نيويورك تايمز: الاقتصادي المصري هدهود كان يحقق في قضايا فساد وأدلة تشير إلى تعرضه للضرب والحرق على وجهه
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فيفيان يي وديفيد كيركباتريك، قالا فيه إن صور الاقتصادي المصري أيمن هدهود الذي توفي أثناء احتجاز قوات الأمن له، تثير أسئلة حول تعرضه للانتهاكات. وأشارا إلى أن هدهود الذي عرف بكونه اقتصاديا ليبراليا وناقدا للحكومة كان يقوم بالبحث في الفساد قبل اختفائه بظروف غامضة.
وتساءلا إن كان بحثه في موضوعات حساسة مثل دور الجيش في الاقتصاد تسبب بوفاته الغامضة. ولطالما انتقد الحكومة وسياساتها الاقتصادية على صفحته في فيسبوك. وبعد اختفائه بشهر مات بظروف غامضة وهو في السجن. لكن المسؤولين لم يخبروا عائلته إلا بعد شهر من وفاته في 5 آذار/ نيسان وزعموا أنه مات بظروف طبيعية، حيث حللوا أنفسهم من المسؤولية أو ارتكاب أخطاء.
لكن شقيقه عمر الذي نقل جثته من المشرحة يقول: “هذه أكاذيب” وأنه شاهد علامات انتهاك. و”من الواضح أن رأسه كُسر، وإلا فلماذا يخفونه؟”.
وتقول الصحيفة إن الصور لجثته التي التقطت في مستشفى الأمراض النفسية في القاهرة وحصلت عليها الصحيفة، تظهر جروحا في الجزء الأعلى من جسده، فيما يراها خبراء الطب الشرعي أنها ناجمة عن صدمة قوية حادة بالإضافة إلى جروح في وجهه ويده. وعلق عمر هدهود أن جمجمة شقيقه بدت مهشمة.
ونقلت الصحيفة عن شخص آخر شاهد الجثة في المشرحة، وكان شاهدا على التقاط الصور، قوله إنه شاهد جراحا واضحة وبقعا من الجلد متغيرة اللون ونقاطا حمراء- بنية حول وجه هدهود ورأسه. وطلب الشخص عدم الكشف عن هويتة خشية تعرضه لملاحقة الأمن.
وتعلق الصحيفة أن الصور أثارت الشكوك حول تعرض هدهود (48 عاما) للتعذيب والانتهاك قبل وفاته. وتطالب عائلته ومنظمات حقوق الإنسان بتحقيق كامل ومستقل في ظروف اختفائه ووفاته. وقالت وزارة الداخلية المصرية التي لم تعترف أبدا بارتكاب أخطاء في حالات كهذه، إن التحقيق السريع الذي أجرته بظروف الوفاة، أثبت بشكل قاطع أنه مات بسبب “انخفاض حاد في الدورة الدموية ونوبة قلبية“، وربما إصابة بكوفيد-19، وأنها لا تتحمل المسؤولية.
ورفضت الحكومة التعليق أبعد من مما قالته وزارة الداخلية والمدعي العام. وأشارت الصحيفة إلى أن قوات الأمن المصرية لديها سجل حافل في سجن وانتهاك وتعذيب المواطنين، وخاصة من تنظر إليهم الحكومة كمعارضين سياسيين. كما أدى سجل البلد في مجال حقوق الإنسان لتمحيص وشجب وتداعيات دولية، وعلقت الولايات المتحدة 130 مليون دولار من مساعدتها السنوية لمصر.
وتشير الصحيفة إلى أن الشارع المصري كان يرد في الماضي على ظهور أدلة عن قمع الشرطة للمعتقلين وانتهاكهم بالتظاهر، كتلك التي أدت إلى الربيع العربي في 2011، أو على الأقل شجب دولي، مثل الذي رافق اكتشاف جثة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
ورفض النائب السابق في البرلمان المصري وزعيم حزب الإصلاح والتنمية الذي ينتمي إليه هدهود، تفسير الحكومة لوفاته وأنها “أجوبة معروفة لا ترضي أحدا”. ودعا أنور السادات الذي يشترك بالاسم مع عمه الرئيس السابق إلى تحقيق في وضع نظام الصحة العقلية في مصر وسبب تأخر السلطات شهرا قبل الإعلان رسميا عن وفاة هدهود. وقال: “هناك علامات استفهام كثيرة”.
وأدت حالة وفاة الاقتصادي المصري للمقارنة بحالة ريجيني الذي اختفى أثناء قيامه بدراسة دكتوراة عن الاتحادات العمالية، واكتُشفت جثته وعليها علامات التعذيب.
وقال المعارض أيمن نور: “يحدث هذا مرة بعد الأخرى في مصر. كل شخص في مصر عرضة لهذه الممارسات”. وتضيف الصحيفة أن هدهود الذي نشأ في حي فقير بالقاهرة وحصل على منحة لدراسة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة، كان يعمل على عدد من القضايا الحساسة في العام الذي سبق وفاته.
