اقتصاد ومال

مدى جهوزية اوروبا لتحدي هيمنة الدولار

يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاهدًا لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي بما يتماشى مع المصالح الأميركية، مُدّعيًا أن النظام الحالي غير عادل ويعمل ضد الولايات المتحدة. في ظل هذه الفوضى الاقتصادية التي تثيرها السياسات الأميركية، تسعى اوروبا لايجاد اي فرصة قد تساعدها على تعزيز مصالحها المالية.

فخلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، دعَت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد القادة الأوروبيين إلى تسريع إنشاء سوق مالية موحدة، في محاولة لجذب المستثمرين الذين يبحثون عن بدائل للنظام المالي الأميركي. لكن، في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، تبقى قدرة الاتحاد الأوروبي على استثمار هذه الفرصة محدودة بالرغم من محاولته المسارعة لتعزيز مصالحه قبل أن تنقلب الأمور لصالح الآخرين.

صوت لاغارد كان حازمًا حين أكدت أنه “الوقت الآن هو الأنسب للتحرك”. لكن السؤال يبقى: هل يمكن لهذا التحرك أن يغير من توازن القوى المالية العالمي؟ وهل سيستطيع الاتحاد الأوروبي فعلاً تجاوز العوائق الداخلية التي تعوق التنسيق الفعّال بين أسواقه المالية؟

منذ إطلاق اليورو، كان الهدف الأساسي لدى صانعي السياسات الأوروبيين هو تقويض هيمنة الدولار في التمويل والتجارة العالميين. و ما زالت المحاولات مستمرة لتحقيق الهدف بعد عقود من السعي لم تُثمر عن الكثير،  اذ انه رغم التطور الذي حققته العملة الأوروبية، إلا أن الدولار لا يزال يشكل حوالي 90% من المعاملات العالمية. و هي تشكل نسبة كبيرة قد يصعب على اوروبا ان تتفوق عليها  في ظل عوامل مختلفة تجعل اليورو لا يزال بعيدًا عن التنافس الحقيقي مع الدولار.

وفقًا لتقرير البنك المركزي الأوروبي لعام 2024، ما زال الدولار يُهيمن على الأسواق المالية الدولية، حيث يشكل 60% من السندات الأجنبية مقارنة بـ 20% فقط لليورو. يعود هذا التفوق إلى اتفاق “بريتون وودز” الذي تم توقيعه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي وضع الولايات المتحدة في قلب النظام المالي العالمي. وبالرغم من انهيار هذا النظام، إلا أن الولايات المتحدة استطاعت الحفاظ على هيمنتها بفضل قوتها الاقتصادية والعسكرية.

ولكن، هل سيظل الدولار قادرًا على الحفاظ على هذه الهيمنة في عالم يتزايد فيه التنافس الاقتصادي والجيوسياسي؟ أم أن الوقت قد حان لأوروبا لاستغلال الظروف الراهنة للانطلاق نحو دور أكثر تأثيرًا على الساحة المالية الدولية؟

لا يمكن تجاهل تأثير سياسات الرئيس الأميركي ترامب على الاقتصاد الأميركي حيث من المحتمل ان تؤدي حملات فرض الرسوم الجمركية والتقلبات السياسية إلى تراجع أكبر في الثقة الاقتصادية داخل الولايات المتحدة و التي ستؤثر على المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذات آمنة.

في ظل تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 10% منذ تولي ترامب منصبه، وكذلك تدهور ثقة أصحاب الأعمال الصغيرة، يبدو أن الاقتصاد الأميركي يشهد مرحلة من الاضطراب. ما قد يؤثر بشكل أكبر على هيمنة الدولار يؤثر على قدرة  السوق الأميركي على التعافي والعودة إلى سابق عهده.

وسط كل هذه التغيرات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لأوروبا أن تستغل هذا الوضع لخلق نظام مالي عالمي أكثر تنوعًا؟ أو هل سيظل الدولار يتربع على عرش النظام المالي العالمي لفترة أطول؟ الوقت وحده سيحدد ما إذا كانت هذه التحديات ستكون بداية لمرحلة جديدة من التوازنات الاقتصادية، أم أنها ستعزز من تمسك الولايات المتحدة بمكانتها المالية الكبرى.

*رأي سياسي*

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى