كتب سمير زقوت في “الميادين نت”: فلسطينيو الداخل المحتل هم أكبر المتضررين من نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، فالتداعيات المحتملة لتشكيل حكومة يمينية بقيادة نتنياهو، وبالتحالف مع سموتريتش وبن غفير، ستكون كارثية على الفلسطينيين بشكل عام.
اكتسب نتنياهو لقب “الساحر” في العديد من الأدبيات السياسية الإسرائيلية، ويُطلق عليه مُريدوه في أوساط اليمين الإسرائيلي ألقاباً تفيض إعجاباً به وانبهاراً بأدائه، مثل الساحر والملك والداهية، ومريدوه يؤمنون به فقط دون غيره من السياسيين الصهاينة، حتى أولئك الذين ينتمون إلى حزبه ويشاركونه توجهه اليميني المتطرف.
ولا نبالغ إذا قلنا إنه لو ظهر في مهرجان انتخابي أو من خلال الشاشة، وقال لأنصاره بنبرة واثقة إن الشمس تشرق من الغرب وتغرب في الشرق، فإنهم سيصدقونه. ولكي يحافظ على ولاء معسكره له، فهو يعمل ليلاً نهاراً على تعميق العداء مع باقي مكونات المجتمع من الإسرائيليين والفلسطينيين الذين لا يؤمنون به ولا يؤيدونه.
كنت ممن يعتقدون أنَّ نتنياهو سيعود رئيساً للوزراء في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2022، رغم أنه متهم بثلاث قضايا جنائية، إذ إن المجتمع الصهيوني ينزاح نحو اليمين المتطرف، وينزاح نحو الفساد كذلك.
ومن جانب آخر، فإن عرب التطبيع قدموا ويقدمون لهذا الساحر الفاسد كل ما يريد من دعم مادي ومعنوي سراً وعلناً، فهو يشبههم في النرجسية والغطرسة والفساد، بل أصبح يتصرف مثلهم على المستوى الشخصي كديكتاتور بوجه ديمقراطي، ولن يألو جهداً في تشريع قوانين تخرجه من ورطته وتحميه من المحاكمة ودخول السجن كسابقيه من اليمين المتطرف، أمثال موشيه كتساف الرئيس الإسرائيلي السابق، وإيهود أولمرت رئيس الوزراء السابق، فالنخب في المجتمع الصهيوني الحالي لم ولن تستطيع محاكمته وإسقاطه، بل إن المجتمع الفاسد أتى به مرة أخرى إلى الواجهة السياسية كرئيس للوزراء في حكومة مستقرة حصلت على 64 مقعداً في البرلمان الصهيوني.
ويمكننا أن نستذكر هنا ما قاله الأديب الإسرائيلي ديفيد غروسمان عن شخصية نتنياهو: “إن الإسرائيليين يتمنون لأنفسهم رئيس حكومة، وليس ساحراً، بل زعيماً يتعامل ببساطة مع شؤون الدولة، ويبذل قصارى جهده لمداواة جروحها، ويتمنون حياة صافية يفتقدونها في إسرائيل، ويتمنون الكثير من الأمنيات والأحلام، من بينها أن يكون لهم رئيس حكومة لا يبذر روحاً شريرة بينهم، بل يبذل قصارى جهده لمداواة جروحهم، ولكن منذ 12 عاماً، يواصل نتنياهو بذر هذه الروح الشريرة، ما أنتج دولة منقسمة وخاسرة لا تثق بقيادتها ونفسها، وفريسة سهلة لعاصفة الجائحة”.
وفي تحليلي النفسي لهذه الشخصية، أرى أنَّ نتنياهو شخصية نرجسية وغير مبالية وأنانية وفاسدة، ولن يخرج من حياة الإسرائيليين وعالمهم السياسي إلا وقد دمّر الكيان الإسرائيلي وتركه كومة من الركام.
“دولة” الكيان الصهيوني المسماة “إسرائيل” تُعتبر “دولة” فصل عنصري، ويوجد شيء واحد واضح وضوح الشمس، هو أن إصلاح هذه “الدولة” مستحيل، ومجيء نتنياهو وجوقة العنصريين، من أمثال بن غفير وسموتريتش، إلى السلطة، يعني الحكم عليها بالمزيد من الشرور، لأن هذا الساحر النرجسي لا يستمع أبداً إلا إلى نفسه، فهو منفصل عن الواقع ويعيش في فضاء لا يتناسب إلا مع نفسه ومصالحه، كما كل النرجسيين.
يمكن أن يرى نتنياهو النرجسي نفسه – من الناحية الظاهرية – قوياً وواثقاً بنفسه، ويبدو أنه يهتم بـ”مواطنيه”، ولكن هذا الاهتمام له علاقة بنرجسيته، فهو يرى نفسه أب الإسرائيليين، ولكنه أب نرجسي متلاعب ومستغل، وهو يصارع من أجل نفسه ويمثل الفساد، وكل ما يريده هو الهروب من السجن. وقد استطاع بسحره أن يفعل ذلك.
يعرّف بعض العلماء السياسة بأنها فن الممكن، ولكن نتنياهو حوّلها إلى مفهوم جديد هو فن المستحيل، إذ نجح في تفتيت جبهة خصومه والعودة إلى السلطة من جديد، في فعلٍ كان يبدو مستحيلاً من ناحية سياسية لزعيم متّهم في 3 قضايا جنائية، ونجح كذلك في شقّ جبهة خصومه من الفلسطينيين في الكيان، الذين كانوا بمنزلة حائط الصدّ الأخير والمانع دون حصوله على الأغلبية البرلمانية اللازمة ليصبح رئيساً للوزراء.
يمكن القول إنّ فلسطينيي الداخل المحتل هم أكبر المتضررين من نتائج انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2022، فالتداعيات المحتملة لتشكيل حكومة يمينية بقيادة نتنياهو الفاسد، وبتحالف مع اليمين الفاشي بقيادة سموتريتش وبن غفير، قادة مستوطني الضفة الغربية المحتلة وأكثرهم تطرفاً، ستكون كارثية على الفلسطينيين بشكل عام، وخصوصاً إذا ما تقلّد سموتريتش وبن غفير مناصب وزارية.
ولفهم هذه التداعيات، لا بد من أن نعرج على نفسية المستوطنين وقادتهم، من أمثال سموتريتش وبن غفير، فالسمة السائدة لدى معظم المستوطنين اليهود هي اضطراب جنون العظمة المستمد من اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار وأفضل الشعوب على الإطلاق.
وقد أدى شعورهم بالعظمة وتكبرهم على الآخرين إلى كراهية شعوب أوروبا لهم واضطهادهم، وكانت النازية الألمانية أعلى درجات الاضطهاد والقتل لهم، فعاشوا حال الذل والخنوع والخضوع التي أوجدت لاحقاً حال الانبهار بالمعتدي النازي، ثم تقليده، ثم تقمص شخصيته، ثم التوحّد به، فبدلاً من التمرد والثورة على النازي توحّد اليهود معه، وتم كبت مشاعر الرد على العدوانية التي توجّه ضدهم وتخزينها في اللاشعور لتنفجر حمماً من القتل والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بعدما أقاموا دولتهم وأصبح التمكين والغلبة لهم، وأصبح هذا الضعيف الذليل جندياً متجبّراً قاتلاً لا يجيد إلا القتل والتدمير.
أخيراً، علينا أن نفهم هذا الكيان من جميع الزوايا. وفي اعتقادي، إن الزاوية النفسية هي إحدى أهم الزوايا التي تساعدنا على فهم هذا المستوطن المتعجرف القاتل والفاسد، سواء كان رئيساً للوزراء أو أصغر مستوطن يحتل أرضنا، لأن جنون العظمة ولّد لدى اليهود سمات تضخيم الذات واحتقار الآخرين، وهذا الاضطراب وغيره هو أحد عوامل انهيار الأمم من الداخل.