أبرزرأي

هل سيعيد إيلون ماسك تشكيل الفضاء الاجتماعي؟

كتب ليون برخو ، لا غرو أن نصبح بمنزلة “أسرى” لرجل ذكي، حاذق جمع ثروة شخصية مهولة لا نظير لها في عالم اليوم. وضعت مفردة “أسرى” بين علامتي تنصيص للاستدلال أن المعنى مجازي، لكن رغم ذلك، شخصيا أشعر بأنني حقا وقعت في الشباك التي نصبها لي إيلون ماسك.
كان الرجل، وقبل استحواذه على المنصة رقم واحد للتغريدات في العالم، أشهر من نار على علم. مهما كان رأينا في ماسك، فهو شخصية مؤثرة على مستوى العالم. حتى قبل أن يحط العصفور الأزرق على راحتيه، كان لأقوال ماسك وتصريحاته في شتى مناحي الحياة وقع كبير. هل لاحظت عزيزي القارئ كيف يتهافت الإعلام ـ وهنا أشير إلى الإعلام الرئيس في دول عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ـ لتغطية أقواله وتصريحاته.
يحضرني هنا تصريح له يضع فيه خريطة عمل لإنهاء الحرب الطاحنة والمدمرة التي تجري رحاها في أوروبا حاليا. لأيام عديدة، غادر الإعلام كل حدث وركز على ما تخبئه جعبة ماسك من حل لحرب مستعصية يمسك فيها عمالقة السلاح من الغربيين بخناق بعضهم بعضها.
في مقال لصحيفة “ذي جاردين” البريطانية ذائعة الصيت، لم يكن هناك من المديح لماسك غير كونه صاحب أضخم ثروة في العالم، وأنه رجل ذو باع في جمع المال. عداه، كانت هناك توصيفات غير حميدة بحقه، إلى درجة أن الصحيفة وفي عنوان بارز كتبت أنه صاحب “عقل بايخ” vapid mind. لكن نتساءل في أي مرحلة من التاريخ، خصوصا بعد أن سادت الرأسمالية، كان العقل هو الحكم وليس المال؟
لم تتضخم ثروة ماسك بعد إضافة “تويتر” إلى ممتلكاته. الأرقام تشير إلى أن ثروته قبل وبعد شراء “تويتر” ما زالت في حدود 210 مليارات دولار. وكذلك لم يحدث أي تغيير في مجموع متابعيه على “تويتر” البالغ عددهم 112 مليون شخص.
فكيف ولماذا فجأة يصبح ماسك صاحب “عقل بايخ” و”رجل غير جدي” يعبث “بأفكار خطيرة”؟ وهذه العبارات غير المحببة ليست إلا غيض من فيض لما يرد من توصيفات سلبية صارت تسكها الصحافة الليبرالية في الغرب عند الحديث عن ماسك، بعد أن أصبح صاحب الشأن في تقرير مصير موقع التواصل الاجتماعي الأمريكي المؤثر والمستأثر بخدمة التدوين المصغر. والسؤال الذي يراود لا بل يؤرق كثيرا من الباحثين هو لماذا كل هذه الجلبة حول صفقة شراء تويتر؟ هل كان ماسك يصبح حديث الساعة لو أنه كان قد اشترى شركة أخرى حتى بسعر أعلى من الـ44 مليار دولار التي دفعها للاستحواذ على “تويتر”؟
ومنذ أن أكمل ماسك الصفقة قبل نحو أسبوعين، لا يمر يوم إلا والصحافة العالمية لها خبر، أو تقرير، أو مقال رأي حول تويتر ودوره في صياغة فضاء الخطاب العام. وما أثار انتباهي كان وصف بعض الصحف الغربية لتويتر بلعبة أو دمية، وهذان الوصفان، حسب علمي، لم يرد ذكرهما سابقا في التغطية الإعلامية للعصفور الأزرق. والأنكى، نشرت بعض الصحف ما يرقى إلى إنذار لما قد يقع من أمور لا يحمد عقباها إن ترك “هذا الرجل الخطير” يعبث “بهذه الدمية الخطيرة”.
وفي رأيي، فإن ماسك لم يقصر في منح الفرصة للجبهة الليبرالية العريضة من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بصورة عامة، لكي ينهالوا عليه نقدا، وهم يبثون الخوف في الصفوف لما يخبئه من مفاجآت وهو يمسك بواحدة من أكثر وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرا في تشكيل الرأي العام والفضاء الاجتماعي للخطاب.
منذ توقيعه لصفقة شراء “تويتر” وماسك لم يكل عن مفاجأتنا وهو يسير في خطين متقابلين من العسر اللقاء بينهما: الأول، جعل “تويتر” تدر سمنا وعسلا. لا يشك اثنان في أن ماسك بارع في تكوين الثروة وتكديسها وتحويل مؤسسات مترنحة إلى شركات رابحة. لن يهدأ بال ماسك ولن يستقر به المقام إلا ويحصل على الكثير مقابل المال الوفير الذي دفعه لشراء “تويتر”.
ثانيا، “وهذه النقطة من الأهمية في مكان”، محاولة ماسك المكشوفة في الأسبوعين الماضيين للهيمنة على الفضاء الاجتماعي للخطاب. فعكس التوقعات، لم يتمكن ماسك من الوقوف على الحياد في خضم الانقسام والتحزب الذي تعيشه الولايات المتحدة. لم يتمالك ماسك أعصابه، بل أوضح بشكل لا يقبل اللبس أنه يقف في صف الجمهوريين قبل أن يدلي الأمريكيون بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي.
اصطفاف ماسك مع صف اليمين المتمثل بالجمهوريين في الولايات المتحدة ليس أمرا غريبا في إطار الإعلام التقليدي. هذا ما تفعله الصحف الكبيرة مثلا قبل الانتخابات الرئاسية، حيث تبدي هيئة التحرير في مقال افتتاحي وقوفها إلى جانب أحد المرشحين.
في حالة ماسك، هناك فرق كبير. الممولون في الغالب ـ وهذا أمر تعده الصحافة الغربية بمنزلة مفخرة ـ ينأون بأنفسهم عن السياسية التحريرية للوسائل التي يستثمرون فيها أو يملكونها. وماسك ليس ممولا فحسب. لقد أظهر أنه يلعب دورين، دور المالك ودور رئيس التحرير لوسيلة تواصل اجتماعي لا يمكن في عالم اليوم الاستغناء عنها وعن خطابها الذي صار يشكل مادة رئيسة لوسائل الإعلام الرئيسة في العالم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى