من أجل استقلاليتنا الاستراتيجية
كتب محمد الحيدر في صحيفة الرياض.
إذا قررت المملكة أمراً، فلابد أن تكون دارسة له جيداً، مخططة له استراتيجياً، مجهزة له البنية التحتية والتقنية، والكوادر القادرة على تنفيذه، وقبل كل ذلك أن تكون لديها الملاءة السياسية والاقتصادية لاستقطاب النماذج الأفضل عالمياً؛ لكي تصبح التجربة قابلة للتحقيق على أرض الواقع.
ونطبق ذلك على الهيئة العامة للصناعات العسكرية الكيان الوطني المملوك بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، فقد اتخذت المملكة القرار الجريء؛ لتعزيز الصناعة العسكرية المحلية، حيث أنفقت المملكة 5.1 مليارات ريال، منها 3.3 مليارات ريال أنفقت على البحث والتطوير في الصناعات العسكرية في عامي 2021 و2022، تم توزيع 1.8 مليار ريال على شركات منها الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي)، ضمن خطة استراتيجية طموحة، سيكون لها الأثر الفاعل في مساهمة الشركة بـ95 مليار ريال في الناتج المحلي في 2030.
إن هذا الفكر يدعم خطط الأمن بمفهومه الشامل، وتوفير احتياجات وزارة الدفاع من الأسلحة، وتعزيز اكتفائها الذاتي، وتوطين 50% من إنفاقها الدفاعي، وهذا من أبرز مستهدفات رؤية السعودية 2030، لأن تفعيل الريادة الاستراتيجية بهيئة الصناعات العسكرية، يمنح المملكة استقلالية استراتيجية ترسخها عوائد معرض الدفاع العالمي لا سيما توطين صناعات هاملة كانت حكرا على الخارج مثل: تكنولوجيا الواقع المعزز التكتيكي، ونماذج الروبوتات العسكرية، وأمن الأقمار الصناعية، وغيرها.
لقد خطت المملكة خطوات واسعة في اقتحام عالم الواقع المعزز، الذي يعد أحد أبرز وجوه التقدم التقني، فنحن على أعتاب عصر جديد حين يلتقي الخيال بالواقع، محولاً الأحلام إلى مشاهد مذهلة تتجسد أمام أعيننا.. هنا؛ كل لحظة تصبح بوابة لعوالم مبهرة، تتخطى حدود الممكن، وتفتح آفاقاً للابتكار والإبداع، حيث يجمع الواقع المعزز بين العالم الحقيقي والعناصر الافتراضية، مستخدماً كاميرات وأجهزة استشعار لرصد البيئة المحيطة ودمج البيانات بواقعنا.. فيمتد تأثير الواقع المعزز إلى قطاعات عديدة، منها: التعليم، والرعاية الصحية، كما يلعب دوراً محورياً في التجارة الإلكترونية والترفيه، والسياحة، والقطاعات العسكرية أيضاً.
ولأن المملكة تستشرف المستقبل منذ نشأتها، فقد اتخذت قرارات كانت تعد ثورة بين بلدان العالم العربي، حيث قامت بتأسيس المركز الوطني العربي السعودي للعلوم والتقنية عام 1977، يقوم بدوره في إجراء البحوث العلمية التطبيقية في عدة مجالات من ضمنها الفضاء، وبالتزامن مع رحلة الفضاء «ديسكفري» عام 1985، تم تحويل اسم المركز إلى «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية»، لتعمل المدينة لاحقاً على خطط للنهوض بالقطاع ورسم خطة لنقل وتوطين تقنية الأقمار الصناعية، وفي عام 1986 أنشأت المملكة «المركز السعودي للاستشعار عن بُعد»، كما أنشأت معهد بحوث الفضاء والطيران في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام 1997، وأسسّت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية «مركز تميّز الفضاء والأرض» بالتعاون مع «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» و«مركز تميّز أبحاث الفضاء والطيران المشترك» مع جامعة ستانفورد الأمريكية.
ونتاج تلك الجهود تم إطلاق أول قمر صناعي سعودي «سعودي سات بـ1. أ1»، ويعد ذلك مقدّمة لإطلاق 16 قمراً صناعيّاً آخرين، كان أبرزها قمر الاتصالات «SGS1» الذي أطلق في فبراير 2019، حاملًا توقيع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث كتب بخط يده عبارة كتبها «فوق هام السحاب»، وانتهاءً بالقمر الصناعي «شاهين سات» في عام 2021 الذي مثّل جيلاً جديداً من الأقمار الصناعية ذات الأحجام الصغيرة، كما شاركت بفعالية ضمن الرحلة العلمية المشتركة «تشانغ إي 4» في مايو (أيار) من عام 2018. بالتعاون مع وكالة الفضاء الصينية، في مهمّة نادرة لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر، ثم قامت المملكة بتطوير وتصنيع القمرين الصناعيين لأغراض الاستطلاع «سعودي سات 5أ»، و«سعودي سات 5»، لتنضم بذلك إلى الجيل الثاني الأعلى دقة من أقمار الاستشعار عن بعد، ثم الانتقال إلى آفاق أوسع من خلال إنشاء الهيئة السعودية للفضاء في ديسمبر عام 2018، بأمر ملكي، لتعزيز الأمن والحماية للقطاع من أي مخاطر محتملة، كما تضمن رعاية مصالح المملكة ومكتسباتها في هذا المجال، وتشجيع الأنشطة البحثية والصناعية المتصلة بالفضاء، وإعداد الكوادر الوطنية المتخصصة في المجال، وقامت الأمم المتحدة باعتماد الهيئة ممثّلاً رسمياً عن المملكة.
ولم يكن غريباً على المملكة أن تقوم بتصنيع أول روبوت بأيادٍ سعودية تحت اسم “سارة”، ويحتوي الروبوت على كاميرا تعمل بالذكاء الاصطناعي.
إن المملكة بتنظيمها معرض الدفاع العالمي، بما تملكه من إمكانات وزخم علمي، لقادرة على أن تصبح قوة تصنيعية عسكرية دفاعية عالمية، ولدينا أمثلة كثيرة ندلل بها على ما تحقق من نجاح في هذا المجال، بعد تصنيع وتصدير شهدته الأوساط العالمية في الفترة الوجيزة الماضية، وسيعزز المعرض تلك القدرات، لتحقق المملكة ما تستحقه من مكانة بين كبريات دول العالم.