رأي

ناغورني كاراباخ.. متى وكيف سيتحرك الاتحاد الأوروبي؟

لسنوات عديدة، ظل الاتحاد الأوروبي قادرا على السير على خط رفيع فيما يتعلق بأزمة  إقليم ناغورني كاراباخ حيث حافظ التكتل على توازنه مع طرفي الأزمة أرمينيا وأذربيجان.

ويخوض البلدان نزاعا يمتد لعقود حول الإقليم الجبلي الانفصالي الواقع في الأراضي الأذربيجانية لكنه تقطنه أغلبية أرمينية، فيما اندلعت موجات من القتال على مدار الثلاثين عاما الماضية عقب سقوط الاتحاد السوفيتي حيث كانت الدولتان تحت لوائه.

وفي عام 2020، خرجت أذربيجان منتصرة من حرب استمرت ستة أسابيع ما مهد الطريق أمام بسط سيطرتها على مساحات واسعة من الإقليم.

وقبل أيام، شنت باكو ما وصفته بـ “عملية مكافحة إرهاب محلية” لاستعادة سيادتها على الإقليم وهو الأمر الذي دفع عدد أعضاء في  البرلمان الأوروبي  إلى حث الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه أذربيجان.

وفي بيان مكتوب، دعا أربعة أعضاء من البرلمان الأوروبي مجلس الاتحاد الأوروبي إلى “إعادة النظر بشكل أساسي في علاقات الاتحاد الأوروبي مع أذربيجان في إطار التطورات الأخيرة والنظر في فرض عقوبات على السلطات الأذربيجانية المسؤولة”.

وفي بيان منفصل، طالب أكثر من 60 برلمانيا أوروبيا بفرض عقوبات على باكو.

ورغم العبارات شديدة اللهجة، إلا أن المسؤولين المنتخبين الأوروبيين الذين أصدروا هذه البيانات لا يتمتعون بنفوذ كبير في السياسة الخارجية داخل التكتل الأوروبي  وهو الأمر الذي يفرض تساؤلا حيال هل سيتخذ صانعو القرار الأوروبي فعلا موقفا ضد أذربيجان أم سيضع التكتل في عين الاعتبارات اتفاقيات الغاز المبرمة مع باكو التي من المفترض أن تحل محل مصادر الطاقة الروسية؟

دور الاتحاد الأوروبي؟

يرى مراقبون أن دور الاتحاد الأوروبي في صراع ناغورني كاراباخ صغير نسبي مقارنة بروسيا الذي جاء اتفاق السلام بواسطتها عام 2020 بالإضافة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم قبل أسبوع.

ويُضاف إلى ذلك الدور التركي الهام في الأزمة إذ تعد أنقرة حليف وثيق وشريك اقتصادي ومورد أسلحة رئيسي لأذربيجان.

وفي ذلك، قال مارسيل روثيغ، المحلل السياسي في  مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، إن هذا الأمر يتزامن مع تنسيق روسيا والاتحاد الأوروبي محادثات سلام منفصلة بين يريفان وباكو، لكن التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا دفع باكو على ما يبدو لأن تكون أكثر جرأة.

وقال روثيج، المقيم في العاصمة الجورجية تبليسي، إن تركيا “ترى نفسها اللاعب الكبير الجديد في القوقاز القادر على تشكيل سياسات هذه المنطقة، لذا تشعر أذربيجان بهذا الدعم (التركي). وهذا الأمر دفعها لأن تُقدم على خطوات تحمل في طياتها مغامرات أكثر مما كان عليه الوضع في السنوات السابقة.”

وفي المقابل، كانت  أرمينيا  إلى جانب دول الاتحاد السوفيتي السابقة في تحالف عسكري مع روسيا، لكن رئيس وزرائها نيكول باشينيان أظهر مساعي للاقتراب من الدول الغربية وتحدي الكرملين وهو ما تمثل في رفض المشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا وواصل التعاون مع الجيش الأمريكي.

قضية الغاز؟

الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي أنشأ في وقت سابق من العام “مهمة ذات طابع مدني” في أرمينيا استجابة لطلب الأخيرة بما يشمل عمليات في عدة نقاط على طول الحدود مع أذربيجان منوطا بها “مراقبة الوضع على الأرض والمساهمة في تعزيز أمن سكان المناطق المتضررة من النزاع وأيضا المساهمة في بناء الثقة بين سكان كلا البلدين والحكومتين إذا أمكن ذلك”.

في المقابل، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا لتوريد الغاز مع باكو العام الماضي فيما أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأذربيجان باعتبارها “شريكا حاسما” في تخفيف أزمة الطاقة رغم المخاوف حيال وضع الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان في إذربيجان.

ومع احتدام الحرب في أوكرانيا، بات الوضع في منطقة القوقاز  أكثر حساسية بالنسبة للعديد من الدول.

وفي بيان لـ DW، قالت ماركيتا جريجوروفا، البرلمانية التشيكية في الاتحاد الأوروبي، إن “هدف الاتحاد الأوروبي يتمثل في جعل المنطقة مستقرة وإبعاد أي تهديد باندلاع حرب”.

وأضافت “تتمثل المصلحة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في ازدهار أرمينيا وأذربيجان  وتقليل النفوذ الروسي في أرمينيا والمنطقة وأيضا مساعدة أذربيجان على تحقيق الديمقراطية وحل الصراع المستمر منذ عقود”.

وقالت جريجوروفا إنها دعت الاتحاد الأوروبي منذ وقت طويل إلى لعب دور أكبر في جهود الوساطة لتحقيق سلام، لكن الأمر يحمل في طياته مخاطر بشأن مصادر الطاقة، مضيفة “إذا انخرطنا بشكل مركز في قضية ناغورني كاراباخ، فإن أذربيجان سيكون لديها اهتمام أقل بتزويد الاتحاد الأوروبي بالطاقة على الأقل في إطار الأسعار والظروف الحالية”.

وقالت إن الحل يكمن في “التركيز على زيادة تنويع مواردنا بشكل سريع”، مشيرة إلى أن العقوبات يمكن أن تكون خيارا، لكن يتعين على الاتحاد الأوروبي الأخذ في الاعتبار اتفاقيات الغاز.

ماذا بعد؟

وقد وافق قادة جمهورية ناغورنو كاراباخ المعروفة باسم “جمهورية آرتساخ” غير المعترف بها دوليا والذين يحكمون الإقليم منذ عام 1991، على سحب قواتهم مع تعهد أذربيجان بتوفير ممر آمن لهذه القوات.

ومع استعداد أذربيجان  في الوقت الراهن لبدء مفاوضات لدمج سكان الإقليم من الأرمن،  تعالت الأصوات المعبرة عن قلقها إزاء الوضع الإنساني ومصير محادثات السلام الثنائية.

وتتزايد هذه المخاوف مع استمرار إغلاق باكو ممر لاتشين وهو الطريق الوحيد الذي يربط المنطقة بأرمينيا وهو ما عرقلة وصول الإمدادات للمدنيين فيما دفعت المعارك الجديدة إلى نزوح العديد من السكان الأرمن من ناغورني كاراباخ وهو ما أثار اتهامات وصلت إلى حد التورط في “تطهيرعرقي”.

وفي بيان، أدان ممثل السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل التصعيد العسكري، داعيا إلى “وقف فوري للأعمال العدائية ووقف أذربيجان أنشطتها العسكرية الحالية”.

وقال بوريل “هناك حاجة ملحة للعودة إلى الحوار بين باكو و الأرمن في إقليم كاراباخ. لا ينبغي استخدام هذا التصعيد العسكري كذريعة لإجبار السكان المحليين على النزوح الجماعي”.

وفي بروكسل، ناقش سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي  الوضع، فيما قال دبلوماسي أوروبي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته في مقابلة مع DW إن دولة واحدة فقط أبدت اهتماما باللجوء إلى خيار العقوبات.

وأضاف المصدر أن التركيز في الوقت الراهن منصب على وقف الأعمال العسكرية والمضي قدما في المسار الدبلوماسي والتعامل مع الوضع الإنساني.

المصدر: DW.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى