
حسين زلغوط.
خاص رأي سياسي..
كان لافتًا تسريب السفارة الاميركية عدد من الصور التي تُظهر المراحل التي وصلت اليها عمليات بناء المبنى الجديد الفريد من نوعه في المنطقة للسفارة والتي هي بمثابة مقر قيادة عسكرية لمنطقة الشرق الاوسط . هذا الامر بالتاكيد لم يكن من باب الصدفة او لمجرد الدعاية، فالغاية من نشر الصور هذه ايصال رسالة لمن يعنيهم الامر بان واشنطن حاضرة في لبنان بقوة، وان سياستها الدبلوماسية وأجندتها لم تتوقف في هذا البلد، وان محركاتها ستعود الى العمل في كافة الملفات بعد انتهاء فترة السماح التي منحتها لفرنسا لحث اللبنانيين على ايجاد مرشح توافقي ينهي الشغور الرئاسي.
من البديهي القول ان واشنطن اخر ما يهمها الاعلان عما توصلت اليه اعمال البناء في السفارة، ولا تحتاج الى الدعاية، فهي حاضرة وبقوة في الاعلانات على شاشات التلفزة التي تروج لمشاريعها الانمائية والداعمة لأكثر من مؤسسة، وان ما يهمها اولا واخيراً عدم السماح لمرشح “الثنائي الشيعي” ومن يدور في فلكه الوصول الى قصر بعبدا، الا ان التبدل الذي طرأ على موقف المملكة العربية السعودية تجاه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والليونة التي ابدتها بعدم ممانعتها وصوله الى كرسي الرئاسة او على الاقل عدم استخدام اي فيتو عليه، دفعت واشنطن الى التحرك مجدداً للتخريب على اي اتفاق قد يحصل بالسير بمبادرة فرنسا الرئاسية، وانطلاقا من هذا فان البيان الأميركي الذي أصدرته وزارة الخارجية الاميركية الاسبوع الماضي حول الوضع في لبنان لم تكن مهمته فقط توجيه رسالة قوية الى المبادرة الفرنسية حيال الملف الرئاسي اللبناني، بل كان يحمل اشارة تُنبئ بالبدء باعتماد حركة ديبلوماسية أميركية جديدة في لبنان، وان فترة اللهو واللعب في الملف الرئاسي التي استمرت طوال فترة الاشهر الخمسة الماضية من عمر الشغور الرئاسي قد انتهت، وانها من اليوم وصاعداً ستمارس واشنطن عبر سفيرتها واوساطها الدبلوماسية ضغوطاً غير مسبوعة على المعارضة في لبنان للتوصل الى اسم توافقي تمهيداً لإحراج رئيس مجلس النواب نبيه بري ودفعه الى تحديد موعد لجلسة لانتخاب الرئيس.
وهذا يعني انه في الايام المقبلة قد تشهد الساحة اللبنانية نوعا من شد الحبال بين الافرقاء داخلياً وبين الدول المعنية بالملف اللبناني خارجياً، خصوصا وان الادارة الاميركية تدرك جيداً ان “الثنائي الشيعي” لن يقبل باي شكل من الاشكال بوصول رئيس للجمهورية يطعن المقاومة في ظهرها، وهو لن يرضى باعادة تجربة انتخاب ميشال سليمان الذي بدأ عهده بالمعادة الذهبية المتمثلة بالشعب والجيش والمقاومة ، وانتهى بالمعادلة الخشبية، و”اعلان بعبدا”، ما يعني ان نصاب جلسة الانتخاب سيبقى معلقاً الى ما شاء الله.
لا شك ان التحرك الاميركي المستجد في الملف الرئاسي، نابع من قلق واشنطن من امكانية انعكاس التقارب السعودي السوري، والاتفاق السعودي الايراني ايجابياً لصالح فريق الممانعة في لبنان، وقدرتهم على اقتناص الفرصة في ايصال مرشحهم الى الرئاسة، فلذلك بدأت واشنطن بالتلويح مجدداً بالعقوبات وحديثها على ايصال مرشح بعيد عن الفساد، بعدما استشعرت ان الفرنسيين لم يسيروا وفق الخط الذي رسمته لها في الملف الرئاسي، ولم تنجح الاليزية بإستمالة “حزب الله” بالطرق الدبلوماسية وانتزاع ما عجزت الادارة الاميركية على انتزاعه منه بالحرب الاقتصادية التي فرضتها على لبنان والحصار الذي اوصل البلاد على شفير الافلاس، لذلك بدأت بالتدخل للتشويش على المبادرة الرئاسية وسحبها من يد الفرنسيين، والسير بطروحات جديدة بعيدة عن مواصفات الرئيس، والبدء بطرح اسماء جديدة لتولي الرئاسة من بينهم اسم جهاد ازعور الذي يتكرر في اكثر من مناسبة ولقاء بين السفيرة الاميركية والمسؤولين اللبنانيين.
كما ان زخم التحرك الاميركي في إنضاج الملف الرئاسي نابع ايضا من تخوفها ممن سيخلف رياض سلامة بعد انتهاء ولايته كحاكم لمصرف لبنان، فهي لن تقبل بتولي النائب الأول للحاكم وسيم منصوري المسؤولية بانتظار انتخاب رئيس للجمهوية، فلذلك تحض على انتخاب رئيس قبل حزيران كي يتسنى تعيين حاكم جديد للمركزي في ظل عدم امكانية حكومة تصريف الاعمال تعين الحاكم وتأكيد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي انه لن يسمح بالتمديد لسلامة يوماً واحداً بعد انتهاء ولايته، وهذا ما يطرح السؤال : هل سيكون في قدرة واشنطن من خلال عملية التشويش التي بدأت بها ان تفرمل الاستحقاق الرئاسي والاطاحة بالايجابيات التي بدات تطفو على المشهد الرئاسي ، ام ان المتغيرات التي تحصل في المنطقة ستكون هي الاقوى. اسابيع قليلة ويتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود حول هذا الامر.