وأشار شقيقه إلى أن هذه الموضوعات تشمل ما وصفها الرشوة التي يقوم بها نواب البرلمان، وهيمنة الجيش المصري على اقتصاد مصر وقمعه منافسة القطاع الخاص وجمع الموارد المالية لنفسه على حساب ميزانية الدولة.
واعتقلت السلطات المصرية في الفترة السابقة من علق ناقدا على منصات التواصل الاجتماعي أو من يقوم بأبحاث ذات طابع سياسي. وبحسب عمر هدهود “أعتقد بضرورة قيام شخص ما بكسر حاجز الصمت”، مضيفا أن العائلة وأصدقاءه حذروه مرارا من أن أبحاثه خطيرة. و”لم يكن يؤمن بخطوط حمر ودفع الثمن”.
واكتشفت العائلة غيابه في 6 شباط/ فبراير عندما لم يحضر إلى البيت. وفي بيانات للحكومة في 10 و 12 نيسان/ أبريل، قالت فيها إنه ألقي القبض على أيمن في ليلة اختفائه وهو يحاول دخول شقة في حي الزمالك بالقاهرة، ولم تتم محاكمته أبدا بالجريمة. وفي بيان 12 نيسان/ أبريل، أكد الادعاء أنه مصاب بانفصام الشخصية وكشف عن “قلة في التركيز والانتباه وأوهام بأنه مضطهد وشعور بالعظمة” و”هذيان غير مفهوم”. وتقول عائلته ومعارفه إنه لم يعالج أبدا من مرض عقلي.
وفي 8 شباط/ فبراير، أي بعد يومين من اختفائه، اكتشفت عائلته مكان اعتقاله لدى جهاز أمن الدولة الذي أخبرها، واستدعى شقيقا آخر للتحقيق معه حول نشاطات أيمن. إلا أن السلطات نقلت حينذاك وحسب بيان 12 نيسان/ أبريل هدهود إلى مستشفى العباسية للأمراض العقلية في القاهرة.
ويقول عمر هدهود إن العائلة لم تخبر عن مكان نقله وأنه موجود في مستشفى العباسية، رغم سؤالها عن مكانه عدة أجهزة في الدولة. وبعد فترة علمت العائلة من شخص تعرفه وله اتصالات بالنظام الصحي في مصر، أن أيمن موجود في المستشفى. وعندما حاولت زيارته، نفى المسؤولون وجوده أو قيل لهم بأنها تحتاج لإذن مكتوب من الادعاء.
ولم يعترف المسؤولون في المستشفى بوجوده إلا في 9 نيسان/ أبريل، حيث طلبت الشرطة منها الحضور واستلام جثته. مع أن شهادة الوفاة التي اطلعت عليها الصحيفة تشير إلى أن وفاته حدثت في 5 آذار/ مارس أي قبل أكثر من شهر. ولم تقدم السلطات توضيحا بشأن هذا التناقض.
وقال جون هيرش، مدير برنامج في منظمة الديمقراطية للشرق الأوسط: “بدون تحقيق مستقل ومحايد، فلن تعرف عائلة أيمن الحقيقة حول اختفائه ووفاته”.
وعندما وصل عمر إلى المشرحة، طُلب منه نقل الجثة ودفنها في نفس اليوم، ثم تغيّر الأمر، حيث قرر المسؤولون إجراء تشريح للجثة يقتضي أياما. وتم التقاط الصور لجثة أيمن بعد تشريحه، لكن عمر هدهود وشخصا آخر شاهدا الجثة قبل التشريح، وقالا إنهما شاهدا جراحا لا علاقة لها بالتشريح. وشاهد أربعة خبراء في الطب الشرعي الصور التي التقطت خلسة وحذروا بأنها ليست جيدة، وقال اثنان منهم إنهما لا يستطيعان الحديث بشكل قاطع عن سبب الجروح. واتفقوا على وجود جراح في الجزء الأعلى من جسده والتي حدثت بسبب الضرب أو الحرق.
وأوضحت الدكتورة كارين كيلي، أستاذ علم تشخيص الأمراض في جامعة إيست كاليفورنيا، أن الصور تظهر حروقا تلقاها هدهود قبل وفاته على وجهه، ربما من سجائر أو أنه تلقى ضربة على وجهه. وقالت: “حدث أمر ما له قبل وفاته، إمكانية أو احتمال التعذيب. أنا قلقة من كونه تعذيبا”.
وأضافت أن ما يبدو على أنه شق صغير في صدره، في صور ما بعد التشريح تشير إلى أن التشريح لم يكن كاملا، واحد لم يكن ليكشف عن أدلة ضرب على ظهره أو إصابات داخلية.
ومنع أفراد العائلة أو خبير مستقل من مشاهدة التشريح، كما قال عمر هدهود. ورفضت السلطات مطالب بالكشف عن تقرير التشريح.