من لاهاي إلى الأراضي المقدسة: كيف سيؤثر حكم محكمة العدل الدولية؟
كتب طارق يوسف الشميمري في صحيفة السياسة.
أصبحت إساءة استخدام السلطة بدءًا من المبادرات الخطرة بيئيا وحتى الجرائم ضد الإنسانية هي الأساس بشكل متزايد حيث تسعى الدول إلى تحقيق العدالة من مؤسسات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية.
إلا أن هذه المؤسسات تواجه باستمرار عقبات في تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية، رغم اعتبارها المنظمات البارزة في العالم، إلا أن سلطتها المتصورة تتعرض للخطر من الدول التي تختار رفض اقتراحاتها وتوجيهاتها، أو الانسحاب من الولاية القضائية الدولية، كما يتضح من تصرفات أستراليا في عام 2002 للتهرب من الأحكام الإلزامية في النزاعات البحرية الكبيرة.
منذ إنشائها، عملت هذه المؤسسات كمراجع أساسية للدول للتشاور، ومن الناحية النظرية الالتزام بها ومع ذلك، فإن الضعف المتأصل يكمن في طبيعتها غير الملزمة، فتعمل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتن على أساس مجرد أحكام أو اقتراحات، أو فتاوى، أو تحقيقات، وإن اعتمادها على لغة مرنة يفتقر إلى قوة التنفيذاللازمة لتغيير سلوك الدولة بشكل كبير.
إن الحكم الذي طال انتظاره لمحكمة العدل الدولية في الأسابيع المقبلة بشأن القضية البارزة لنا كعرب ومسلمين المتمثلة في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، لن يكون له تأثير يذكر على الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل، وأن أي حكم صادر عن المحكمة يفتقر إلى قابلية التنفيذ القانوني، فإن الهيئات الدوليه تفتقر إلى القدرة على التدخل مباشر في النزاعات الدولية حتى في مواجهة مستويات العنف المتزايدة.
هذا القيد مقلق خصوصا في الصراعات طويلة الأمد، التي لا تظهر احتمالات كبيرة للحل من خلال جهود الدولتين المعنيتين وحدهما، مما يستلزم المساعدة الدولية.
ويصبح هذا الضعف مزعجا خصوصا في سياق الصراعات العالمية المستمرة التي تشمل انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم ضد الإنسانية، وأعمال الإرهاب، واضطرابات السلام الدولي التي تتعارض هذه الأحداث مباشرة مع المبادئ والأهداف الأساسية للعدالة.
وقد أنيطت بهيئات الأمم المتحدة مهمة تنفيذ الأحكام القضائية الدولية الصادرة عن محكمة العدل، وفقا للمادة 94 من ميثاقها في الفقرة الثانية، من خلال مجلس الأمن الذي يعتبر هيئة متخصصة بتنفيذ هذه الأحكام، وقرارات محكمة العدل الدولية لصالح أحد الأطراف، أو بناء على قرار منه إذا رأت ضرورة للتدخل.
وفي ظل الانتقادات الدولية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي، أعتقد أن من بين أسباب الفشل هو تقييد أجهزة الأمم المتحدة في عملية التنفيذ نتيجة إسناد حق النقض إلى الأعضاء الخمسة دائمي العضوية، بالإضافة إلى عدم وجود سلطة دولية مركزية، مما يؤدي إلى عدم وجود سلطة لإصدار الإجراءات التنفيذية فور صدور الحكم، أو القرار لصالح صاحب الحق.
وقد أوضحت السوابق الدولية أن محكمة العدل الدولية ليست مخولة فرض التدابير الموقتة، كما يتضح من القضية الأنغلو-إيرانية بشأن الاختصاص القضائي، وفي تقديم شكاواها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، استشهدت بريطانيا بالمادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، مؤكدة على سلطة مجلس الأمن في التعامل مع الأوامر المتعلقة بالإجراءات الاحترازية، وكان المقصود من هذا الاعتماد على أحكام ميثاق الأمم المتحدة تسليط الضوء على القيود العملية التي تواجهها محكمة العدل الدولية في تنفيذ مثل هذه التدابير.
بالمثل بمتابعتي لقضية أوكرانيا ضد روسيا أشارت محكمة العدل بالفعل ضمن إجراءاتها الموقتة إلى أن الاتحاد الروسي يجب أن يعلق على الفور العمليات العسكرية التي بدأها في 24 فبراير 2022 في أراضي أوكرانيا، واعترضت روسيا على الحكم مع استمرار الحرب حتى تاريخه.
وأشير إلى أن رئيسة محكمة العدل الدولية القاضية جوان إي دونوغو، ممثلة الولايات المتحدة ستتقاعد في فبراير 2024، وربما يكون هذا هو حكمها الأخير، حيث ستتولى القاضية البديلة سارة سيليفلاند منصب أحد القضاة الخمسة عشر في اللجنة.
وفي كلتا الحالتين، حتى لو تم النطق بالحكم الموقت، الذي من المتوقع أن يكون لصالح جنوب أفريقيا، فلن يكون هناك سوى القليل من الراحة المتوقعة للفلسطينيين في غزة، لكنه سيكون نصراً معنوياً كبيراً على المعتدي، وربما بداية فرصة لإصلاح النظام.
إذا وجدت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل مذنبة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، أو الحكم العسكري غير القانوني، فكما كانت الحال في الماضي، هناك أمل في أن تشعر الدول القوية بالضغط لتعديل مواقفها الحالية، وعلى أقل تقدير فهو يضيف إلى الخطاب العالمي المهم الذي يمكن أن يمارس الضغوط على المجتمع الدولي لإحداث تغيير جوهري، وفي الحالات التي فشلت فيها الجهات الفاعلة الأخرى في التخفيف من محنة الفلسطينيين، يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تكون بمثابة المحفز المطلوب لإشعال شعلة التقدم.
شغل منصب مستشار، رئيس اللجنة المالية،
رئيس لجنة الميزانية العامة في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، مراقب في المجلس الإداري للمحكمة، مستشار في سفارة دولة كويت في لاهاي خلال هذه الفترة من 2013 إلى 2020