وعلى الأقلّ المدني بالطائفي”.
أضاف: لمّا كانت عبارة “العيش المشترك” المسيّجة بالشرعية الدستورية تَلقى من لا يراها قادرة على إيلاد المجتمع الواحد ويتمنى إبدالها بعبارات قد تكون أوفى دلالة على ما تصبو اليه مقولة المواطنة الحَقّ، كالعيش معًا، أو الانصهار، أو الوحدة الوطنية… فقد تذكّرت أنّ ثمّة كلمة (التلاقي) التي وقعتُ عليها صدفةً حين كنتُ أقلّب صفحات من دفتر قديم لوالدي الشاعر عبدالله غانم الذي كان من عشّاق لبنان المتوجسين بما يُحاك ضدّه في الخارج ومن تقطّع بنسيجه في الداخل…
الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس – الكسليك، الأب جورج حبيقة رأى أن شعب لبنان ينوء من فترة إلى فترة تحت ثقل مصائب التاريخ ويتحمّلها ببطولة خارقة ويندفع من جديد في محاولة تطويع القَدَر الظالم، والإنطلاق مرة أخرى في ورشة بناء وطن يليق بجلجلة اللبنانيين على مرّ الزمن.
أضاف: نحن هنا، لأننا منتفضون على قدرنا التاعس وحاملون لواء القضية اللبنانية التي بزغت مع اللبنانيين الأوائل وراحت تتشكّل رويدًا رويدًا حتى يومنا، وعلى يد جماعات متنوعة، ومن ثقافات مختلفة، هاربة من شرقٍ ظالم وقاهر، يجمعها الألم والوجع والاضطهاد والسعي إلى االإقامة في ربوع الحرية.
وأكدّ: نحن هنا مع البروفسور فيليب سالم لأننا متمرّدون على عبثية محاولاتنا العنيدة لبناء وطن وساخرون من عدم نجاحنا الظرفي. وهذا الأزدراء يحتّم علينا المتابعة العنيدة وعدم التراخي أو التنحي. وفي هذا السياق، يقول الطبيب الألمعي فيليب سالم بالنسبة إلى دوامة الانتكاسات والمصائب التي لا يزال يتخبّط فيها: “نحن لم نيأس. لن ننام. ولن ندعه يموت. سنعيده إلى الحياة من تحت الركام”. (من مقال لسالم بعنوان: مئوية مضرّجة بالدماء والحروب).
حول النظام الطائفي في لبنان، يرى حبيقة، أن ذلك لا يعني مطلقًا رفضّ الطوائف الأخرى ونبذَها والدخول معها في صراع وجودي. إنه على شاكلة الإنتماء إلى عائلة، من منّا اختار أباه أو أمه، أو وطنه أو لغته، أو حتى دينه؟ من يتذهّنُ جيدًا سرّ الوجود، يحب المعادلة الحياتية التي وُلد فيها، وفي الوقت عينه يحترم انتماءات الآخرين ويجلّها ويدخلُ معها في تحاكٍ وجودي، خلاّق وهادف. ان الوجود البشري لا يستقيم البتّة خارج الإنتماء والإنتماء في مضامينه الصحيحة لا يداخله أبدًا منطقُ الصراع وتهميش الآخر وإلغائه. 
الدكتور عبدالحميد الأحدب تحدث عن القضية اللبنانية، ورأى أن لبنان يضمّ مجموعة طوائف وكل طائفة تدين بالولاء للخارج، وكل طائفة نقيض الأخرى!
ورأى ان المسيحيين أعطوا خلال فترة الانتداب الفرنسي على لبنان، كل الضمانات للإسلام السياسي. وان المسيحية السياسية سعت وعملت على تطمين الإسلام السياسي للإنتماء إلى لبنان ولاءً. ولمّا جاءت الانتخابات الرئاسية تكتّل المسيحيون ومعهم المسلمون في اتجاهين: إتجاه دستوري بقيادة الشيخ بشارة الخوري وتكتل كتلوي (الكتلة الوطنية). ولمّا وجد التكتل الدستوري ان النتيجة ستكون لصالح التكتل الكتلوي قرروا انتخاب الشيخ محمد الجسر مفتى طرابلس رئيسًا للجمهورية، وكاد أن يتمّ هذا الانتخاب لولا أن المفوض السامي الفرنسي جُنّ جنونه. وبعد التشاور مع باريس، حُلّ المجلس النيابي، وعُلّق الدستور وعُلّقت بالتالي الانتخابات الرئاسية.
وعندما نال لبنان استقلاله، بدا هذا الاستقلال وكأنه يشكو من عللٍ في الداخل والخارج. في الداخل أعطى الطرفان الحكم لرجال سياسة ولم يعطوه لرجال دولة. 
وقال: في فكر ميشال شيحا أن لبنان هذا يجب أن يُحكم بحكمة لا بقوة. ذلك ان القوة تجمّد المواقف فتتنافر، في حين تقرّبها الحكمة، فتتّحد. ثم أن الديموقراطية اللبنانية فيها “شيء من الفيدرالية”، بحيث تكاد الطوائف تكون، كما في سويسرا، كانتونات لا تميّز بينها حدودُ أرضٍ ولكنها تتميّز تبعًا للشرع الذي ينتسب اليه أعضاؤها. 


أكّد الدكتور فيليب سالم في كلمته أن هناك محاولات حثيثة ليس لتغيير الجغرافية السياسية بل لتغيير الجغرافية الحضارية في لبنان. ورأى أن لبنان موجود بالجسد في الشرق ولكنه موجود في العالم بحضارته المميّزة، أي أن لبنان يعيش في العالم لأن أول ميزات لبنان هي التعددية الحضارية. لبنان ملتقى الحضارات: حضارة الشرق وحضارة الغرب وهو بذلك يرمز إلى حضارات العالم كلها. وبسبب هذه التعددية الحضارية في لبنان، فإنه بعد نصف قرنٍ من الحروب، ما تزال المسيحية تعانق الإسلام. لكن المشكلة الكبرى والأساسية في لبنان انه لا توجد قيادات سياسية فاعلة توحّد البلاد والعباد وتقود لبنان إلى العظمة. لذا لا نريد رئيسًا بل قائدًا قادرًا على انقاذ هذا الوطن وإنزاله عن جلجلةِ الموت والضياع.
أضاف: أنظر إلى أين أوصلنا أهل الساسة في لبنان. ومن الخطأ الاعتبار أن المدرسة السياسية التي حكمت لبنان، وسبّبت له هذا الإنحدار، هي التي تستطيع أن تخلّصه منه. المرض هو في أهل السياسة. طبعًا، السياسيون لم يصلوا إلى السلطة، إلاّ عبر الانتخاب الشعبي. وبالتالي لدينا واجب أن نثقف الشعب اللبناني، لكي نستطيع أن نغيّر المدرسة السياسية التي حكمت لبنان.
وقال فيليب سالم: تعلّمت من الطبّ أن لا أقطع حبل الأمل، وانه لا حائط مسدودًا في وجه الأمل، ولا وقت لانسداد الأمل. عندي أمل أن يقوم لبنان. كيف سيقوم؟ بداية، أكرّر قولي أن الطبقة السياسية التي حكمت لبنان، لن تكون هي التي ستنهض بلبنان. إذًا ما المطلوب؟ المطلوب ثورة حضارية. لا أؤمن بأي نوع من أنواع العنف. لأنني رأيت إلى أين يصل بنا العنف، وكيف اختُطف “الربيع العربي” من قِبَل المسلحين و”داعش”، وتحوّل إلى حركة متخلّفة وقاتلة للثورة. الثورة الحضارية يقوم بها المجتمع المدني، أي أنا وأنت، الناس العاديون، في الصحافة والجامعات والمدارس، خطوة بخطوة، وبشكل تدريجي، لتغيير النظام السياسي في لبنان. وتحتاج هذه الثورة إلى جرأة وصمود. ترى اليوم، بعض المظاهر البسيطة للحراك المدني، ويجب دعمه. سابقًا، لم نكن نرى هذا الحراك. يجب أن يعرف أهل السلطة والحكم، أن المواطن سيحاسِب. من دون المحاسبة، لا يتحقق أي شيء. لتحقيق هذه الثورة، علينا إعداد قانون انتخاب جديد. القانون الذي أنجزناه مؤخرًا، لا يغيّر المدرسة السياسية الحاكمة في لبنان، ولا يساعدنا على تحقيق الهدف، ولا يُعتبر نقلة نوعية. لأن هذا القانون الأخير، أُعدّ ليعيد انتاج الطبقة السياسية الحاكمة ذاتها في لبنان، ولا يخوّل الصوت المقترع أن يكون صوتًا تغييريًا. لذلك التغيير يجب أن يحصل بواسطة ثورة اجتماعية يقوم بها المجتمع المدني. يجب أن يثور اللبناني على الواقع الذي يعيشه. أسوأ ما يمكن أن يحدث في لبنان، أن يشعر المواطن باليأس والإحباط وعدم القدرة على التغيير. نحن نستطيع أن نحدث تغييرًا، وقادرون على ذلك من الداخل والخارج اللبناني. إن حظّي كبيرٌ، لأنّني أشعر أني أملك حريتي، وحرية التعبير، ولا أحد يُملي عليّ كلامي، أنا قوي بحريتي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى