السفيرة – القارئة: الصورة الكاملة لسياسة «الشحادة»
كنبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
اختصر حضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا، إلى المدرسة الصيفية الرسمية لتلاوة قصة باللغة الإنكليزية على الأطفال المشهد التربوي اليوم. اكتملت الصورة. أظهرت للعلن كيف تُدار التربية في الخفاء، وكيف يسير تدريب المعلّمين وتنفيذ المشاريع التربوية وتطوّر المناهج التعليمية. كشفت كيف أن الدولة المفلسة عاجزة عن ترتيب أولوياتها فتترك التعليم الرسمي يصارع بلا تأمين أدنى مقوّماته وأبسط احتياجاته، فيما تحرص في الوقت نفسه على إيهام الرأي العام بأن أموره «ماشية وكل شي تمام». هل المدارس الرسمية بخير فعلاً وهل تقدّم الكفايات والمهارات اللازمة للتلامذة؟ وما هي القيم والمبادئ التي تبثّها فيهم؟
في بلد «الشحادين» يصبح أي شيء مباحاً ومبرّراً، ولا سيما حين تكون «الشحادة» المصدر الوحيد والخطير للتمويل الذي يضمن تسيير العجلة التربوية ويترك الساحة للمانحين لفرض شروطهم. عدم توفر الموارد المالية والتربوية لدى وزارة التربية والدولة اللبنانية عموماً جعلها تقع في براثن أموال الجمعيات وخصوصاً تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID الذي يركز على التربية، فيما صرف هذه الأموال غير خاضع للرقابة وغير معروف ما هو أثرها على السياسات التربوية.
الفاعلون الدوليون في المجال التربوي ثلاثة: البنك الدولي عبر القرض الكبير الذي يقدّمه للمناهج، واليونيسف ودعمها لتعليم اللاجئين السوريين، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي باتت أشبه بأخطبوط له أذرعه الكثيرة داخل وزارة التربية، وقادرة على إقناع وزراء التربية المتعاقبين بإصدار قرارات تسهل تغلغلها. تحتفظ الوكالة في كلّ مذكّرات التفاهم التي تبرمها مع الوزارة بالسلطة التعاقدية مع الشريك المنفّذ للمشروع، وغالباً ما يكون جمعية محلية كتلك التي تنفذ مشروع «كتابي» مثلاً الذي يُعنى بتعزيز اللغة العربية، والتي تستحوذ منذ سنوات طويلة، وعلى نحو متكرّر على تمويل هائل من الوكالة وتستخدمه بما تراه مناسباً وبحسب رؤيتها وسياساتها الخاصة، إذ تعمل بحرية مطلقة من دون حسيب أو رقيب، وتدفع آلاف الدولارات للمستشارين من دون أن تخرج أي أصوات اعتراضية، فيما وزارة التربية عاجزة عن رقابة الموارد التي تقدمها.
عمل الوكالة الأميركية بدأ منذ 15 عاماً بدراسة واقع الحال في المدارس الرسمية وسحب «داتا» عن المعلّمين والتلامذة وأهاليهم وبيئتهم لاستخدامها والبناء عليها في «التطوير» وتدريب المعلمين وإنتاج موارد تعليمية ووضع سياسات تربوية تفرضها على الوزارة.
أي مناهج ننتظر أيضاً إذا كان البنك الدولي يقبض على أنفاسها، فتوزّع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء القرض المخصّص لتطويرها على الأزلام والمحاسيب والتنفيعات، ويجري التكتّم على حجم الأموال المدفوعة، فتكون الحصيلة غياب المنتج وتراكم ديون إضافية على اللبنانيين؟
أما ملف تعليم اللاجئين السوريين المموّل من منظمة «اليونيسف» فبقي شائكاً وبلا أي معالجة رغم كلّ محاولات الضغط من الرأي العام والاتهامات والدعاوى التي قُدّمت في هذا الشأن.
الصورة الكاملة للسفيرة ـ القارئة التي خرجت إلى الإعلام دقّت الجرس لتعيدنا إلى 15 سنة خلت. لكن أيّ قصة ستقرأها السفيرة على مسامع أطفال لبنان في حين ما تسبّبه السياسات الأميركية من مشاهد تجويع وحصار وقتل للأطفال راسخ في أذهانهم؟
مظاهر كاذبة تدعو للتساؤل ما إذا كانت الإدارة التربوية تعي فعلاً خطورة هذه الصورة، وهل هي مستعدة للوقوف في وجهها أم أنّ أعضاءها تحوّلوا إلى مستفيدين من الصورة وجزء منها، وهو ربما ما يفسّر أن يحيط الوزير نفسه بمسؤولين إداريين، إيجابيّتهم الوحيدة، أنهم على «قدّ الإيد».