أبرزرأي

من الدولار المسعور إلى الاعتصام المحشور.. العالم يتفرَّج على اشتباك واقع تحت قبّة البرلمان!

عندما لجأ الإمام السيد موسى الصدر الى الاعتصام في مسجد العاملية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، في خطوة احتجاجية على الحرب الأهلية، ودعوة الى وقفها على طريقته، كان يستخدم حينها حقاً سلمياً في التعبير عن هدفه، والسعي إليه في حدود الممكن، كتعبير ناجع عن رفض الحرب.

فالاعتصام، الذي يلجأ إليه شخص او جماعة، وعلى اي مستوى كان، هو اظهار سلمي لموقف ما.

لكن آليات الاعتصام، ليست بهذا التبسيط. فالاعتصام يهدف الى خلق او ايجاد بؤرة تستقطب الرأي العام أو الجمهور.

وليس من قبيل قياس الحاضر الى الماضي، ما استهليت به هذا التقرير، بل للإيحاء بأن الوسيلة متاحة، وليست جديدة، وهي سلمية، قبل أي اعتبار، وذات تأثير، لا يستهان به على صعيد تبديل اولويات الرأي العام، او وضع من بيده «الربط والحل» أن يأخذ في الحسبان أن الأمر على درجة من الخطورة، لا يمكن معها قبول استمرار وضع على ما هو عليه.

المناسبة الآن، هي إقدام نائبين في المجلس النيابي المنتخب في ايار من العام الماضي (2022)، بعد انتهاء جلسة مجلس النواب التي تحمل الرقم 11، للمطالبة باستمرار عقد الجلسات وعدم رفعها، حتى يصار الى انتخاب رئيس  للجمهورية. وكان النائب ملحم خلف بادر في مستهل جلسة الخميس للإعلان عن نواياه في الاعتصام، وهو لم يخرج من الجلسة، الأمر الذي جعل الرئيس نبيه بري، المعني الأول في الاعتصام، فكرة وتنفيذاً ونتائج، أن أعرب عن رفضه بقوله «هيدي ما بتمرق عليي».

اليوم، يكون الاعتصام النيابي دخل يومه الخامس، وسط تجاذب نيابي بين مؤيد بحماس، ومؤيد بالمبدأ ورافض بفتور ورافض بقوة الى درجة المواجهة.

الرئيس بري رفع عقد جلسات الرئاسة على آخر سُلَّم الاهتمامات، وأعاد الاعتبار الى التشريع بقوة، سواء عبر دعوة اللجان المشتركة للاجتماع، أو عبر التحضير لعقد جلسة تشريعية، لإقرار قوانين عاجلة أو طارئة، ومن ضمنها حكماً (أو هكذا يفترض) قانون الكابيتال كونترول.

هذا يعني أنه وضع نفسه لمجابهة مع الفريق المطالب بعدم رفع جلسة انتخاب الرئيس، حتى إتمام العملية.

مع هذه الثغرة دخل المجلس النيابي في خضم ازمة انقسام: انعقاد للتشريع او انعقاد للانتخاب، وهي تبقي الأمور تحت السيطرة، أم يحدث ما لا يكون في الحسبان.

فريق المعارضة، يضرب الأخماس بالأسداس، بمعنى يحسب خطواته، كذلك فريق الرئيس بري، المكوّن من الثنائي، والحليف المسيحي القوي تيار المردة، والحليف السني، فيما التيار الوطني الحر يمضي في تمايزه، وإن كان يعتقد أن لا جدوى من حركة الاعتصام، أياً كان مسارها. وفي الوسط، يلتقط العصا المتغيرة، النائب السابق وليد جنبلاط، مع تكتل اللقاء الديمقراطي النيابي، بحثاً عن مقاربة، لا تدفع الأمور الى الصدام، وفي الوقت عينه، لا تبقيها تحت دائرة الانتظار القاتل.

يتفهم جنبلاط وفريقه هواجس حزب الله، فهو مع رئيس لا يقبله الحزب، لكنه لا يرفضه، وهو ليس بوارد تعريض تحالفه التاريخي مع الرئيس بري لأي خطر او اهتزاز، ولا يعنيه بالتالي البقاء من عدمه في الحلف النيابي الواقف وراء النائب ميشال معوض كرئيس للجمهورية.

لن يقبل حزب الله، الذي يتمترس وراء رئيس المجلس، لرافعة صلبة لحركة الاعتراض على ترشيح معوض او سواه، من الشخصيات المناوئة بقوة للحزب والمحور الذي ينتمي اليه، وهو بالتالي يراجع حساباته وخياراته ضمن منظومة واضحة من التعاطي:

1- الاستعداد لتسمية مرشحه للرئاسة في وقت يسبق حلول شهر رمضان المبارك.

2- تطوير الاتصالات مع الفريق الجنبلاطي، على طريقة الملاقاة الى منتصف الطريق، مع تقدير لرفض جنبلاط للتصريحات الأخيرة لحليفه المفترض في الجبل سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية.

3- تشكيل قوة من الحلفاء من النواب السنة، نواتها، بعد ابتعاد نائب صيدا اسامة سعد، النائبان فيصل كرامي وحسن مراد، وفي أساسها نواب جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية.

4- إبقاء خطوط الاتصال قائمة مع الأطراف الأوروبية والدولية التي لا ترى مناصاً من الحوار والانفتاح على حزب الله.

5- عدم تعريض الاستقرار الأمني لأي هزة او انتكاسة، باعتباره خطاً أحمر، أياً كانت الصعوبات الحياتية أو المعيشية.

6- لا يرغب الحزب بصدام أو أية مناكفات مع التيار الوطني الحر ورئيسه، ولكن بالمقابل، واستناداً الى مصارف المعلومات ليس بوارد القبول بإملاءات النائب جبران باسيل على الحزب وحلفائه، وحتى على الرئيس بري، وصولاً الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

في صورة على درجة من الضبابية والترقب والمفاجآت، ينتظر أن يتطور برنامج الاعتصام، ضمن حسابات، يجريها المعنيون، منعاً للاشتباك بأي شكل من الأشكال.

فلا جلسات التشريع متاحة بسهولة إذا ما تعرضت الى مقاطعة مسيحية، من الكتلتين الكبيرتين: تيار لبنان القوي وتكتل الجمهورية القوية (القوات) ولا حتى الجلسات المتعلقة باللجان.

المجلس الآن عند نقطة التعادل، فلا جلسات لانتخاب الرئيس ولا جلسات لأمور أخرى.

والمشهد من الخارج يخضع لحدين من التعتيم: عدم ترك المعتصمين وحدهم داخل القاعة، وعدم فتح البلاد أمام المجهول من التجمعات والاحتكاكات وقطع الطرقات.

كل ذلك، والعالم يتفرج على مشاهد موجعة من الحرب الروسية – الأوكرانية، وفي الوقت نفسه ترتفع المخاوف من مغامرات أميركية واسرائيلية أو ايرانية في بحر العرب او البحر المتوسط، مع نزوع الدولار المحرك للاوضاع والانهيار الى سقوف غير مسبوقة، مع رحلة الخمسين الثانية نحو المائة، بعد الخمسين الأولى، على ايقاع انقسام يقترب من أن يكون وطنياً بين حكومة مستقيلة تجتمع أو لا تجتمع، وبرلمان أمام العاصفة، وقطيعة بين القوى، تترك كل الاحتمالات مفتوحة على المخاطر الكبرى.

إن الآراء الموجودة في هذه المقالة تعبر عن رأي الصحيفة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى