رأي

هل النصر فعلا في متناول أوكرانيا؟

الرئيس ترمب قدم مساهمة فكرية ضخمة حول مستقبل أوكرانيا وأوروبا وتصريحاته هزت روسيا

كتب سام كيلي, في اندبندنت عربية:

تصريحات ترمب المفاجئة حول قدرة أوكرانيا على الانتصار غيرت مسار النقاش الدولي، فأنعشت آمال كييف وحلفائها، وأربكت روسيا، في وقت تتصاعد فيه الحرب التكنولوجية وتزداد الخسائر البشرية دون حسم واضح لأي طرف.

أدلى الرئيس دونالد ترمب برأي فريد ومفاجئ حول كل من مستقبل أوكرانيا ومستقبل الدفاع في أوروبا، إذ غير مسار النقاش من افتراض أن كييف يجب أن تتفاوض أو تستسلم، إلى اعتقاد أن أوكرانيا قادرة على هزيمة الجيش الروسي.

هذا التحول اللافت تحتضنه أوروبا بـ”حماس” بالقوة ذاتها التي كانت واضحة في محاولتها تجاهل موقفه السابق حين أعرب ترمب عن تأييده لبوتين في حرب أوكرانيا، أو حتى عندما هدد باجتياح الدنمارك وكندا.

ترمب معروف بتصريحاته المتنوعة، وكثير منها – مثل انتقاده لبريطانيا بعدما استقبله ملكها بحفاوة – يتم تجاهله من قبل الحكومات التي تسعى إلى لحفاظ على علاقة متوازنة معه، أو في الأقل عدم دفعه نحو مواقف أكثر تطرفاً.

لكن وبعد لقائه مع فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، نشر الرئيس ترمب على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي: “… بعد الاطلاع على المشكلات الاقتصادية التي تتسبب فيها [الحرب] لروسيا، أعتقد أن أوكرانيا، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، في وضع يسمح لها بالقتال واستعادة كل اراضي أوكرانيا التي تم احتلالها… بوتين وروسيا يواجهان أزمة اقتصادية كبيرة، وهذا هو الوقت المناسب لأوكرانيا للتحرك”.

تغير موقف ترمب تجاه روسيا بين اليأس وتكتيك التفاوض
لكن الرئيس ترمب لم يتعهد مساعدة الأوكرانيين من أجل تحقيق ذلك، لكن تصريحاته غيرت مجرى النقاش بين حلفاء أوكرانيا برمته، ونقلتهم من حال اليأس إلى فكرة الانتصار الكامل.

لم يعبر أي زعيم غربي آخر بهذه الصراحة عن رغبته في رؤية روسيا مهزومة في أوكرانيا.

على مدار الأشهر الستة الماضية، كان التركيز منصباً على كيفية دفع أوكرانيا لقبول وقف إطلاق نار، يتضمن خسارة نحو خُمس أراضيها مقابل سلام تضمنه وعود غربية عسكرية (ضعيفة نسبياً).

وبالفعل التقطت أوروبا الفرصة وتحركت مسرعة لترسيخ كلام ترمب المرتجل، وتحويله إلى سياسة أوسع نطاقاً.

وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول لإذاعة “دويتشلاندفانك” Deutschlandfunk الألمانية “بإمكاننا تحقيق أكثر بكثير، ليس كل الدول الأوروبية أوفت بوعودها التي كانت التزمتها لأوكرانيا منذ وقت طويل. علينا أن ننظر إلى الخيارات المالية والعسكرية الأخرى المتوافرة والمتاحة لنا”.

روسيا شعرت بالانزعاج. فقد أصدر الكرملين بياناً رد فيه على تصريح ترمب الذي لمح إلى إمكان انتصار أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، “كما يبدو لنا، فقد جاءت تصريحات الرئيس ترمب بعد لقائه زيلينسكي، ويبدو أنها تأثرت برؤية طرحها زيلينسكي. هذه الرؤية تتعارض بصورة كبيرة مع فهمنا للواقع الحالي”.

وأضاف “تشجيع أوكرانيا بكل الطرق الممكنة على مواصلة القتال، والقول إنها يمكن أن تستعيد شيئاً ما، هو في نظرنا طرح خاطئ. فالوضع على الجبهات يتحدث عن نفسه”.

نعم، أوكرانيا لا تحقق انتصاراً، وروسيا أيضاً. إن الحرب وصلت إلى طريق دموي مسدود. لقد حلت حرب الطائرات المسيرة مكان حرب الخنادق السابقة، بينما تتصارع مجموعات صغيرة من المشاة في مناطق مدمرة تماماً من أجل البقاء وتتم مطاردتهم من قبل طائرات مسيرة صغيرة بحجم الطيور.

ووصف زيلينسكي هذا الواقع القاتم بأنه “سباق التسلح الأكثر تدميراً في تاريخ البشرية”، لأنه قريباً، ومع دمج الذكاء الاصطناعي في تكنولوجيا الطائرات المسيرة، ستنتشر ما يعرف بـ”المناطق الميتة” التي نراها اليوم على الجبهة الأوكرانية في كل أنحاء العالم.

وأضاف “قبل 10 سنوات، كانت الحرب تبدو مختلفة، ولم يكن أحد يتخيل أن طائرات مسيرة زهيدة الثمن يمكن أن تخلق مناطق ميتة تمتد لعشرات الكيلومترات، لا تتحرك فيها مركبة ولا يعيش فيها أحد. كان الناس يظنون أن هذا يحدث فقط بعد ضربة نووية. الآن أصبح واقعاً بفعل الطائرات المسيرة”.

ودعا زيلينسكي إلى العمل من أجل فرض رقابة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة، ولكن في الوقت الحالي، فإنه يخوض حرباً – حرباً يقول الرئيس الأميركي إن كييف يمكن أن تنتصر فيها بالفعل.

لقد أظهرت أوكرانيا في هجماتها في صيف وخريف العام 2022 إنها قادرة، ومن خلال استخدام تكتيكات المناورة السريعة، على زعزعة هياكل القيادة والتحكم للجيش الروسي وتدمير خطوط قواته. ومنذ ذلك الحين، وسعت أوكرانيا عملياتها نحو العمق الروسي نفسه، واستهدفت بصورة خاصة بنية إنتاج النفط التحتية الروسية وخطوط نقله.

وأدى ذلك إلى انخفاض في قدرات روسيا على التكرير بنسبة 17 في المئة، إذ أصيب أكثر من 12 موقعاً لإنتاج الوقود في هجمات مباشرة، مما تسبب في خسارة نحو 1.1 مليون برميل من إنتاج روسيا اليومي.

في المقابل، فإن التقدم الروسي البطيء على الجبهة الشرقية جاء بكلفة بشرية هائلة. فبحسب تقديرات الاستخبارات البريطانية، فقد بوتين هذا العام وحده نحو 236 ألفاً ما بين قتيل وجريح – وأكثر من مليون منذ عام 2022. كما أعلنت بريطانيا أن خسائر روسيا في يونيو (حزيران) بلغت 32 ألف جندي (ما بين قتيل وجريح) وذلك في ساحات القتال فقط.

هذه الأرقام تبقى تقديرات مدروسة، لكن على الأرض، كثير من الجنود الأوكرانيين تحدثوا عن حجم الخسائر البشرية الهائل الذي تتكبده القوات الروسية أثناء محاولاتها التقدم، مقابل مكاسب ضئيلة من الأراضي.

في الوقت نفسه أصبحت أوكرانيا الآن في صدارة دول العالم في إنتاج الطائرات المسيرة، وتصنع بنفسها صواريخ كروز بعيدة المدى فعالة للغاية. وقد انتصرت في معركة البحر الأسود، مما أجبر السفن الروسية على الاحتماء داخل موانئها.

لكن خسائر كييف كانت أيضاً كبيرة وظاهرة التهرب من التجنيد تتزايد. أما على جبهات القتال فيتحدث الجنود الأوكرانيون عن حتمية التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع مع روسيا، تحتفظ من خلاله موسكو بسيطرتها على معظم مناطق البلاد الشرقية التي احتلتها.

تصريحات ترمب الأخيرة ستكون بمثابة دفعة معنوية للأوكرانيين. كييف وحلفاؤها الأوروبيون، بما في ذلك المملكة المتحدة، سيحاولون تحويل رؤية ترمب الجديدة للصراع إلى دعم عسكري ملموس، على غرار ما كانت تقدمه الولايات المتحدة قبل أن يوقفه الرئيس الحالي بعد توليه المنصب خلفاً لجو بايدن.

أوروبا هي الداعم العسكري الرئيس لأوكرانيا. أعضاء الناتو يشترون الأسلحة من أميركا لمصلحة كييف، لكن هذا الوضع قد يتغير. فإذا عادت الولايات المتحدة إلى موقفها السابق، وبدأت في تقديم الدعم العسكري المباشر، خصوصاً الصواريخ بعيدة المدى والدروع القادرة على مقاومة هجمات الطائرات المسيرة، فقد تتمكن أوكرانيا من استعادة زمام المبادرة.

الجيش الروسي يعاني تراجعاً في الروح المعنوية. صحيح أنه حسن من هيكل القيادة لديه، وواكب بعض التطورات في تكنولوجيا الطائرات المسيرة التي فرضتها الحرب، لكن خطوطه الأمامية مليئة بجنود جائعين يفتقرون إلى التدريب، يقودهم ضباط يتمركزون في الخلف، مستعدون لإطلاق النار على جنودهم إذا تراجعوا.

عسكرياً، سيكون من السهل إلى حد ما كسر شوكة الجيش الروسي في أوكرانيا وهزيمة قواته – تماماً كما فعلت أوكرانيا في أواخر عام 2022.

وعلى رغم أنه ربما لم يقصد ذلك، فإن ترمب، بمجرد إشارته إلى أن النصر ممكن، قد وضع أوكرانيا على طريق الانتصار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى