حسين زلغوط
خاص – “رأي سياسي”:
انها قصة “ابريق الزيت”، التي تتكرر فصولها مع كل اشتباك سياسي يدفع فاتورته في النهاية المواطن اللبناني، ولكن هذه المرة استطاعت دولة الجزائر اقتناص الفرصة وتقديم الانعاش للبنان عبر “الصدمة الكهربائية” بعد دخوله “الكوما” بسبب تراشق الاتهامات وتقاذف المسؤوليات بين وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرّباء لبنان كمال حايك الذي يتهمه بأنه لم يرد على سبعة مراسلات والواردة بصفة العاجل جداً، ودخول النائب ندى البستاني على خط الهجوم، برميها الاتهامات على شركات عاملة وَفْقَ الاصول والانظمةِ المرعية، وكتبت على منصّة “أكس”: “ما زال معزبين حالكن وعم تداولونا هاليومين، ياريت بتجاوبوني على فساد معلمكن بالكهرباء يلي قبضت شركتو MEP ملايين الدولارات لتشغيل وصيانة معملي الذوق والجيه وما اشتغلت شغلها والتقارير موجودة وموثقة غير انو عطّلوا المعامل الجديدة. بدل ما تضلكن عم بتبثّوا افتراءات واكاذيب وتحريض ممنهج عبر محطتكن، جاوبوا على السؤال: وين راحوا الـ38 مليون دولار يلي قبضن معلمكن من دون ما ينفذ الأشغال؟ رح ضلني اسأل السؤال بركي بتحسوا بالمسؤولية وبتردوا!”.
النكد السياسي لم يعد حكراً فقط على السياسيين في لبنان، ولكنه وصل الى الموظفين في مؤسسة كهرباء لبنان، فهذه العتمة الشاملة التي وقع فيها لبنان لساعات، كان من الممكن تجنبها لو عقدت ادارة مجلس مؤسسة كهرباء لبنان اجتماعاً للموافقة على اقتراض كمية من الوقود من منشآت النفط لإبقاء المعامل شغالة، ولو جزئياً.
فبعد عودته على “أسلاك شائكة” وبعجل من عطلته الصيفية، وافق حايك على إستعارة خمسة آلاف ليتر ديزل من منشآت الزهراني لتشغيل المرافق الحيوية فقط.
فضيحة تلو الأخرى في هذا الملف، والجواب المعلب جاهز دائماً “ما خلونا”، 6 وزراء طاقة و13 سنة عتمة و40 مليار دولار هدر، والكل ينفض يديه ويغسل رجليه من هذا المستنقع الذي جعل من لبنان اكبر دولة تعيش على الشحادة، وتحديداً شحادة “الفيول اويل” والغاز مرة من العراق واخرى من مصر، واليوم ولأننا في امس الحاجة الى هذه الدول كان العرض الجزائري لتزويد لبنان بالنفط فوراً، وهو قد يكون بمثابة مقايضة هبة الفيول المنشودة مقابل اسقاط الدعوى ضد شركة “سوناطراك”، فلبنان كان قد وعد بـ”هدية كبيرة” لقاء تسوية هذه القضية، بعدما تصاعدت أزمة توريد النفط الجزائري إلى لبنان، على خلفية ما بات يُعرف إعلامياً بقضية “الفيول المغشوش”، التي اشتعلت في نيسان 2020، بعد اتهام الحكومة اللبنانية لشركة سوناطراك الجزائرية ببيعها فيولاً مغشوشاً، نُقل عبر باخرة نقل خاصة بالشركة الجزائرية.
وبينما البلاد تسير بين خطوط النار، هناك من يصر على اللعب بـ”بالتيار”، ولا يتحركون الا بعد وقوع الكارثة، ومن بين الحلول الترقيعية المطروحة لعودة التيار الكهربائي 4 ساعات يوميا، هو انتظار وصول الباخرة “هيلين” القادمة من مصر في 26 الجاري، والمحملة بـ30 ألف طن من مادة “الغاز أويل”، ما سيتيح تشغيل معملَي الزهراني ودير عمار بالقدرة الكافية لإعادة تغذية المواطنين بالكهرباء، على ان يصل مطلع الشهر المقبل 60 ألف طن من الوقود المستبدل بناءً على الاتفاقية مع الجانب العراقي، حيث من المتوقع ان يبدأ تحميل السفن بالفيول ذي التركيز العالي بالكبريت في 24 من شهر آب الجاري في مرفأ البصرة العراقي، لتتم عملية الاستبدال في الأيام اللاحقة، وهذا الامر سيساعد على تشغيل المحركات العكسية في معملي الذوق والجية ورفع قدرة إنتاج الطاقة 200 ميغاواط إضافية على الـ600، وبذلك تكون الطاقة الموضوعة على الشبكة بقدرة تزيد عن 800 ميغاواط.
يبقى الهدر والسرقة العنوان الابرز لهذا الملف، وما زالت المؤامرة مستمرة، وإلا لماذا لبنان أفشل في كل مرة عروض دولية وعربية لانشاء معامل كهرباء حديثة ومن بين هذه العروض مثلا عرض من صندوق التنمية الكويتي لبناء معامل في لبنان، وهو ما رفضته وزارة الطاقة بحجة ان الصندوق يريد الاشراف على التنفيذ، اضافة الى رفض عرضان من دولة قطر لبناء معامل للكهرباء في لبنان وبدون ان تتحمل الدولة الكلفة المالية، كما تم سابقا رفض عرض من ايران، ومن المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل ان تبني شركة سيمنس معامل للبنان بالتقسيط المريح جداً.
ويبدو اخيرا ان الحكومة استفاقت من سباتها العميق بأن احالت رئاسة مجلس الوزراء امس الى هيئة التفتيش المركزي أزمة الكهرباء الى التحقيق الفوري، علما ان النتيجة معروفة سابقا، وهي اما المباشرة بالتحقيق وعدم استكماله، واما وضعه في الأدراج، لأن أزمة الكهرباء في لبنان هي فالج سياسي لا يعالج.