باسم المرعبي_ ناشر موقع رأي سياسي:
تعتبر الوحدة الوطنية ركيزة من ركائز مقومات الوطن وأساسا من أسس تطوره وتقدمه وهو نتيجة تلاحم الشعب، كما أنها الأساس في استقرار الدولة وإنمائها، يقوم عليها البناء الوطني السليم وتشكل هدف التنمية السياسية وغايتها الأولى.
لقد مّر لبنان عبر التاريخ بحروب وأزمات، وفي كل مرة كانت الوحدة الوطنية والعيش المشترك يمران بمطبات خطيرة، لكن لم يكن ذلك ولو لمرة واحدة ناجم عن رغبة عامة الشعب في ذلك، بل كان نتيجة الانشطار السياسي والتجاذبات التي كانت تندلع عند اي استحقاق مهما كان نوعه، اضافة الى ان التدخلات الخارجية واللعب على النزاعات الطائفية والمذهبية لعبت دورا محوريا في محاولة النيل من هذه الوحدة والتعايش اللذين يميزان لبنان عن محيطه.
صحيح ان الوحدة الوطنية مّرت بمخاطر كثيرة في السنوات المنصرمة، غير ان وعي الشعب اللبناني وحبه لوطنه حال دون سقوط هذه الوحدة بالمستنقع الطائفي، وقد تجلى دفاعهم عن وحدتهم الوطنية واندفاعهم الدائم على حمايتها ولو كلف ذلك حياتهم في محطات وظروف كثيرة، وكان ذلك يكّرس في بعض الأحيان بالدم، على غرار ما شاهدناه وشاهده العالم منذ ان بدأت الاعتداءات الاسرائيلية منذ عدة اشهر على لبنان وكان آخرها ما حصل في اليومين الماضيين في الضاحية الجنوبية، حيث وضع اللبنانيون كل خلافاتهم وراء ظهرهم وهبوا لمساعدة الجرحى والمتضريين من العدوان الاسرائيلي، فجاؤوا من طرابلس وعكار وزغرتا والمتن والجبل والجنوب ومن كل احياء بيروت للتبرع بالدم لمساعدة شركائهم بالوطن، وكان هذا المشهد النادر دليل ساطع على أن ما من شيء يستطيع أن يفرق بين اللبنانيين، وأن ما يحصل في الشارع في بعض الأحيان ما هو الا نتيجة للخلافات السياسية، ويكون خلاف مرحلي، لا يعبر عن حقيقة واقع الحال، وأن صيغة العيش المشترك تبقى صامدة رغم الرياح العاتية بفعل اقتناع المواطنين بها، وكونها ميزة من ميزات لبنان التي اشاد بها البابا بنديكتوس السادس عشر خلال زيارته لبنان في ايلول من العام 2012، وكذلك البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1997الذي اطلق مقولته الشهيرة بان لبنان “وطن الرسالة” رسالة العيش المشترك.
ان ما شاهدناه في اليومين الماضين يؤكد أن لبنان ما زال بألف خير، وانه مهما عصف به من رياح فتنوية عاتية لن تقوى على ارادة هذا الشعب الجبّار الذي قرر ان يبقى موحداً رغم الاغراءات والمحاولات الجارية على قدم وساق منذ عدة عقود لتقسيمه وشرذمته بين مسلم ومسيحي أو في داخل الطائفة الواحدة أو المذهب الواحد، وليكن ما حصل على ابواب المستشفيات التي غصت بالمواطنين من مختلف الطوائف والمذاهب لأناس جرحى لا يعرفونهم ولكن فقط لأنهم لبنانيين، عبرة يحتذى بها على مّر الأزمان، لأن هذا البلد المحاط بالكثير من الطامعين والعاملين على نسف صيغة التعايش فيه، لا يقوى ولا يصمد بوجه هؤلاء الا بوحدته الوطنية، فأي شعب يتخلى عن وحدته يندثر ويتهالك وطنه ويصبح لقمة سائغة في فم من يريد به السوء ويحتله.
فلنكن جديرين في الحفاظ على وطننا من خلال الحفاظ على وحدتنا، وان لا نسمح للسياسة ان تنجح في تفرقتنا، وهو ما لم تستطع تحقيقه دول.
احسنت وصدقت