مشكلات التقدم في السن… نظرة صحية واجتماعية.
يعيش سكان العالم، اليوم، أعماراً مديدة أكثر مما مضى، وقد أصبح بديهياً رؤية معظمهم في سن الستين أو أكثر، ففي كل ثانية يحتفل شخصان بعيد ميلادهما الستين.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة- إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، يبلغ عدد الأشخاص الذين تبلغ سنهم 60 عاماً فما فوق، حالياً، 901 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 1.4 مليار بحلول عام 2030. ومع ذلك، غالباً ما يتم تصوير كبار السن على أنهم ضعفاء ويمثلون عبئاً اقتصادياً على المجتمع؛ لكن الواقع مختلف تماماً؛ إذ تظهر النتائج الأخيرة أن كبار السن يمثلون رصيداً هائلاً للمجتمعات في جميع أنحاء العالم.
مشكلات الشيخوخة الصحية
• ما هي الشيخوخة؟
من المنظور البيولوجي، يحدث التقدم في السن «الشيخوخة» (ageing) نتيجة تأثيرات تراكم مجموعة واسعة من التلف في الجزيئات والخلايا مع مرور الوقت. وهذا ما يؤدي إلى تراجع تدريجي في القدرات البدنية والعقلية، وازدياد احتمال الإصابة بالأمراض والوفاة في النهاية. وهذه التغييرات ليست متسقة، وتكاد ﻻ ترتبط بسن الشخص بحساب السنوات.
إن التنوع الملاحظ في التقدم في السن ليس عشوائياً، فإلى جانب التغيرات البيولوجية، غالباً ما يرتبط التقدم في السن بأحداث أخرى تطرأ في الحياة، مثل: التقاعد، والانتقال إلى مسكن أنسب، ووفاة الأصدقاء والشريك.
• أهم المشاكل الصحية الشائعة المرتبطة بالشيخوخة
تشمل المشاكل الشائعة عند التقدم في السن: فقدان السمع، وإعتام عدسة العين وأخطاء الانكسار، وآلام الظهر والرقبة، والتهاب العظام والمفاصل، وداء الانسداد الرئوي المزمن، والسكري، والاكتئاب، والخرف. ومع تقدم الأشخاص في السن، من الأرجح أن يواجهوا عدة مشاكل صحية في وقت واحد.
ويتميز التقدم في السن أيضاً بظهور كثير من الحالات الصحية المعقدة التي يطلق عليها عادة «متلازمات التقدم في السن»، وغالباً ما تحدث نتيجة لعوامل كامنة متعددة، وتشمل: الوهن، وسلس البول، والسقوط، والهذيان، والقرحة، وارتفاع الضغط.
7 تغيرات صحية مهمة
يبدو أن الصورة المعتادة المرتبطة بالشيخوخة هي لرجل عجوز متجعد الوجه، غاضب الملامح، كثير النسيان. لكن العلم، اليوم، يرسم للشيخوخة صورة أخرى أكثر عمقاً، يميل فيها كبير السن إلى أن يصبح أكثر سعادة وعافية وتحرراً، وفي كثير من الحالات يظل جاداً للغاية. ويورد موقع «Live Science» -وهو أحد أكبر المواقع العلمية وأكثرها شهرة وموثوقية- 7 طرق للتغير مع تقدم السن، وهي:
• الخلايا الجذعية تتقدم في العمر أيضاً: تحت الجلد المترهل تتدهور خلايا الجسم أيضاً. والخلايا الجذعية التي يُعتقد أنها تحارب الشيخوخة عن طريق تجديد الخلايا القديمة أو التالفة، تستسلم أيضاً لتآكل الشيخوخة. وتشير الأبحاث إلى أن قدرة الخلايا الجذعية على التجدد تنخفض مع تقدم العمر.
• الحاجة إلى نوم أقل: في دراسة أجريت على مجموعة من البالغين الأصحاء الذين سُمح لهم بالنوم لمدة 8 ساعات، نامت المجموعة الأكبر سناً (66- 83 عاماً) نحو 20 دقيقة أقل من الأشخاص في منتصف العمر (40- 55 عاماً)، الذين ناموا بدورهم نحو 23 دقيقة أقل من المجموعة الأصغر سناً (20- 30 عاماً). التفسير البديهي أن كبار السن يحتاجون إلى قدر أقل من النوم. وتفسير آخر تدعمه الأبحاث، وهو أن كبار السن لا يستطيعون الحصول على النوم الذي يحتاجونه، ويستغرقون وقتاً أطول في النوم، ويقضون وقتاً أقل في النوم العميق، ويواجهون مزيداً من المشاكل في النوم.
• التشتيت: مع تقدم الشخص في السن، تصبح قدرته على تجاهل عوامل التشتيت أسوأ، وفقاً لكارين كامبل (دكتوراه في علم النفس بجامعة تورنتو) لكن كامبل وزملاءها وجدوا جانباً إيجابياً قد يلفت الانتباه، وهو أن كبار السن قد يتمتعون بقدرة فريدة على «الربط المفرط» بالمعلومات غير ذات الصلة، وربطها بمعلومات أخرى تظهر في الوقت نفسه. ويمكن لهذه القدرة في نهاية المطاف تعزيز الذاكرة.
• البشرة والوجه والتقدم في السن: مع التقدم في السن وتجاوز علامة نصف قرن، يظهر كثير من التغيرات، منها أن تصبح الطبقة الخارجية من الجلد رقيقة، وأقل مرونة، وتتضاءل دهون الوجه في الطبقات العميقة من الجلد. والنتيجة: واجهة فضفاضة مترهلة تتميز بالخطوط والشقوق.
• لا يزال كبير السن يتمتع بضحكة جيدة: لقد أظهر العلم أن الضحك مفيد لكل إنسان؛ خصوصاً لكبير السن. وفقاً لدراسة كندية نشرت في مجلة الجمعية الدولية لعلم النفس العصبي. قالت براثيبا شامي، عالمة النفس في مركز «بايكريست» لرعاية المسنين: «إن الخبر السار هو أن الشيخوخة لا تؤثر على الاستجابات العاطفية للفكاهة، وسنظل نستمتع بالضحك عندما نسمع النكتة. ذلك جزء لا يتجزأ من التفاعل الاجتماعي، وقد تم الافتراض منذ فترة طويلة أن الفكاهة قد تعزز نوعية الحياة، وتساعد في إدارة التوتر، وتساعدنا على التعامل مع ضغوط الشيخوخة».
• الليبرالية الهشة: أظهرت نتائج دراسة استقصائية أجريت على أكثر من 46 ألف أميركي بين عامي 1972 و2004، لمحات من المواقف المتغيرة للمشاركين من مختلف الفئات العمرية. مع مرور الوقت، أصبحت مواقف البالغين أكثر ليبرالية (أكثر دعماً للحرية) فيما يتعلق بالسياسة، والاقتصاد، والعرق، والجنس، والدين، والقضايا الجنسية. وأن كبار السن في المتوسط سوف يتجهون في هذا الاتجاه.
• التمتع بموقف إيجابي: تشير دراسة نشرت عام 2008 من قبل يانغ يانغ، عالم الاجتماع في جامعة شيكاغو، إلى أن الزيادة في متوسط العمر التي حدثت منذ السبعينات كانت مرتبطة بزيادة سنوات السعادة. وأظهرت أبحاث أخرى أن كبار السن يتذكرون الماضي من خلال عدسة وردية اللون، وهم أكثر تفاؤلاً من الأفراد الأصغر سناً، وأن المرضى والمعاقين سعداء مثلنا تماماً.
تغيير طريقة التفكير بشأن الشيخوخة
تقول الباحثة والأستاذة في جامعة ييل، والخبيرة الرائدة في علم نفس الشيخوخة الناجحة، البروفسورة بيكا ليفي (Becca Levy): «إن تبنّي الإيجابيات المتعلقة بالتقدم في السن يمكن أن يضيف سنوات إلى الحياة».
طرحت ليفي سؤالاً: ما هي الكلمات الأولى التي تتبادر إلى الأذهان عندما نفكر في شخص كبير في السن؟ مع الأسف، أجاب معظم الأميركيين ببضع كلمات لها دلالة سلبية، مثل: خرف، وغضب، وضعف.
وفي كتابها الجديد، الصادر في العام الماضي، أبريل 2022، بعنوان «كسر قانون العمر» (Breaking the Age Code)، الذي حصل على جائزة «ريتشارد كاليش للنشر المبتكر» لعام 2023، عرضت ليفي مجموعة عميقة من الأبحاث التي توضح أن كثيراً من المشكلات الصحية التي كانت تعد في السابق ناجمة بالكامل عن الشيخوخة، تتأثر بشدة بالعوامل السلبية حول معتقدات العمر.
تكشف الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم معتقدات سلبية حول الشيخوخة هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل: النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، والإجهاد المزمن، ومشاكل المشي والتوازن، ومشاكل الذاكرة، والأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق.
قدمت ليفي في كتابها 6 طرق لتغيير طريقة التفكير في العمر (Change the Way You Think About Age)، وهي:
• جرّب تدوين يوميات الاعتقاد بالعمر: إن تدوين اليوميات المتعلقة بالمعتقد العمري يمكن أن يكون وسيلة قوية لتصبح أكثر وعياً بالرسائل السلبية في المجتمع، والبدء في تطوير المهارات اللازمة لتحدي بعضها.
• أنشئ مجموعة من النماذج الإيجابية: يمكن القيام بهذا النشاط مع مجموعة من الشخصيات من الأهل والمعارف. قم بدعوة بعض الأصدقاء لتناول العشاء، وتحدث عن قدوة من كبار السن وأكثر ما يعجبك فيهم. اذكر صفة أو اثنتين من الصفات التي تعجبك بشكل خاص، والتي ترغب في تعزيزها في نفسك. ربما يكون السبب هو حس الفكاهة لديهم، أو طاقتهم، أو معرفتهم بالأحداث الجارية، أو تعاطفهم.
• تحويل اللوم: تحذر البروفسورة ليفي من توجيه أصابع الاتهام إلى الجسد المسن، وأنه تعدى منتصف العمر، عند حدوث أي إصابة أو الشعور بالفشل، وإذا لم يتم التصدي لهذه الأنواع من الأفكار الخطيرة، فإنها يمكن أن تؤثر على شعورك وتصرفاتك؛ مما يسبب مشاكل صحية بمرور الوقت.
• التعرف على الصورة النمطية وتحديها: عددت ليفي في كتابها 14 صورة نمطية عن الشيخوخة، إلى جانب الأدلة العلمية التي تتعارض مع كل واحدة منها. على سبيل المثال، فكرة أن العمال الأكبر سناً ليسوا فعالين في مكان العمل، وأن كبار السن هشون للغاية، بحيث لا يستطيعون ممارسة الرياضة، وأن الإدراك يتراجع مع السن. في الواقع، الإدراك لا يتراجع حتماً مع التقدم في السن، وتشير الأدلة إلى أن بعض أنواع الإدراك تتحسن في وقت لاحق من الحياة.
• تنمية العلاقات بين الأجيال: تظهر الأبحاث أن بناء العلاقات مع أفراد من أجيال مختلفة يمكن أن يساعد في تحطيم المعتقدات السلبية المتعلقة بالعمر. توصي البروفسورة ليفي بالمشاركة في الأنشطة التي تمنح فرصاً للتفاعل مع أفراد المجتمع الأكبر سناً والأصغر سناً. إن الفصل على أساس السن يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التمييز على أساس السن.
• العمل على إنهاء التحيز الهيكلي ضد كبار السن: تسرد ليفي في كتابها عشرات من التغييرات المجتمعية التي يمكن أن تساعد في تفكيك هذا النوع من التمييز على أساس السن في الطب، والتعليم، ومكان العمل، والإعلان، والثقافة الشعبية، وغيرها. وتقول: «لنعمل معاً للتغلب على التمييز على أساس السن والمعتقدات السلبية المتعلقة بالسن. كمجتمع، نحن بحاجة إلى معالجة عدم المساواة، وإلى إيجاد طريقة لجمع الأجيال معاً، والدعوة إلى رسائل إيجابية حول الشيخوخة».
«عقد الشيخوخة»
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفترة «2021- 2030» عقداً للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة، وطلبت من منظمة الصحة العالمية أن تقود عملية التنفيذ. و«عقد الشيخوخة» للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة هو تعاون عالمي يجمع بين الحكومات والمجتمع المدني، والوكالات الدولية، والمهنيين، والأوساط الأكاديمية، ووسائط الإعلام، والقطاع الخاص، لمدة 10 سنوات من العمل المتضافر والتحفيزي والتعاوني، لتعزيز حياة أطول وأوفر صحة.
ويستند العقد إلى استراتيجية وخطة عمل كل من منظمة الصحة العالمية وهيئة الأمم المتحدة، ويدعم تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة.
ويسعى «عقد الشيخوخة» للأمم المتحدة للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة «2021- 2030»، إلى الحد من أوجه عدم المساواة في الصحة، وتحسين حياة كبار السن وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية، من خلال إجراءات جماعية في 4 مجالات:
– تغيير طريقة تفكيرنا، وشعورنا، وتعاملنا إزاء المسن والتحيز ضد التقدم في السن.
– تنمية المجتمعات بطرق تعزز قدرات كبار السن.
– تقديم رعاية متكاملة وخدمات صحية أولية تركز على الأشخاص، وتستجيب لاحتياجات كبار السن.
– إتاحة رعاية جيدة طويلة الأجل لمن يحتاجونها من كبار السن.