رأي

“نيويورك تايمز”: انقلاب الصدر الهادئ يؤشر إلى بداية النهاية للنظام السياسي المدعوم أمريكياً في العراق

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته أليسا جي روبن وإميلي راين أشارتا فيه إلى الصراع المتزايد على السلطة في العراق بشكل يهدد بمزيد من العنف حيث فشل ساسة البلاد على مدى الشهور العشرة الأخيرة في تشكيل حكومة في وقت ينزلق فيه بلدهم عميقاً نحو الشلل السياسي ويعاني من الجفاف والفساد والبنى التحتية المتداعية. وفي حزيران/يونيو انهارت المحادثات لتشكيل الحكومة وتحولت المعركة على الحكومة إلى صراع على السلطة يحاول فيه كل طرف أن تكون له السيادة فيه.

رغم الجهود الأمريكية لإعادة تشكيل مركز السلطة الشيعية وجعله ميالاً للغرب أكثر من إيران، فإن الصدر ومنافسيه من السياسيين الشيعة يفضلون نظاماً سياسياً يضفي السلطة على رجال الدين على نفس الطريقة الإيرانية.

وخرج الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من المفاوضات ثم حث أتباعه على الخروج إلى الشوارع للحصول على ما يريدون، وهو ما فعلوه، حيث اعتصموا أمام البرلمان لمنع تشكيل أي حكومة. وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الصدر إلى لغة التهديد بالعنف للحصول على ما يريد سياسياً. فقد قاد ثورة مسلحة ضد الأمريكيين في الفترة ما بين 2003 – 2009، ويقول الأمريكيون إنهم يخشون الآن من غرق البلاد في مزيد من العنف وعدم الاستقرار. والأكثر إثارة للقلق، فرغم الجهود الأمريكية لإعادة تشكيل مركز السلطة الشيعية وجعله ميالاً للغرب أكثر من إيران، فإن الصدر ومنافسيه من السياسيين الشيعة يفضلون نظاماً سياسياً يضفي السلطة على رجال الدين على نفس الطريقة الإيرانية.

ونقلت الصحيفة عن الدبلوماسي الأمريكي السابق في العراق، روبرت فورد “نحن نشاهد بداية النهاية للنظام السياسي الذي دعمته أمريكا في العراق”. وعانى العراق على مر العقود من أزمة إلى أخرى بدون أي توقف. وبعد الغزو الأمريكي عام 2003، شهدت البلاد حرباً أهلية وبعد ذلك سيطرة تنظيم “الدولة “على أجزاء واسعة من العراق. وظل البلد رغم ما يملكه من احتياط هائلة من النفط غارقاً في الفوضى السياسية واقتصاد راكد عرض الشبان العاطلين عن العمل لأثر الجماعات المتطرفة وأثار مخاوف المستثمرين الأجانب من الاستثمار فيه. وفي نفس الوقت، طبّعت فيه دول خليجية، بقيادة الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع إسرائيل لكي تصبح قاعدة الجذب في المنطقة.

ومع هذا بدأت رؤية أمريكا لمستقبل العراق بالتلاشي شيئًا فشيئًا. وعندما غزت القوات الامريكية في عهد جورج دبليو بوش العراق عام 2003 شجعت واشنطن القادة السياسيين على إقامة نظام تمثيلي متساوٍ بين طوائفه الرئيسية، الشيعة والسنة والأكراد. وقال فورد الذي يعمل حالياً في ييل وزميلاً في معهد الشرق الأوسط “كان الأمريكيون يأملون على ما يبدو بتحالفات عابرة للطوائف وتحالفات تقوم على السياسات بين الفصائل السياسية إلا أن الطائفية والخلافات الإثنية انتصرت” و “بدلاً من ذلك فنحن نشاهد هذا الشجار بين وفي داخل الطوائف والإثنيات حول كيفية توزيع موارد النفط”.

وتعتمد ميزانية الحكومة العراقية بنسبة 85% على موارد النفط، وذلك حسب البنك الدولي. وفي ظل النظام السياسي الحالي، فكل فصيل سياسي في البرلمان يحصل على واحدة من وزارات الحكومة، وتحصل معها على الوظائف التي تعطيها لأنصارها وفرصة اقتطاع الأموال والعمولات التي تذهب للجيوب. وفي الوقت الذي ركز فيه الساسة على مصالحهم الخاصة لا المصلحة الوطنية، وجدت إيران سهولة في إقناع القادة السنة والأكراد والشيعة لدعم سياساتها التي تهتم بها أكثر، مثل نقل الأسلحة عبر الحدود وحركة الناس والبضائع. وفي الأزمة الحالية يواجه الصدر وأتباعه تحالفاً من الأحزاب الشيعية والميليشيات التي ترتبط بإيران في معركة مُرة على السلطة.

وبدت حكومة تصريف الأعمال، الخائفة من العنف، مترددة في عرقلة حصار الصدر للبرلمان، بشكل سمح له بوضع البلاد رهينة لمطالبه التي يدعو فيها إلى حل البرلمان وانتخابات جديدة وتغيير القانون الانتخابي وربما الدستور. إلا أن مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء دعا كل الأطراف إلى قصر الحكومة للعثور على مخرج للأزمة. ويرى السياسي الكردي وعضو البرلمان السابق، محمود عثمان في حصار أتباع الصدر للبرلمان أنه “يبدو كانقلاب هادئ وثورة سلمية … وأقول سلمية لأن أتباعه لا يحملون السلاح، فالصدر أقوى من السلاح وهو أقوى رجل في الشارع ويفرض إرادته على الآخرين”. ولم يحدث عنف حتى الآن. وتقيم أعداد من الصدريين في مخيم بالمناوبة، حيث يتجولون ويستمعون لخطابات الزعيم الشيعي التي يشجب فيها فساد الحكومة، ويتناولون الشاورما والعنب والبطيخ الذي يتبرع به المتعاطفون مع الحركة. ويرتاحون في خيامهم هرباً من حرب اليوم بانتظار التحرك المقبل من الصدر عبر موقع “تويتر”، وسيلته المفضلة للتواصل. ويظل النزاع الحالي بين الأطراف الشيعية حيث وقف السنة والأكراد في وضع المتفرجين.

آخر ما تريده طهران هو اقتتال الشيعة فيما بينهم بشكل يضعف سيطرتهم على السلطة، مما سيقود إلى التأثير على دورها في العراق.

ويشعر الكثير من السنة بالحرمان وانه لن يكون لهم دور في مستقبل العراق. ويتساءل البعض إن كان من الأفضل تقسيم العراق ومنح السنة منطقة حكم ذاتي. ويقول مؤيد جبير المحمود، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأنبار “للأسف، لا أرى مستقبلاً آمناً ومزدهراً لبلدي”، ووصف العراق بالبلد الفاشل الذي تسيطر عليه الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، ونحن قلقون من انتقال السيطرة على الدولة من الميليشيات لسيطرة الصدر”. والتزمت الولايات المتحدة ودول الجوار بالصمت إزاء الفوضى في العراق. وإيران هي الوحيدة التي حاولت التدخل مع معارضي الصدر الشيعة وشجعت على الحوار، مع أن الصدر تبنى في السنوات الأخيرة موقفاً معادياً من إيران.

وآخر ما تريده طهران هو اقتتال الشيعة فيما بينهم بشكل يضعف سيطرتهم على السلطة، مما سيقود إلى التأثير على دورها في العراق. وتتوافق مواقف الصدر السياسية مع معارضيه الشيعة، فكلا الطرفين يريدان خروج القوات الأمريكية، وعددهم 2.500 جندي من العراق ويعارضان التطبيع مع إسرائيل وهما مع تجريم المثليين. وليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الصدر للتظاهرات العارمة، إلا أنه هذه المرة يستخدم الشارع لإجبار البلد على تجاهل نتائج انتخابات تشرين الأول/أكتوبر وعقد انتخابات جديدة تعيد نوابه إلى البرلمان. وحقق الصدر في الإنتخابات السابقة نتائج جيدة وبنى تحالفا دعمه السنة والأكراد. وكانت الخطوة المقبلة هي الحصول على موافقة البرلمان، إلا أن عدداً من منافسي الصدر رفضوا حضور جلسات البرلمان لكي يحصل على النصاب القانوني. ولشعوره بالإحباط طلب من نوابه الاستقالة احتجاجاً. ومنح خروجه من البرلمان الأحزاب الشيعية التي حصلت على مقاعدة قليلة الفرصة لملء الفراغ الذي تركه نواب الصدر وحصلوا على الوزارات والحكومات التي تركوها. ورد بالدعوة لمحاصرة البرلمان ومنع المصادقة على الحكومة الجديدة.

وقالت رند الرحيم، سفيرة العراق السابقة في الولايات المتحدة “ولهذا عندما قرر الصدر أن الإجراءات الديمقراطية لن تتحقق فكان رده الثورة”. وقالت الصحيفة إن المزاج العام في مخيم الاعتصام شيعي حيث تم فيه الاحتفال في الأسبوع الماضي بعاشوراء.

وفي خارج مخيم الاعتصام هناك إشارات عن دعم للصدر، حيث تبرع الفقراء بجزء مما لديهم لشراء وجبات طعام وتبرعت شركة مياه بما يكفي لملء خزان المياه في المخيم. وأرسلت الأسواق في مدينة الصدر الفقيرة صناديق من الطماطم والتمر والعنب والتفاح. وللتغلب على درجات الحرارة العالية نصب المعتصمون مروحة هوائية كبيرة أو مبرداً ربط بالتيار الكهربائي في البرلمان. وقال فائز قاسم، المنظم المتحمس للصدر “هذه أول مرة نحصل فيها على تيار كهربائي مدة 24 ساعة في اليوم” وبدون انقطاع.

وأعد أنصار الصدر في الجنوب وجبات طعام من الأرز والدجاج. وعادة ما حشد رجال الدين المعتصمين، لا نساء بينهم، بهتافات ضد الطبقة الحاكمة مثل: الكثيرون عانوا من الذين يعيشون هنا في المستنقع. وصعدوا للسلطة على ظهور الأبرياء وعانى العراق بسببهم. وهناك الكثيرون الذين يمدون أيديهم متسولين ويبحثون في النفايات. يقول الصدر إن أمريكا وإسرائيل تملكان المال والسلاح، ولكن نحن ماذا نملك؟ الله سبحانه وتعالى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى