التغييريّون: “لا” مقاطعة.. و”لا” لبرّي و”لا” لميقاتي
كتبت ملاك عقيل في “اساس ميديا”:
بعد عشرة أيام من صدور نتائج الانتخابات النيابية تبدو الصورة غامضة تماماً، ولا يزيدها تعقيداً سوى دخول لبنان مدار ثلاثة استحقاقات سياسية هي فعليّاً متحرّرة بالكامل من أيّ ضوابط ومهل دستورية وقانونية:
1- انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس تحكمه مهلة حثّ وليس إسقاط: إذ نصّت المادّة الثانية من النظام الداخلي لمجلس النواب على اجتماع “مجلس النواب بناءً على دعوة أكبر أعضائه سنّاً وبرئاسته لانتخاب هيئة مكتب المجلس في أوّل جلسة يعقدها بعد تجديد انتخابه، في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته”، من دون أيّ نصّ مكمّل ملزم بهذه المهلة. وفي حال لم يتمّ التوافق الذي يطلبه الثنائي الشيعي يمكن لرئيس السنّ، أي برّي، تجاهل هذه المهلة غير المقيّدة ليدخل الاستحقاق النيابي نفق المجهول.
2- في ما يتعلّق بدعوة رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس حكومة: لا رئيس الجمهورية ملزَم بمهلة للدعوة إلى الاستشارات ولا مهلة ملزمة للتكليف ولا مهلة ملزمة لتأليف الحكومة. ولا إمكانية راهناً لتعديل دستوري اقترحه جبران باسيل كي تصبح المهل مقيّدة.
لا تزال العين تتركّز على “الضيوف الجدد” في البرلمان بوصفهم “المُنتَج التغييري” في السنوات الأربع المقبلة
3- لا مهلة دستورية ملزمة لانتخاب رئيس جمهورية حين يتحوّل مجلس النواب إلى هيئة في حالة انعقاد دائم لانتخاب رئيس جمهورية بدءاً من 31 آب. إذا كان هناك رئيس مجلس نواب منتخب من الأعضاء الـ127 أو بقي مجلس النواب من دون رأس، ومع وجود حكومة أصيلة أو حكومة تصرِّف الأعمال أو من دونهما، الأمر سيّان. إذ إنّ انتخاب رئيس جمهورية في حال عدم التوافق السياسي قد يتعطّل بالكامل. آخر الشواهد هو التئام مجلس النواب بعد سنتين ونصف من الفراغ لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
تحليق تاريخيّ للدولار
باختصار لا شيء واضحاً على هذه المسارات الثلاثة في ظلّ واقع مُفجع وخطير تُرجِم أمس حين تخطّى الدولار كلّ السقوف مسجِّلاً رقماً قياسياً تاريخياً بتجاوزه عتبة 34 ألف ليرة وملامسة سعر صفيحة البنزين 600 ألف من دون سماع أيّ نداء استغاثة أو تحذير من الآتي من جانب الحكومة أو قوى التغيير والثورة.
موقف القوى التقليدية من الاستحقاق الأوّل، أي رئاسة مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، معروفة تقريباً. من حزب الله إلى حركة أمل ووليد جنبلاط، وما بينهم التيار الوطني الحر الذي يميل إلى ترك الحرية لنواب تكتله من غير الحزبيين، أمّا النواب من حاملي بطاقات التيار الحزبية فاتخذ القرار بعدم تصويتهم لبري.
لا مقاطعة لا تصويت
بالانتظار لا تزال العين تتركّز على “الضيوف الجدد” في البرلمان بوصفهم “المُنتَج التغييري” في السنوات الأربع المقبلة.
العنوان الأساسي لهؤلاء: لا مقاطعة لجلسات مجلس النواب ولا تصويت لنبيه برّي لولاية سابعة… وأيضاً “لا” كبيرة لنجيب ميقاتي ابن المنظومة. ما عدا ذلك، لا قرار بعد حيال خوض معركة رئاسة المجلس ونائب الرئيس عبر مرشّحين آخرين أو بالأوراق البيضاء، ولا قرار موحّداً حيال تسمية الرئيس المكلّف، ولا قرار حول خطّة “المواجهة السياسية” أو أقلّه موقف موحّد من خطة التعافي المالي كمدخل حتميّ للخروج من نفق الجحيم.
جرادي: لا للنَفَس التعطيليّ
صباح أمس وصل الياس جرادي، نائب دائرة الجنوب الثالثة، إلى مطار بيروت، بعد ثلاثة أيام قضاها في دبي، في مقرّ عيادته. جرادي الذي يُثار الكثير من الغبار حول مواقفه المتمايزة عن باقي “مجموعة الـ14” من قوى التغيير ليس في وارد التخلّي عن “شغفه” الأوّل طبّ وجراحة العيون. إذ التحق في اليوم الثاني لصدور نتائج الانتخابات بمقرّ عيادته في بيروت لاستقبال مرضاه كالمعتاد.
يعترف جرادي لـ”أساس” أنّه لم يحضر حتى الآن أيّ اجتماع مع زملائه النواب الجدد، بسب ضيق الوقت والتزامه بأجندة عمله كطبيب: “لكنّي أنسّق معهم في كلّ شيء، وأتبنّى مواقفهم”.
حتّى الآن لا يُقرأ من خطاب نواب التغيير أيّ مؤشّرات لبرنامج عمل يضع سلاح حزب الله على رأس الأولويّات
يؤكّد جرادي، الذي سجّل خرقاً في مرجعيون عن المقعد الأرثوذكسي، إضافة إلى زميله فراس حمدان عن المقعد الدرزي، أنّ “المسار الحتمي لهذه المجموعة الانضواء ضمن كتلة واحدة. هذا الأمر لا مفرّ منه ونحن نعمل عليه. وفي ما يتعلّق باستحقاق رئاسة مجلس النواب حتماً سيكون لنا رأي واحد”.
ويدعو جرادي إلى أن يكون “الأهمّ إعطاء الأولويّة للشباب في كلّ ما نفعله، وأدرس تقديم اقتراح قانون في هذا السياق، فلا يجوز أن نفكّر في الشباب فقط حين تحضر لغة الدم والمواجهات ونضعهم جانباً في السياسة. ثانياً من الضروري عدم وجود نَفَس تعطيلي “كي لا نفوت بالحيط”. وما حدن منّا جايي ليرفع المتاريس بوجه أحد. ممكن أن يبقى كلّ منّا في موقعه، لكن بشرط التفكير بطريقة صحّ وبنّاءة مع توسيع دائرة التعاون. فكلّ فريق يأتي من خلفية مغايرة، لكنّ الهمّ مشترك. هذا رأي شخصي لا ألزم به أحداً”.
برنامج تشريعيّ
يحدّد نائب بيروت إبراهيم منيمنة خارطة عمل تمهيدية قائلاً: “لا مقاطعة للجلسات ولا تصويت لبرّي، وسنضغط باتجاه عدم تجاوز مهلة الـ15 يوماً للدعوة إلى انتخاب رئيس المجلس”. ويكشف أنّ “اجتماعاتنا مستمرّة لنكون كتلة موحّدة تأخذ قراراً بشأن رئاسة مجلس النواب، وحالياً نحدّد الجوامع المشتركة بيننا، ونعمل على البرنامج التشريعي وتحديد مواقفنا من ملفّات أساسية”.
“أمل”: عقليّة مريضة!
في هذا السياق برز موقف “حركة أمل” أمس عبر مكتبها السياسي الذي أصدر بياناً قال إنّ “البرلمان يُفترض أن يتحوّل إلى ورشة إنقاذ وإصلاحات تقترحها الحكومة المنتظرة، لا أن تكون أفكار البعض، الخارجة على المنطق والواقعية السياسية، ممّن لم يفقه بعد معنى العمل التشريعي والرقابي وآليات الدستور والقانون والنظام الداخلي للمجلس النيابي، محاولة اغتيال من قبل عقليّة مريضة، وتريد إغراق البلد في وحول النكايات”.
تبدو الرسالة موجّهة إلى قوى التغيير التي ذهبت إلى حدّ طرح اسم غير شيعي لرئاسة مجلس النواب، وتتوعّد بحصول انقلاب في إدارة المجلس النيابي في المرحلة المقبلة، وتلوّح للمنظومة بأنّها “ستكون كابوساً لكلّ من يريد تمرير التسويات والصفقات تحت الطاولة”.
مقرّ قيادة “الثورة”
بـ”الإجماع” تمّ رفض عَرض قناة MTV على قوى التغيير الذي حصل مباشرة على الهواء لا، الذي وضع مكاتب محطة آل المر بتصرّف النواب التغييريين، كمقرّ عامّ لاجتماعات “نواب الثورة”، أو الاستعانة بباقة المستشارين الذين قدّمتهم المحطة للنواب. تقول مصادر هؤلاء: “لا نريد أن نُسمّى لا على طرف سياسي ولا وسيلة إعلامية”.
حتّى الآن لا مقرّ رسميّاً بعد للمجموعة، حيث هناك مداورة في أماكن الاجتماع، وبعض الاجتماعات يحصل في المطاعم والمقاهي بحضور الأراغيل أحياناً. “غروب الواتساب” هو اللينك الوحيد الجامع بين أفراد المجموعة حتّى الآن. فثمّة نواب ضمن مجموعة الـ14 لا يعرفون بعضهم أصلاً، فيما هناك آخرون عملوا معاً قبل فترة طويلة من الانتخابات كوضاح صادق ومارك ضو مثلاً. ويؤكّد منيمنة: “لا حساسيّات بيننا، فقط بعض التمايزات، وهذا أمر طبيعي”.
سلاح حزب الله ليس أولويّة
حتّى الآن لا يُقرأ من خطاب نواب التغيير أيّ مؤشّرات لبرنامج عمل يضع سلاح حزب الله على رأس الأولويّات. الجميع تقريباً متّفق على أنّ “الحزب رافعة للمنظومة وليس فقط جزءاً منها، لكنّ المعركة ليست محصورة بسلاح حزب الله وحده الذي يحتاج إلى قرار إقليمي”.
في ما يتعلّق بالتعاون مع نواب آخرين محسوبين على قوى التغيير والثورة أو أحزاب تحمل الشعارات نفسها يقول منيمنة: “ما يمكن أن يجمعنا مع الآخرين هو الموقف السياسي ومشروع مواجهة المنظومة القائمة كنظام طائفي محاصصاتيّ متجذّر. هذا هو المعيار الأساس للتصنيف”، مشيراً مثلاً إلى أنّ القوات “لا تدخل ضمن القائمة بما أنّها اعتمدت مسارات وتسويات سياسية أدّت إلى الواقع الذي نحن فيه اليوم”.