رأي

مفاجأة اليسار في فرنسا.. ما هي أحزاب الجبهة الشعبية الجديدة؟

كتب ديفيد إيل, في “DW”:

وحدت قوى وأحزاب اليسار نفسها في الجبهة الشعبية الجديدة بهدف منع فوز التجمع الوطني. واليوم بعد تصدرها بالانتخابات هل تستطيع الحكم؟ أم يبقى دورها محصوراً في صد اليمين المتطرف؟

مباشرة بعد الانتخابات الأوروبية في التاسع من حزيران/يونيو، شهدت فرنسا مفاجأتين سياسيتين من العيار الثقيل: في مساء ذلك اليوم، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات مبكرة. وفي اليوم التالي، فاجأ اليسار الفرنسي، الموزع بين عدة أحزاب، الجميع بتشكيل تحالف مشترك: الجبهة الشعبية الجديدة. وحّد اليسار قواه من أجل وقف زحف حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبان.

وقد حقق التحالف اليساري هذا الهدف: أدهش الجميع بتصدره الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت في السابع من يوليو/تموز ليطالب بالحكم. وقال رئيس حزب فرنسا الأبية، جان لوك ميلينشون، بعد تصدر الانتخابات: “الجبهة الشعبية الجديدة جاهزة للحكم”. وقالت الأمينة العامة لحزب الخضر، مارين تونديلييه، التي تعتبر المبادرة الرئيسية وراء تشكيل الجبهة الشعبية الجديدة: “لقد انتصرنا والآن سنحكم”.

وقال زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور: “يجب على الجبهة الشعبية الجديدة أن تتولى مسؤولية هذه الصفحة الجديدة من تاريخنا”، معلناً رفضه التعاون مع معسكر ماكرون.

ألوان طيف متباينة

والحزب الاشتراكي هو الوحيد ضمن التحالف اليساري الذي مر بتجربة الحكم والسلطة. وقدم الحزب رئيسين قادا البلاد: فرانسوا ميتران (1981-1995) وفرانسوا هولاند (2012-2017). بالإضافة إلى ذلك، قدم الحزب ما يسمى “التعايش”: من عام 1997 إلى عام 2002، تولى الاشتراكي ليونيل جوسبان رئاسة الوزراء في عهد الرئيس المحافظ جاك شيراك.

وتجدر الإشارة إلى أن الاشتراكيين هم ثاني أكبر قوة في التحالف اليساري: فقد ساهمت قلة شعبية هولاند في صعود زميله السابق في الحزب جان لوك ميلينشون في عام 2017، والذي يعتمد حزبه “فرنسا الأبية” (LFI) بشكل أكبر على الشعبوية اليسارية والتشكيك بالاتحاد الأوروبي. هذا بالإضافة إلى أن ميلينشون قد أدلى نفسه بتصريحات معادية للسامية في الماضي، وأعرب بانتظام عن تفهمه الكبير لوجهة نظر الكرملين بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، ويدعو حتى يومنا هذا فرنسا إلى ترك حلف شمال الأطلسي.

ثالث أكبر قوة في الجبهة الشعبية الجديدة هي حزب الخضر، واسمه الرسمي أوروبا إيكولوجيا – الخضر. وبالإضافة إلى القوى السابقة هناك الحزب الشيوعي الفرنسي ومجموعة من الأحزاب الصغيرة، على سبيل المثال تلك التي تدعو إلى الاستقلال في بولينيزيا الفرنسية الواقعة فيما وراء البحار.

تجارب فاشلة

ومرت أطياف اليسار الفرنسي بتجارب فاشلة في التعاون فيما بينها. عندما تواجه الرئيس إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في انتخابات عام 2022، دعا ميلينشون اليسار الفرنسي إلى توحيد قواه تحت قيادته. وأصبح تحالفه “الجبهة الشعبية البيئية والاجتماعية الجديدة” في نهاية المطاف ثاني أقوى قوة في البرلمان، لكنه لم يتمكن من تحويل هذا النجاح الانتخابي إلى مكاسب سياسية؛ إذ فشلت محاولات تشكيل كتلة مشترك في الجمعية الوطنية لأن الاشتراكيين والشيوعيين والخضر لم يرغبوا في إضعاف صورتهم بوضع يدهم في يد ميلينشون المشكك بجدوى الاتحاد الأوروبي.

ولكن من الجبهة الشعبية البيئية والاجتماعية إلى الجبهة الشعبية الجديدة حدث تغيير مركزي: لم يعد ميلينشون الشخصية القيادية المركزية، ولكن هناك قيادة جماعية.

وتعتقد الخبيرة السياسية صوفي بورنشليغل من “مركز أبحاث أوروبا جاك ديلور” في بروكسل أن التحالف الجديد لديه فرصة أفضل للنجاح: “احتمالات صمود الجبهة وعدم انفراط عقدها والقدرة على تشكيل حكومة وممارسة السلطة التنفيذية جيدة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح للاشتراكيين وزن أكبر داخل التحالف بعد الانتخابات الأخيرة، وهناك جيل جديد من السياسيين الأقل أنانية في أحزاب الجبهة”.

من الجبهة إلى الائتلاف؟

يدور في الأوساط السياسية وأوساط الخبراء السؤال التالي: هل بمقدور الجبهة الشعبية الجديدة الآن أن تفتح فصلاً جديداً في السياسة الفرنسية مستفيدة من الأغلبية النسبية التي فازت بها بالانتخابات: في الفترة التي سبقت الانتخابات، أيد ممثلو بعض الأحزاب حكومة وحدة وطنية مع ماكرون وضد لوبان. ومع ذلك، يصر “حزب فرنسا الأبية” بقيادة ميلينشون على رفض التعاون مع ماكرون، والذي رفض هو الآخر التعاون مع ميلينشون.

تقول الخبيرة السياسية صوفي بورنشليغل من “مركز أبحاث أوروبا جاك ديلور” في بروكسل: “الأمر يتعلق بمن سيحصل على المناصب في الحكومة الجديدة. من غير المرجح أن يتعاون ماكرون مع أي مرشح لرئاسة الوزراء من حزب فرنسا الأبية”.

وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، يعتزم التحالف اليساري التشاور للاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء. ولكن يبقى السؤال: كيف سيكون شكل سياسات أي حكومة من التحالف؟ سؤال برسم قادمات الأيام.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى