
تيريز القسيس صعب.
خاص رأي سياسي …
شكلت زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى سوريا ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد ووزير الخارجية فيصل المقداد، نقطة تحول جديدة في اعادة العلاقات الثنائية السعودية-السورية والتي انقطعت منذ العام ٢٠١١ بسبب اندلاع الحرب في سوريا.
وقد شغلت زيارة اول مسؤول سعودي رفيع المستوى إلى دمشق الاوساط الديبلوماسية العربية والغربية لما قد تحمله من نتائج وقرارات قد تترك آثارا لها ليس فقط في الداخل السوري، إنما ايضا على مستوى المنطقة بشكل عام.
فاللاعبون الدوليون على الساحة السورية كثر، والمستفيدون من استمرار التجاذبات والنزاعات في المنطقة دول متعددة، وجهات مختلفة لها مصالحها واهدافها في الشرق الاوسط. فقسم منها يسعى إلى إبقاء التوترات والصراعات مستمرة إلى حين الوصول إلى اهدافها ونواياها المخباة، فيما قسم آخر يحاول نزع فتيل الحرب والتجاذبات المدمرة، ولو كان الثمن باهظا ومكلفا.
بعد الاتفاق السعودي- الايراني، انطلقت الجهود الديبلوماسية بوتيرة عالية، وبدأت تتكشف يوما بعد يوم الأوراق المستورة، فأديرت محركات التفاوض السري والمكشوف، وانقشعت الصورة اكثر وبدأ التنفيذ والتحضير، ليتبين لاحقا ان ما كتب في الغرف السرية بات حقيقة وواقعية.
الاندفاعة السعودية في ترتيب البيت العربي الداخلي لم تكن ظاهرة ومتوقعة على الاطلاق، خصوصا وان خريطة الطريق العربية التي تحاول المملكة السير بها اليوم ليست معبدة وسهلة، بل تواجهها تحديات وتحذيرات اقليمية ودولية كبيرة.
ويعتقد المتابعون ان زيارة بن فرحان الى سوريا كسرت عزلتها العربية، واخرجتها من القعر الذي وقعت فيه، ولو ان التباينات على استرجاع دورها ومقعدها بين الاسرة العربية ما زال قائما حتى الساعة.
وذكرت معلومات سياسية متابعة ل”رأي سياسي”، ان زيارة الوزير السعودي تندرج في إطار المساعي والجهود الديبلوماسية التي تقودها السعودية بعد الاتفاق السعودي الايراني لتصفير كل النزاعات والتجاذبات القائمة في الاقليم وفي المنطقة من باب حرص المملكة على إلانطلاق بزخم عربي قوي لانجاح الرؤية التوحيدية المتساوية التي تطمح اليها كل الشعوب العربية، واحترام سيادة الدول وامنها واستقرارها.
واشارت إلى أن السعودية، متسلحة بالتوافق مع طهران، وتسعى الى لعب دور متميز في لم الشمل وتدعيم الوحدة العربية، وهي تحاول جاهدة ترتيب البيت الداخلي قبل موعد استحقاق القمة المرتقبة في الرياض في ١٩ من الشهر المقبل، حيث تريدها ان تكون قمة المصالحة العربية.
الا ان ما يتبين ان بن فرحان عرض على الأسد ورقة حل سياسية واقتصادية شاملة تنهي الصراع الدائر على الأرض السورية، وتعيدها إلى الجامعة العربية باجماع عربي بعيدا عن الانقسامات والتباينات.
يذكر ان البيان الذي صدر عن الخارجية السعودية أشار إلى ان “الجانبان بحثا في الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.
الغرب يترقب
هذه التحولات السياسية السريعة لا المتسرعة، جعلت الكثير من الدول الاجنبية لاسيما الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الأوروبي تترقب وتتابع بشكل دقيق وحثيث لكل الأحداث والمتغيرات.
وفي هذا الاطار نشطت حركة تبادل البرقيات الديبلوماسية بين دول القرار، لاستمزاج الاراء والوقوف عند آخر المستجدات.
وقد تضمنت احدى البرقيات الديبلوماسية الغربية الموجهة الى مرجع دولي “ان الاتفاق السعودي الايراني شكل نقطة تحول في الصراعات القائمة في منطقة الشرق الاوسط، وساهم في تغيير كل المعادلات والجهود الدولية المبذولة ان لناحية الانفتاح الخليجي وتحديدا السعودي على ايران ودمشق وغيرها من الدول التي تشهد صراعات اقليمية حادة لاعتبارات سياسية وانسانية، او لناحية تحضير أرضية عربية موحدة لمواجهة التسويات الشاملة. كما خلق اتفاق طهران الرياض ديناميكية لافتة لم تشهدها المنطقة منذ فترة.”
البرقية لم تتطرق اطلاقا إلى خطوات او تحركات غربية تقابل الحراك السعودي، لكنها ابدت تشجيعا وتاييدا لمسار الاتصالات الدولية والعربية الجارية حاليا، مشددة على أن الجهود المبذولة ستخفف من التوترات والنزاعات في الشرق الاوسط كما ستنعكس على الملفات الدولية العالقة لاسيما ملف الاتفاق النووي الايراني.
وفي الاطار عينه علق مرجع ديبلوماسي عربي في العاصمة الفرنسية في اتصال مع “راي سياسي” على ما يحصل حاليا من تحركات من وإلى السعودية بالقول”ان الاتصالات المتقدمة التي تجريها السعودية حاليا خطوة متقدمة جدا في إزالة كل العقبات التي تعترض طرق الحل في الشرق الاوسط، لكنها غير كافية وتستلزم مزيدا من الجهود الجبّارة لتحقيق ما تطمح اليه المنطقة من استقرار وسلام.
وقال كل ما نشهده لن تتظهر نتائجه ما لم نشاهد لقاءا ثنائيا بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في السعودية. هذا اللقاء بات قريبا جدا، ويتم التحضير له في الكواليس الديبلوماسية لانجاحه ولترجمة نتائجه على ارض الواقع.”